الكويت: “شفاف-خاص”
حسب العديد من المصادر، فإن الحكومة الكويتية رفعت استقالتها في اجتماعها الاستثنائي الذي عُقد صباح السبت، كما اعتمدت مرسوما بتحديد موعد الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة في 11 أكتوبر الجاري.
وجرت انتخابات الخميس لاختيار أعضاء مجلس الأمة الجديد. وجاءت النتائج النهائية لها والتي ظهرت فجر الجمعة لتكشف عن جملة من الدلالات والرسائل التي أظهرتها أرقام التصويت وأفرزتها الصناديق. إذ بلغت نسبة التغيير في تركيبة المجلس الجديد بنسبة 54%، حيث خسر 20 نائبا سابقا مقاعدهم بينهم ثلاثة من الوزراء السابقين.
وباتت التركيبة تتسم بالطابع المحافظ جدا، إضافة إلى الطابع المعارض، إذ سيطر النواب الإسلاميون والقبائليون على أكثر من نصف عدد المجلس المكون من 50 نائبا.
وفيما أثارت “وثيقة القيم” التي تم طرحها خلال الحملات الانتخابية جدلا واسعا في الشارع الكويتي، أظهرت نتائج الانتخابات فوز 17 مرشحا (ثلث أعضاء البرلمان) ممن وقّعوا على “الوثيقة”. وكان مرشحون أعلنوا عن رفضهم “للوثيقة” باعتبار أنها تمثّل فرضا للوصاية الدينية على الشعب. ورغم الهجوم الكبير من قبل التيار المدني على “الوثيقة” وعلى من وقّع عليها، إلا أن نتائج الانتخابات دلّلت على أن الهجوم كان ضعيفا في مقابل التأييد الواسع لأنصار التيار الإسلامي لها، وأن نتائج الانتخابات وفوز جميع من وقّع على “الوثيقة” عكسَ تراجع الفكر المدني والثقافة المدنية في الشارع الكويتي.
من جانبها استطاعت الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” (الاخوان المسلمين) الحفاظ على مقاعدها “الإستراتيجية” في ثلاث دوائر انتخابية، حيث اقتنص “صقورها” الثلاثة، أسامة الشاهين الدائرة الأولى، وعبدالعزيز الصقعبي الدائرة الثالثة، وحمد المطر الدائرة الثانية. كما فاز اثنان من المقرّبين منها، وهما فلاح ضاحي في الدائرة الثانية، وعبدالله فهاد في الدائرة الرابعة.
ونجح المرشحان المحسوبان على التجمع الإسلامي السلفي، وهما حمد العبيد ومبارك الطشة . كذلك فاز كل من محمد هايف “تجمع ثوابت الأمة” (سلفي) وعادل الدمخي وعمار العجمي، وهما مستقلان “سلفيان”.
كذلك كشفت نتائج الانتخابات عن عودة المرأة إلى مقاعد المجلس الجديد بعد غياب كامل عن المجلس السابق، حيث فازت شيرين بوشهري (شيعية قريبة من توجه الحكومة) وعالية الخالد (توجه وطني قريب من التجار).
كما فاز الرمز السياسي البارز ورئيس مجلس الأمة في دورات عدة سابقة أحمد السعدون بالانتخابات وحقّق رقما قياسيا في عدد الأصوات التي حصل عليها وهو الأعلى بين جميع الفائزين. وكان السعدون قد قاطع الانتخابات لفترة 10 أعوام احتجاجا على تغيير السلطة لقواعد عملية الانتخاب. وأعلن السعدون السبت ترشحه لرئاسة المجلس، ويتوقع أن يحصل على مقعد الرئاسة بالتزكية فيما لم يعلن أي نائب حتى الآن الترشح لمنافسته.
وفي سابقة هي الأولى، تمكن المرشحان مرزوق الخليفة، وحامد البذالي، من الفوز بعضوية المجلس وهما داخل الحبس. والخليفة محتجز على ذمة قضية تتعلق بانتخابات فرعية تعرف باسم “تشاورية شمر” للحكم فيها يوم 10 أكتوبر.
