في الأخبار، أن اليابان تراجعت عن تنفيذ مشروع محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائيه لصالح تركيا وذلك بسبب تضاعف كلفته جراء الانخفاض الحاد في سعر الليرة التركية التي فقدت حوالي 40% من قيمتها مقابل الدولار. والمعروف أن المشروع الذي كان مقررا أن ينفذه كونسورتيوم بقيادة شركة “ميتسوبيشي اليابانية للصناعات الثقيلة” ارتفعت تكلفته إلى 44 مليار دولار مما يصعب على المنفذ الرئيس (ميتسوبيشي) الإستمرار فيه.
وعلى الرغم من حرص طوكيو على إظهار قدرة شركاتها العملاقة على التواجد في المشاريع الخارجية الكبرى فإنها لم تجد مفرا من الإنسحاب للأسباب المذكورة، ولم تنجح مزاعم الرئيس التركي أردوغان حول متانة إقتصاد بلاده في ثني اليابانيين عن قرارهم.
فإذا ما أضفنا إلى هذا الخبر، تعثر وصول البلدين لإتفاقية حول التجارة الحرة ــ خصوصا وأن أنقرة يساورها قلق شديد من تأثير إتفاقية الشراكة الاقتصادية المبرمة بين اليابان والإتحاد الأوروبي التي من المفترض دخولها حيز التنفيذ في وقت مبكر من العام القادم، علما بأن هذا الإتفاق سيسمح بدخول المنتوجات اليابانية إلى تركيا بدون رسوم من خلال دول الاتحاد الأوروبي مما سيحرم أنقرة من ملايين الدولارات ــ لأمكننا القول أن علاقات البلدين تمر في مرحلة ضمور من بعد سنوات من النمو.
ففي أوج الحرب العراقية ــ الإيرانية حينما كان صدام حسين يهدد بإسقاط أي طائرة حربية أو مدنية، كان أفراد البعثة الدبلوماسية اليابانية في العراق (215 فردا) في موقف صعب لأنه لم يكن بالإمكان إرسال طائرة لإجلائهم بسبب ظروف الحرب المشتعلة، فقامت الخطوط الجوية التركية بنقلهم إلى اليابان بعد دخولهم الأراضي التركية برا.
وقتها قال الأتراك أن عملهم هذا هو رد لجميل اليابانيين حيال د.. فما هي قصة الفرقاطة؟
الفرقاطة أرطغرل أرسلها الخليفة العثماني عبدالحميد إلى اليابان في عام 1890 حاملة الهدايا للامبراطور الياباني “موتسو هيتو” لكنها تعرضت في طريق عودتها للأعاصير فغرقت قبالة سواحل “واكاندا”، لكن القرويين اليابانيين هبوا لنجدتها واستطاعوا إنقاذ 69 من بحارتها فيما غرق الباقون وعددهم 527. ومن هنا راحت العلاقات بين البلدين تتوطد إلى درجة أن فيلما سينمائيا يحكي عن نموها تم إنتاجه في عام 2015 ، ناهيك عن إصدار طابع بريدي مشترك في عام 1990 إحياء لذكرى مرور مائة عام على حادثة غرق “أرطغرل”.
هذا ما حدث في الزمن العثماني القديم. أما في الزمن العثماني الجديد بقيادة أردوغان فنجد أن اليابانيين شاركوا في تنفيذ مشروع “مرمراي” للخط الحديدي الموصل بين إسطنبول الآسيوية وإسطنبول الأوروبية من تحت مياه البوسفور، وحضروا إفتتاحه في عام 2013. وقتذاك قال الأتراك أن الحدث يمثل بداية شراكة إستراتيجية وتنموية بين البلدين. وفي بدايات عام 2014 قام أردوغان بصفته رئيسا لوزراء تركيا بزيارة لليابان وقع خلالها على عدد من الإتفاقيات الثنائية، ثم قام في العام التالي بزيارة أخرى وصفت بالاقتصادية البحتة الهادفة إلى إشراك اليابان في مشاريع تركية كبرى أخرى مثل مشروع القطار السريع ومشروع القمر الصناعي التركي المعروف باسم “غوك تورك”. بل قيل أن هذه الزيارات جاءت في إطار بحث تركيا عن شركاء إقتصاديين جدد بعيدا عن شركاء تركيا التقليديين من العرب الذين عصفت أحداث الربيع العربي ببلدانهم مما تسبب في خسارة تركيا لما نسبته 40% من حجم تجارتها الخارجية. حيث ذكرت صحيفة “ميللت” التركية ما مفاده أن تركيا تستهدف من وراء تطوير علاقاتها مع اليابان إستغلال الخبرات التكنولوجية والفنية اليابانية، وكذلك تنمية التجارة البينية التي كانت كفتها مائلة دوما لصالح اليابان بصورة واضحة، وذلك من خلال إقناع اليابانيين بزيادة حجم وارداتهم من تركيا والمتمثلة أساسا في المنتوجات الزراعية والغذائية. وقد قيل وقتها أيضا أن ما يجمع البلدين ويدفعهما إلى الارتباط بشراكة إستراتيجية هو شعور كليهما بالاقصاء والإستبعاد من المشاركة الفعالة في الهيئات الدولية التي تقرر سياسات العالم مثل مجلس الأمن الدولي.
من جهة أخرى باتت رغبة الأتراك في جذب المزيد من السياح اليابانيين، رغم تزايد أعدادهم في السنوات الأخيرة، معرضة لإنتكاسة مردها عدم شعور السائح الياباني بالأمان والطمأنينة في بلد يقع وسط منطقة مضطربة.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين