خلال الأشهر الماضية كنت بحاجة الى أن أنظر إلى داخلي أكثر لأجد نفسي، فقررت إجراء عملية الديتوكس الرقمي، علقت حسابي في تويتر، ولأني لم أعرف كيف أغلق حساب الفيسبوك تجاهلته فقط، وقررت الابتعاد عن السوشيال ميديا. الأيام الأولى كانت صعبة، فقد كان هناك ما ينقصني في روتيني اليومي، لا إشعارات، لا تغريدات، لا تعليقات. شعرت اني معزولة عن العالم الافتراضي، وأن هناك أحداثا تفوتني وأخباراً لا أسمع عنها (عوارض متلازمة «فومو»)، لكن، وقبل أن أنتبه إلى التغيرات التي استجدت، انتبه لها أهل بيتي، ابنتي قالت لي: ماما أنت أصبحت رائقة، زوجي لاحظ تحسّن مزاجي وأصبحت أكثر اهتماماً بأمور البيت، ولسعادته، أصبحت ادخل المطبخ أكثر، وأصدقائي انتبهوا أني بت أنظر في أعينهم عند الحديث بدلاً من تفحص هاتفي كل خمس دقائق.
أنا نفسي شعرت براحة نفسية كبيرة، ووجدت أني أملك الكثير من الوقت لأهتم بصحتي وأستمتع بالحياة الحقيقية: أمارس الرياضة، التأمل، أشاهد أفلاما، أحضر أمسيات موسيقية، أقرأ، أكتب وأتزاور. في الحقيقة كانت راحتي أكثرها نتيجة ابتعادي عن المهاترات والمشاكل والاخبار التعيسة، التي تعج بها السوشيال ميديا، لأصبح أكثر التصاقا بالعالم الواقعي، الناس الحقيقيين، العائلة، الأصدقاء، تفاصيل الحياة الصغيرة، التي لا نراها عندما تكون عيوننا ملتصقة بالشاشات، كالوردة التي تفتحت فجأة في أصيصي على غفلة مني.
الدراسات تؤكد أن الإدمان على السوشيال ميديا يؤدي إلى الاكتئاب والعزلة وتراجع الإنتاجية، عدا عن أنه يعيق تكوين صداقات في الحياة الحقيقية، وأن ابتعاد الشخص عن السوشيال ميديا حتى لمدة أسبوع فقط يعزز استقراره النفسي، ويصل به إلى نقطة اتزان في حياته، ويخلصه من العديد من الصفات السيئة. ولمن لا يستطيع اتخاذ قرار الديتوكس التكنولوجي بنفسه، أصبحت هناك منتجعات خاصة تساعدك على «إزالة السموم الرقمية»، لتقضي بها مدة محددة بلا هواتف، بلا شاشات، بلا شبكات، بلا «فومو»، وتنفصل عن العالم الافتراضي لتعيد اتصالك مع العالم الحقيقي، والأهم، مع نفسك.
عندما تطلب كعكة شهية، لا تصورها، ضع قطعة منها في فمك وتلذذ بها بكل حواسك. عندما ترى منظر الغروب لا تلتقط هاتفك لتصويره ونشر صورته، ركز في المنظر، استمتع به واحتفظ بصورة ذهنية له في ذاكرتك. عنما يأتيك طفلك ضاحكاً، لا توقفيه لأخذ «بوز» حتى يتسنى لك تصويره، ضميه إلى قلبك وقبّليه. هذه هي الحياة الحقيقية، وليست الصور المنشورة على وسائل التواصل.
أزيلوا سموم التكنولوجيا من أجسامكم، افصلوا شاشاتكم لتعيدوا اتصالكم بالحياة. أغلقوا هواتفكم، ارفعوا رؤوسكم، وانظروا حولكم… لا بد أن تجدوا وردة تفتحت في أصيص على غفلة منكم.
dalaaalmoufti@
D.moufti@gmail.com