والانتخابات الفرعية هي اقتراع تقيمه القبائل فيما بينها – بشكل غير قانوني – لاختيار مرشح واحد من أبنائها ينافس بالانتخابات. كما أن البذالي محتجز على ذمة قضية مماثلة بتنظيم انتخابات فرعية لقبيلة “بني غانم” قبل انتخابات 2020.
وفيما يتعلق بتوجهات النواب الشيعة الـ9 الذين فازوا في الانتخابات، فإن “التآلف الإسلامي” (حزب الله) استطاع إيصال 3 نواب إلى المجلس وهم أحمد لاري وهاني شمس وخليل أبل، فيما استطاع “تجمع العدالة والسلام” (التيار الشيرازي) إيصال نائبين هما صالح عاشور وخليل الصالح، وهو تيار إسلامي مرتبط بالمرجع الشيعي صادق الشيرازي المتواجد في مدينة “قم” الإيرانية. كما نجح في الانتخابات النائب السابق والسياسي البارز حسن جوهر، وهو محسوب على التيار الوطني، وقد ترشح السبت للمنافسة على مقعد نائب رئيس المجلس. كذلك نجح أسامة الزيد، وهو مستقل وقريب من التيار الوطني. كذلك نجحت جنان بوشهري، وهي مستقلة وقريبة من توجه الحكومة. ونجح شعيب شعبان، وهو ايضا مستقل وقريب من توجه الحكومة.
وإذا ما صنّفنا النواب الشيعة الـ9 سياسيا، نجد أن 5 منهم ينتمون إلى التيار الديني الشيعي، و2 قريبان من التوجه الحكومي، و2 يحسبان على التيار الوطني.
بصورة عامة، من الصعب تحديد عدد النواب الإسلاميين في المجلس الجديد! فالمشاريع التي عادة يشتم منها رائحة التوجه الديني تحظى باستمرار بدعم توجهات مختلفة. فإضافة إلى دعم الاسلاميين الحركيين لها، فإنها تحظى أيضا بدعم نواب مستقلين ونواب محافظين ونواب قبليين.
من جانب آخر، فإن السياسات الحكومية الجديدة، أو لنقل التغيّرات الجديدة في تكتيكات عمل الحكومة، وخاصة الإصلاحات الانتخابية التي فرضتها على الساحة، قد تشكّل سيناريو جديدا للنواب المحسوبين على الحكومة. او بعبارة أخرى، فإن معادلة ما يسمى “النواب الحكوميين” من شأنها أن تتغير في المجلس الجديد بسبب تغيّر بعض السلوك الحكومي إن صح التعبير.
بالنسبة لمسمّى النواب الليبراليين، فلا يوجد في المجلس الجديد أي نائب يمكن أن يتبنى الأفكار الليبرالية بصورة حقيقية، خاصة إذا ما عرّفنا الليبرالية بأنها توجه للدفاع عن الحريات الشخصية والاجتماعية وعن سياسات السوق.
إذًا، يهيمن على المجلس الجديد نواب معروفون بمعارضتهم للحكومة. لذا تميل التوقعات إلى توجه السياسات الحكومية نحو التعاون مع المجلس. أي أن محصلة نتائج الانتخابات تشير إلى أن مجلس الأمة الجديد هو مجلس محافظ إلى حد كبير، ومجلس معارض إلى حد كبير أيضا.
لذا السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه هو: هل سينجح المجلس في “تصحيح مسار” المرحلة السابقة أم سيعود التأزيم للحضور من جديد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي دفع إلى حل المجلس السابق والدعوة لانتخابات مبكرة؟
حسب بعض المحللين، من المتوقع أن تتشكل في المجلس الجديد كتل نيابية تتفق كل منها على أولوياتها بغية أن يكون هناك تنسيق لتحقيق إنجاز تشريعي. وستكون القضايا الاقتصادية ومحاربة الفساد وتحريك عجلة التنمية، عناوين رئيسية في الاختبار الحقيقي للعلاقة بين الحكومة والمجلس.