اهم ما في الحديث الشامل الذي اجراه معه محمد علي الاتاسي ونشر في صحيفة “القدس العربي”*، دعوة الترك لمراجعة تجربة الثورة السورية وتقبل النقد والاعتراف بالاخطاء التي ادت للفشل، وبالتالي التمكن من تحديد الاهداف في المرحلة القادمة. سيختلف المتابعون بالتأكيد مع جوانب من وجهة نظره حول ما حدث وما يجب العمل عليه في المستقبل، ولكن ان لم نختلف، وتبنينا كل ما ذكره، فذلك يعني اننا لن نجد طريقنا وسط الازمة المعقدة التي تمر بها سوريا.
فمراجعة التجربة والجدال بين مختلفين هو ما يوضح الطريق. اما المسارعة للاتهام او التخوين او الاستهزاء او الرفض الكلي فيعني اننا لم نتعلم من كل ما حدث واستمرينا، كما عديد من النخب، تفكر بالطريقة القديمة لتشخيص موقفه، وتحويل الجدل معه لصراع شخصي لا يغني ولا يسمن من جوع، مع اهمال القضايا الرئيسية التي يجب ان يجري الحوار حولها.
في مصارحة مع النفس، يعترف الترك بان دوره في الحزب والداخل ضعفَ بسبب مرضه وتقدمه في العمر، ويشك في ان دوره سيكون مقبولا من الناس، ويرى انه انتهى وجاء دور الشباب. وان الثورة خسرت جولة، ولكن مبادئها ستحفز لجولات اخرى. ويعترف بفشل المجلس الوطني والائتلاف، ودور الاخوان المسلمين في هذا الفشل من خلال سعيهم للهيمنة شبه المنفردة على مؤسسات الثورة. كما يخطئ المسارعة لحمل السلاح وعسكرة الثورة التي لم يشارك بها حزبه، وينتقد الارتباط بجهات اجنبية واسلمة الثورة لصالح دول اقليمية مما ادى لوصاية اقليمية ودولية على الثورة. برأيه ان مواقف وسياسات تيار الاسلام السياسي احد الاسباب الرئيسية التي ادت للفشل. لكنه مع ذلك لا يطالب باقصائه كما يفعل البعض، بل يجب نقده والاشتباك معه سياسيا وايديولوجيا، وهذا موقف صحيح لانه لا يمكن تجاهل وزن التيار في المجتمع.
ويرى ان من اولويات العمل حاليا العمل من اجل عودة الناس الكريمة والآمنة للبلد، وان الحلقة الرئيسية للنضال بكافة الاشكال لاخراج القوى الاجنبية من البلد وليس اسقاط النظام، “لانه دمية وعصابات وليس نظام”. وهنا نختلف معه اذ انه يقلل كثيرا من اهمية النظام وقوته رغم انه بات تابعا لايران وروسيا، فاقتلاع الاحتلال يعني ضعف النظام ولكنه لا يعني كما يقول ابن العم ان “النظام لن تقوم له قائمة بعد ذلك”! النضال برأينا يجب ان يكون ضد النظام وضد الاحتلال الاجنبي سويا. وربما تكون الاولوية في هذه الثنائية ضد النظام، اذ ان الاحتلالين سيفقدان شرعيتهما بالبقاء في سوريا ان تغير النظام وسيضطران للانسحاب دون تأخير في جو معادٍ لهما، فقوتهما لن تكسبهما شرعية للبقاء.
الترك لا يتخلى عن الديمقراطية التي يعتبرها “العمود الفقري للقضية السورية” لكنه يركز على التحرر من الاحتلال والوقوف في وجه محاولات تعويم النظام، وهو ما يعني مرة اخرى الاعتراف بالديمقراطية ولكن تأجيلها حتى تحقيق اهداف اخرى. كما في السابق عندما كانت الاولوية لتحرير فلسطين، او للوحدة العربية او الاشتراكية، وذلك برأيي تكرار للخطأ، اذ ان تجربتنا الطويلة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، علمتنا انه لا يمكن تحقيق اي هدف دون انسان حر، والمسائل حاليا مترابطة اذ ان المسألة الرئيسية هي استمرار النضال من اجل الديمقراطية وتحرير سوريا من الاحتلال الاجنبي في نفس الوقت، فلا يمكن قصلهما على مراحل متتالية في ظل الظروف الراهنة.
