لم يكن صدفة أن يتشابه مضمون ما جاء في المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، مع الكلمة التي ألقاها رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد جاسم الصقر في الجمعية العمومية للغرفة في نفس يوم مؤتمر الغانم!
هذا، رغم من أن ما جاء على لسان الغانم كان أشد وقعا على الساحة السياسية والاجتماعية في الكويت، بل وفي المنطقة أيضا. حيث اعتبر الغانم وجود رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف (نجل أمير البلاد) على رأس الحكومة “خطراً على الكويت”. فيما اعتبر الصقر أن الكويت “في خطر وليس من حقنا السكوت”، في إشارة إلى الأوضاع السياسية غير المستقرة، والخدماتية والتنموية المتراجعة.
فقد ناشد الغانم القيادة السياسية الكويتية “التدخل الفوري لوقف العبث الذي يمارسه رئيس مجلس الوزراء تجاه الشعب ومصالحه“. وقال موجها كلامه للنواف: “ألا تعلم بأن البلد واقف، هل تشعر بمعاناة الناس؟ احترم الدستور وأحكام القضاء أو اعتذر ليأتي رجل دولة من الأسرة يملك قراره وينتشلنا مما نحن فيه”، في إشارة إلى حكم المحكمة الدستورية الصادر قبل أقل من شهر والذي أبطل وجود البرلمان الحالي (برلمان 2022) وأعاد البرلمان السابق ورئيسه الغانم إلى الساحة (برلمان 2020).
وأضاف الغانم: “طلبتُ مقابلة الأمير ولم أمُكَّن، وسمعت أن النواف لا يريدني مقابلة سموه، واليوم أطلب من القيادة السياسية التدخل الفوري لإصلاح الوضع”.
ويقول مراقبون أن الهجوم العنيف للغانم على النواف، وما جاء في كلمة الصقر، هما تمظهرات للخلاف داخل الأسرة الحاكمة أو انعكاس لصراع النفوذ بين أفراد الأسرة. وخاصة المؤتمر الصحفي للغانم، الذي، وفق بعض المراقبين، ما كان ليستطيع فتح جبهة ضد النواف دون أن يكون مسنودا في ذلك من أحد أطراف الأسرة!
ووفق البعض، قد يكون هجوم الغانم مقدمة لسيناريو تغيير النواف بشيخ آخر لرئاسة مجلس الوزراء في ظل توتر العلاقة بين النواف وبرلمان 2020 الذي يرأسه الغانم، إضافة إلى الأنباء التي تشير إلى عدم رضا بعض الأطراف النافذة في الأسرة من إدارة النواف لأمور الحكومة، فهو، على سبيل المثال، لم يستطع أن يحرك عجلة تفاهماته مع برلمان 2022 أيضا.
لم يكن هذا السيناريو الوحيد المطروح في الساحة السياسية. إذ يتحدث سيناريو آخر أطلّ برأسه، عن سعي الكتلة السياسية البرلمانية والشعبية التي يسيطر عليها الغانم لعرقلة حكومة يترأسها النواف، باعتبار أن النواف هو أحد حلفاء العدو السياسي اللدود للغانم، أي الشيخ أحمد الفهد الذي ينتظره حُكم في سويسرا بشأن تُهم تتعلق بترتيب قضية تحكيم في جنيف في عام 2014 لتوثيق أدلة مصورة ثبت أنه تم التلاعب بها. فوجود النواف على رأس الحكومة هو بمثابة عودة لنفوذ تيار الفهد وتهديد للمملكة السياسية للغانم، التي بناها على مدار عشر سوات، أي منذ أن تفاهم مع الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد عام 2012 (أثناء فورة “الحراك”) لعرقلة نفوذ المعارضة السياسية في الكويت. لذا يبدو أن طبقة التجار (غرفة التجارة، والأسر التجارية العريقة المهيمنة، كالخرافي والغانم والشايع وغيرها) المتحالفة سياسيا واقتصاديا مع القيادة السياسية، تريد أن تفرض شروطها على القيادة بالضغط لتغيير النواف.
ومن السيناريوهات الأخرى التي تطل برأسها أيضا في الأزمة السياسية الراهنة، الحديث عن نية القيادة السياسية (أثناء الكلمة السنوية المعتادة في العشر الأواخر من شهر رمضان) “تعليق عمل البرلمان” لفترة قانونية معينة، والسعي “للتصالح” مع الشعب بإقرار بعض القوانين الشعبية بصورة أحادية، لعل وعسى يساهم ذلك في “إرضاء” الناس في ظل تراجع الكثير من الخدمات. بل إن “التحالف الوطني الديمقراطي”، الذي ينتمي إليه رئيس غرفة التجارة محمد جاسم الصقر، خطا خطوة أكبر من ذلك حينما حذر الجمعة من أنباء تتحدث عن نية القيادة السياسية “تعليق العمل بالدستور”. وقال في بيان “إنها أماني للبعض تتعارض مع خطاب سمو الأمير الذي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد بقولهما «لن نحيد عن الدستور ولن نقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه ولا حتى المساس به حيث سيكون في حرز مكنون فهو شرعية الحكم وضمان بقائه والعهد الوثيق بيننا وبينكم»”.
جدير بالذكر أن المؤتمر الصحفي الأخير للغانم والذي هاجم فيه النواف، جاء بعد يوم على تعذر عقد الجلسة الأولى لبرلمان 2020، بسبب عدم حضور الحكومة، وأيضا لعدم اكتمال النصاب القانوني، حيث لم يحضر سوى اثنين وعشرين نائبا من أصل خمسين نائبا.
وتنص المادة 116 من الدستور الكويتي، على أنه يجب تمثيل الحكومة في جلسات المجلس حتى يمارس أعماله. وتقاطع حكومة تصريف الأعمال الحالية جلسات البرلمان منذ يناير الماضي.
وكان من المفترض أن يجري حل أزمة علاقة الحكومة ببرلمان 2022 بإعلان حكومة جديدة كُلِّف بتشكيلها مجددا النواف في أوائل مارس الماضي. لكن قرارا مفاجئا صدر عن المحكمة الدستورية في التاسع عشر من نفس الشهر قضى بإبطال برلمان 2022، وإعادة برلمان 2020، لتدخل الكويت بذلك مرحلة جديدة من الأزمة، تبدو مفتوحة السيناريوهات. وجاء حكم المحكمة في نصوصه ليزيد من قوة القضاء واحترام الجميع لأحكامه، وهذا عزز التقاليد والممارسات الديمقراطية في الدولة.
من جهة أخرى، لا يخفي البعض وبينهم نواب شكوكا في قرار المحكمة الدستورية، وأرجحيته، معتبرين أن ما صدر عن المحكمة أدخل البلاد في تعقيدات جديدة، كما أنه شكل تجاوزا لصلاحيات الأمير، حيث إن الدواعي التي بنت عليها المحكمة قرارها تتعلق بإشكالات في مراسيم حل البرلمان السابق ودعوة الناخبين لانتخابات جديدة عقدت في سبتمبر الماضي، وهي في صميم صلاحيات الأمير.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون موقف النواف من عدم حضور أولى جلسات البرلمان العائد، نابعا من ذات الشكوك التي تلامس البعض بشأن قرار المحكمة الدستورية، والتي جعلته حتى الآن لا يحسم في إعلان التشكيل الحكومي الجديد.