خلقت هذه التصريحات حالة من الجدل والهجوم الحاد، ويبدو أن ذلك دفعها للتراجع في اليوم التالي قائلة “زواج المسلمة من غير المسلم لا يصح، لأنه يؤدي إلى خراب، ففي الصعيد لا نزوج بناتنا من وجه بحري فما بالك بمن هو من غير ديننا”.
والحقيقة عندما شاهدت الفيديو الذي احتوى التصريحات لفت انتباهي سؤال المحاورة لها عن دين الأطفال في حال أنجبت الزوجة المسلمة من رجل غير مسلم. فردت الأطفال يتبعون دين والدهم، فقالت المحاورة ولكننا بهذا الشكل سنخسر الأطفال. فعقبت دكتورة آمنة قائلة: نعم سنخسرهم. وهنا مربط الفرس، كما نقول بالعامية المصرية.
فلو كان الدين يحرم زواج المسلمة من غير المسلم بدعوى أن المسيحي أو اليهودي مُشرك أو كافر، فكيف يقبل في نفس اللحظة زواج المسلم من مسيحية أو يهودية على اعتبار أنها من أهل الكتاب؟ فهذا تناقض واضح وصريح.
والحقيقة أن الأمر لا يوجد فيه نص قرآني صريح، ولكنه مرتبط بآراء الفقهاء، وربما أيضا بالثقافة. فهذا الرأي مبني على فكرة أن المرأة دورها في الزواج هو التبعية، ولذا فزواج المسيحية أو اليهودية من مسلم مقبول أو جائز على اعتبار أن الرجل هو الذي سيفرض معتقداته عليها وعلى الأطفال، بينما العكس غير مقبول أو غير جائز.
هذا المنظور يحمل عدة مشاكل، أولها أنه يبني علاقة الزواج على مبدأ التبعية وليس المشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات. وثانيها أنه يفترض أن على طرف إجبار الآخر على دينه. وثالثها هو أنه يتعامل مع الزواج باعتباره مشروعا للإنجاب يهدف إلى زيادة أعداد المؤمنين بدين معين في مقابل الدين الآخر، وكأنها مباراة بين فريقين ينتصر فيها الفريق الذي تزداد أعداده أكثر!
والأهم من ذلك هو أنه يتجاهل أن المرأة المسلمة هي إنسانة حرة لها حقوق، وأن من حقها أن تختار شريك حياتها بغض النظر عن التفسيرات الدينية سواء كانت تفسيرات تدين أو تؤيد هذا الأمر، علما بأن التفسيرين موجودان، وإن د. آمنة نصير ليست أول من تقول إن زواج المسلمة بالمسيحي أو اليهودي جائز.
وهنا في الحقيقة أنا لا أتكلم عن المرأة المسلمة المصرية على وجه الخصوص، ولكنني أتكلم عن المرأة المسلمة في العموم. فربما يقول أحدهم إن المسلمة المصرية لديها خيارات عديدة في مجتمع أغلبيته من المسلمين عندما يأتي الأمر للزواج، وربما يكون ذلك حقيقيا ولكنه لا ينفي حقها في الزواج بشخص غير مسلم إن أرادت.
ولكن ماذا عن المرأة المسلمة في مجتمعات غير مسلمة، ولنقل مثلا الولايات المتحدة، حيث عدد المسلمين حوالي 1٪ من السكان. فبحسبة رياضية بسيطة معنى هذا أن هذه المرأة ستقابل 99 رجلا غير مسلم في مقابل كل رجل مسلم في حياتها. أو في دول مثل لبنان حيث تتعدد وتتنوع الطوائف الدينية ومع تنوعها تزداد فرص الارتباط بين أفراد هذه الطوائف.
فماذا لو رغبت امرأة مسلمة في الارتباط بغير مسلم. أليس من حقها على الأقل قانونا أن تفعل ذلك؟
وهنا علينا أن نتوقف عن الحديث عن الزواج باعتباره شأنا دينيا، ونتحدث عنه من منظور مدني وحقوقي. فالزواج كشأن ديني يخضع لتفسيرات وتشريعات رجال الدين التي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان أيضا. فتونس مثلا أقرت زواج المسلمة من غير المسلم، بينما في مصر مازال الأمر غير جائز من الناحية الشرعية بحسب رؤية الأزهر.
فالزواج حق إنساني أصيل، نصت عليه المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة رقم 16 والتي أقرت بحق الزواج وتأسيس الأسرة للرجل والمرأة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين.
وعليه فالمرأة سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو أيا كان دينها هي إنسانة بالغة لها حقوق كاملة وأحد هذه الحقوق هو اختيار شريك حياتها حتى وإن لم يتفق ذلك مع تفسيرات الهيئات الدينية.
وبناء عليه فدور الدولة ببساطة هو أن تمكنها من ممارسة هذا الحق من خلال الزواج المدني. فالقضية هنا ليست في تفسير النصوص الدينية بقدر ما هي في اعتراف الدولة والمجتمع بهذه الحقوق.