كما انه لا يميز بين ما يسميه “الاحتلالات الاربعة” رغم ان الاساسي فيها هو الروسي والايراني، رغم الاختلاف والخلاف بينهما، فيما الامريكي حاليا توجهه الرئيسي فيما عدا مواجهة “داعش” السعي لاخراج ايران من سوريا، وليس الغرق في صراع بين معارضة ونظام. اما الوجود التركي في شمال سوريا فهو محدود وعمليا يصب بشكل ما لصالح المعارضة وليس النظام، رغم التوافقات الروسية التركية التي هي بديل لتركيا عن اميركا التي ادت سياساتها في سوريا لتقوية القوى الاوجلانية المعادية لتركيا. علما بان الترك يشير للمسألة الكردية وحلها في اطار وحدة الاراضي السورية دون التطرق للامر الواقع الذي فرضه الحزب الاوجلاني بالاستعانة باميركا.
كما يرى الترك ان المظلة التي يلتقي حولها جميع السوريين مهما اختلفوا في انتمائهم الديني او الطائفي او القومي او الحزبي السياسي والايديولوجي هو “الوطنية السورية“، وقد يفسر ذلك بانه تأجيل للديمقراطية او التخلي عن اولويتها، وهو قول غير دقيق اذ ان ما يجمع السوريين هو بلد ديمقراطي علماني يتعايش فيه الجميع، ولا يمكن ان يتحقق بدون الديمقراطية وقبول التعددية والآخر المختلف، اي ان الوطنية لا يمكن ان تتحقق دون الديمقراطية التي افتقادها يحوّل الوطن من انتماء وطني الى سجن تحاول الاغلبية الفرار منه. والترك رغم اعترافه بفشل الثورة فانه يناقض نفسه عندما يقول ان “الثورة منتصرة ولو هزمت” !! والتعبير الافضل الذي يورده انها خسرت جولة في صراع طويل وجولات قادمة.
كما يخطئ عندما يقول – ما هو شائع للاسف- ان “هناك استنفار استعماري لمنع الشعوب العربية من اخذ زمام امورها بنفسها”. وهو قول غير دقيق لا يأخذ بالحسبان التنوع في المواقف بين الدول من الانتفاضات العربية، والتنوع في مدى دعمها للانتفاضات او مدى مواجهتها للانتفاضات سياسيا او عسكريا، او في مراحل مواقف كل دولة من تطورات الاوضاع الخاصة بكل بلد منتفض. موقفه “التعميمي” يصب فيما تروّجه نخب وغير نخب من ان “العالم كله تحالف ضد الثورات العربية”!. ويخصص الترك اميركا وادارة اوباما بتقييم تعميمي آخر بانها “لا تقبل بصناديق الاقتراع، وتفضل التعامل مع انظمة يقودها رجل واحد”، الذي ان كان صحيحا في حالات فانه غير صحيح في اخرى.
ما ذكرناه نقاط اولية حول ما نختلف به مع الترك، رغم اتفاقنا معه في كثير من الامور.
ما اورده في الحديث ذو اهمية كبيرة في مراجعة تجربة الانتفاضة السورية، وهي مراجعة تأخذ اهميتها من الكارثة السورية المستمرة التي تبدو بلا نهاية. المهمة الملحة لكافة المهتمين بالمسألة اجراء مراجعاتهم ايضا والجدال حول تقييم ما حدث واستخلاص المهمات المقبلة للنضال لانتقال سوريا من الحكم الاستبدادي والاحتلالات الخارجية، الى سوريا المتحررة والديمقراطية العلمانية.
ما نقترحه ان يعمل الترك وكل من يشاركه الرأي على تشكيل منتدى يضم كل القوى الديمقراطية العلمانية لمراجعة التجربة وتحديد مهمات المرحلة المقبلة، في اطار يعيد الاعتبار لهذه القوى في مواجهة التيار الاسلامي الذي لعب الدور الاكبر في افشال الثورة من خلال هيمنته على مقدراتها. لا يقصي هذا التيار ولكن يرسم الحدود التي تفصله عن الديمقراطيين العلمانيين في المرحلة القادمة التي نتوقع ان تشهد عودة التيار الديمقراطي للعب دوره الهام في مستقبل سوريا.
ahmarw6@gmail.com
إقرأ أيضاً:
“في أول حديث له بعد خروجه متسللا من سوريا، رياض الترك: الخلل الرئيسي لم يعد بقاء الأسد، الحلقة المفصلية هي إنهاء الاحتلال الأجنبي، الرهان على الغرب كان معاكسا لمصالح الثورة”.