إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
يرى الكاتب دايفد داود أنّ الرئيس السوري بشار الأسد انتصر بشكل واضح، ويؤكد في مقال بموقع “المجلس الأطلسي” أنّ إيران لن تخرج من سوريا من دون قتال وأنه من الخطأ الرهان على استقطاب الرئيس السوري عبر عودته إلى الجامعة العربية والعلاقات السياسية والاقتصادية من أجل إبعاده عن إيران.
فيديو | وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى جدة للمشاركة في القمة العربية الـ 32#قمة_جدة#الإخبارية pic.twitter.com/FtiqWmLQMi
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) May 18, 2023
إن أوضح اعتراض على إعادة إدخال نظام الأسد في ما يسمى بالجامعة العربية هو اعتراض أخلاقي. جرائم الأسد خلال العقد الماضي تميّزه عن غيره من الحكّام المستبدّين في الشرق الأوسط. هذه الجرائم تستوجب أن يبقى منبوذًا – وألا تتم إعادة تطبيع العلاقات معه ببطء باعتباره لاعبًا دوليًا شرعيًا.
بعد كل شيء، خرج الأسد منتصرًا في الحرب الأهلية السورية بقتل مئات الآلاف من شعبه، وجرح وتعذيب آخرين، وتشريد الملايين. تسبب انتصاره المجبول بالدماء بألم لا يُقاس للشعب السوري، وقد تستمر آثار ذلك لعقود.
ومع ذلك، نادرًا ما يسمح الواقع والتاريخ بأن يكون فن الحكم منظمًا من الناحية الأخلاقية. في صياغة مفهومه عن مبرر الدولة، قال رئيس وزراء فرنسا من 1624-1642 الكاردينال دي ريشيليو إنّ “الإنسان خالد، وخلاصه فيما بعد. الدولة ليس لها خلود، خلاصها الآن أو لن يكون لها خلاص أبدًا”. بعبارة أخرى، لا تحصل الدول على الفضل أو المكافأة في هذه الحياة ولا في الحياة التالية لاتخاذها الاختيار الصحيح من الناحية الأخلاقية. لا تُكافأ إلا على فعل ما هو ضروري.
إلى حد ما، هذا صحيح في ما يتعلّق بسوريا. لقد قدم الواقع – ونتائج الحرب الأهلية السورية – للعالم العربي خيارين:
الأول هو مقاطعة الأسد بشكل دائم والسماح للهيمنة الإيرانية على سوريا بالاستمرار في النمو. في غضون ذلك، فإنّ هذه العزلة الدبلوماسية – إلى جانب حصار مالي على شكل عقوبات تقودها الولايات المتحدة – ستمنع عودة سوريا أو إعادة إعمارها. عندها، سيستمر الشعب السوري في المعاناة من حكم الأسد الديكتاتوري ومختلف أوجه النقص والحرمان التي سببتها حربه المدمرة، والتي ستزداد تعقيدًا بالعقوبات.
بدلاً من ذلك – وهذا هو المسار الذي يختاره العالم العربي – يمكن بذل محاولات لإغراء الأسد بالابتعاد عن طهران، عبر إعادة العلاقات معه على مضض لخلق مواجهة ضد النفوذ الإيراني المطلق.
ومع ذلك، فإنّ المنطق الذي يقوم عليه الخيار الثاني – إعادة الأسد إلى الفلك العربي – غير سليم، مبني على فرضية خاطئة مفادها بأنه لا يزال هناك شيء من النظام السوري المستقل والأسد لجذبه بالعودة من طهران.
يمكن الآن اعتبار الديكتاتور السوري بشكل فعال “رئيس بلدية دمشق”، الذي يحكم تلك الإقطاعية حسب رغبة إيران. بغض النظر عن مقدار الدعم العربي الذي يتمتع به، لا يمكن للأسد أن يطلب من إيران مغادرة بلاده طواعية.
إن ضمان عدم وقوع سوريا كما يُضرب المثل في أيدي العدو هو أمر وجودي بالنسبة لطهران. وصف مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى سوريا بأنها “المقاطعة الخامسة والثلاثين” الإيرانية للتأكيد على أنهم ينظرون إلى النشاط المناهض لإيران في سوريا على قدم المساواة مع الاضطرابات الداخلية. الإيرانيون ببساطة لا يثقون بالأسد ليتمكّن من السيطرة على البلاد من دون وجودهم وسيطرتهم.
بالإضافة إلى ذلك، استثمرت إيران الكثير من الدماء والأموال ورأس المال السياسي في سوريا مما يمنعها من الخروج من البلاد من دون قتال. ولا يمكن للأسد طردهم بالقوة، حيث تم تدمير جيشه العربي السوري بسبب الانشقاقات خلال الحرب الأهلية والقتال. منذ عام 2016، تحمّل حزب الله والجماعات الأخرى التي تعمل بالوكالة التابعة لإيران العبء الأكبر لمحاربة قوات المعارضة، وتولوا السيطرة على الأرض. في المقابل، لعب الجيش العربي السوري دورًا رمزيًا وثانويًا.
هذا هو السبب بأنّ هذا الجهد لإقناع الأسد بالعودة إلى الحظيرة العربية – التي طرحتها الإمارات في وقت مبكر من عام 2016، ولكن الآن بقيادة السعودية بحماس منذ أواخر آذار/ مارس 2023 – من غير المرجح أن تنجح. لم يتبقَّ سوى القليل من سوريا المستقلة للعمل معها. ولا يمكن للتدخل العربي في سوريا أن يعالج هذا القصور، لأنه من غير المحتمل أن يكون عميقاً أو متطفّلًا في الشؤون الداخلية للبلاد مثل إيران.
في إشارة إلى محادثة عام 2021 بيني وبين وزير الخارجية المصري سامح شكري عن هذا الموضوع، قال: “نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما”. لكن إيران تفعل ذلك.
وتقود دول الخليج العالم العربي فعلياً إلى تكرار نهجها القديم في التعامل مع جار سوريا، لبنان، الذي فشل هو الآخر بتحقيق أي نتائج. هذا على الرغم من أنّ نفوذ إيران – من خلال وكيلها حزب الله – يتضاءل في بيروت أكثر منه في دمشق، بسبب الطبيعة البيزنطية للسياسة اللبنانية. إذا كان هناك شيء قد حصل، فقد استغل حزب الله الاستقرار الذي وفرته المساعدات الخليجية لبيروت لينمو داخل لبنان. يمكن توقع أن تفعل إيران الشيء نفسه في سوريا، لا سيما إذا تمكنت مساعدات إعادة الإعمار من دخول البلاد.
من المحتمل أن يكون الأسد مدركًا تمامًا لهذا الوضع، ومن غير المرجح أن يحاول الانفصال عن إيران أو تقويض مصالحها عن طيب خاطر.
من المؤكد أنّ تاريخ طهران في التعامل مع المرؤوسين المتمرّدين سوف يردعه. يخاطر الأسد بالتصفية لأنه خرج عن الخط، حيث تُلقي طهران باللوم بشأن اغتياله على إسرائيل – كما فعل حزب الله مع رفيق الحريري – بسبب فشله بتقديم تنازلات كافية. أو يمكنهم اختيار الطريق الذي اختاره وكلاء الحوثي، كما حصل مع علي عبد الله صالح، حيث أعلنوا إنه خائن يستحق الموت.
لا يمكن الاعتماد على روسيا، الفاعل الآخر الذي له نفوذ في سوريا، لتقويض سيطرة إيران على البلاد. نظرًا لكون طهران لن تغادر البلاد عن طيب خاطر، فإنّ ذلك سيتطلّب من موسكو أن تعيد الحرب الأهلية السورية بأكملها. لكن هذه المرة، سيتعيّن عليهم محاربة خصم كإيران، أقوى من المعارضة السورية.
في الواقع، حتى قبل تورّطها في أوكرانيا، تراجعت القوات الروسية مرارًا وتكرارًا في مواجهة إيران ووكلائها في سوريا، مما يدل على الطرف الذي لديه اليد العليا على الأراضي السورية.
تتفاقم عبثية المراهنة على روسيا لاستعادة استقلال الأسد عن إيران بسبب حقيقة أنه، للقيام بذلك، سيتعين على موسكو تحويل قواتها البرية بعيدًا عن الحرب التي تعتبرها وجودية في أوكرانيا – حيث أصبح الجيش الروسي الآن في مستنقع – إلى الأسفل، لمحاربة إيران، الفاعل الذي كان يتصرّف كحليف لا غنى عنه في تلك الحرب.