بعد غياب استمر لاشهر عدة، عاد رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق سعد الحريري الى لبنان. عنوان العودة هو الانسحاب من الحياة السياسية اللبنانية. ووفق ما صرح به لاحد الصحافيين في دردشة على هامش لقاءاته في “بيت الوسط”. قال الحريري: « لا بد من ان تخطو خطوة الى الوراء لتعود فتتقدم الى الامام »!
خطوة الحريري الى الوراء، سيترجمها يوم الاثنين المقبل في مؤتمر صحفي يعقده في منزله في العاصمة بيروت، يعلن فيه عزوفه وتياره عن خوض الانتخابات النيابية المرتقبة في ايار المقبل.
وكانت معلومات رشحت قبل اشهر عدة، جاء فيها ان “ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اشترط انسحاب الحريري وتياره من الانتخابات والسياسية، في مقابل، وقف الملاحقات القانونية بحقه، نتيجة قرار المملكة إفلاس شركة سعودي–أوجيه، من جهة، وإعفائه من الديون التي رتبتها عليه محكمة الرياض والبالغة قرابة ثلاثة مليارات دولار اميركي“.
قرار الحريري بالانسحاب من الحياة السياسية لن تفلح معه في ثنيه عنه لا التظاهرات الشعبية التي تؤم منزله لتطالبه بالعودة عن قراره، ولا اللقاءات التي يعقدها مع الحلفاء السابقين وفي مقدمهم رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
مصادر قريبة من الحريري، قالت إنه يعاني من حالة “قرف“، أصبحت مزمنة. وهو لا يريد شيئا لا لنفسه ولا لتياره، نتيجة خذلانه من قبل طرفين رئيسيين اولهما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والثاني المملكة العربية السعودية. فالحريري كان قد التزم المبادرة الفرنسية بكامل بنودها، وأصر بعد تكليفه تشكيل الحكومة على ان تتألف من اختصاصيين يعملون على خطة نهوض اقتصادي، فخذله ماكرون بتخليه عنه، فور تشكيل حكومة ميقاتي التي لا تختلف عن سابقتها حكومة حسان دياب. وأعطت فرنسا الشرعية لهذه الحكومة، من خلال اتفاق مع الايرانيين يراعي مصالح فرنسا النفطية في ايران بعد انجاز اتفاق فيينا، على حساب لبنان والحريري على حد سواء.
وتضيف المصادر أن الخيبة الحريرية الثانية هي من المملكة العربية السعودية التي قررت الانسحاب من لبنان كليا، وتحميل قياداته السياسية ما لا طاقة لها على تحمله، وتركها مع انصارها في مواجهة “حزب إيران » المدعوم كليا من رعاته ملالي طهران.
وتشير معلومات الى ان المفاوضات الايرانية السعودية تتقدم في العراق، وقد تكون نتيجتها تسليم سعودي بنفوذ “حزب الله في لبنان“، وتاليا سيترك أخصام “الحزب الايراني” ليواجهوا منفردين، وباللحم الحي، آلة القتل الايرانية في لبنان. هذا، في حين ستحصد المملكة العربية السعودية ثمارا في اليمن، تبعد عن حدودها شبح صواريخ الحوثيين ومسيراتهم، في مقابل التخلي كليا عن لبنان.
وتضيف معلومات ان « السنّة » في لبنان، وجدوا أنفسهم متروكين لمواجهة مصيرهم، من دون سند او دعم مالي. فبدات مؤسساتهم بالتهاوي نتجية الازمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب لبنان. فبادر رئيس الحكومة الاسبق تمام سلام الى اعلان عزوفه عن خوض الانتخابات في رسالة اعتراض على وقف دعم المملكة السعودية لمؤسسات “المقاصد » الاسلامية العريقة. وسيعقبه غد الرئيس سعد الحريري و« تيار المستقبل ». ورجحت المعلومات ان ينسحب القرار على سائر قيادات الطائفة السنية في البلاد.
عزوف الحريري ومقاطعته الانتخابات النيابية مع « تيار المستقبل »، يأتي، حسب ما ذكرت المعلومات، كرسالة اعتراض واحتجاج على تسليم البلاد لـ« حزب ايران » ومن خلفه إيران، وانسحاب من تحمل مسؤولية مواجهة خاسرة سلفا.
انسحاب الحريري وتيار المستقبل من الحياة السياسية، سيترك تداعيات على الحياة السياسية في لبنان، ابرزها ما يتخوف منه افرقاء لبنانيون، من ان غياب المكون السني الرئيسي عن المجلس النيابي، سيفقد هذا المجلس صفة « الميثاقية »، ما يضع الانتخابات النيابية على المحك.
كما أن غياب الحريري وتياره سيضع المسيحيين، حلفاء سابقين واخصاما، امام امتحان صعب! فهل سيقبل هؤلاء باحباط مكون رئيسي في البلاد، بعد ان عانوا هم من هذا الاحباط والابعاد والتغييب في زمن الوصاية السورية؟ فهل سيقبل « حزب القوات » ان تقوم الوصاية الايرانية المقنعة باستبعاد السنة وتيار المستقبل؟
مصادر أخرى أشارت الى ان حزب الله والحلفاء سيحصدون اكثر من ستة مقاعد نيابية بغياب تيار المستقبل، في اقضية طرابلس والضنية، والمقعد الدرزي في بيروت .وتالياً، تسأل عن مصير الغالبية النيابية التي يعول على تغييرها ما يسمى « ثوار 17 تشرين »، وحزب “القوات اللبنانية“!
وهل يعود هناك من معنى لان يكسب فريق حالي عدداً من النواب او أن يفوز « الثوار » ببضعة مقاعد، هذا اذا فازوا، في مقابل ان تبقى الغالبية النيابية مع حزب الله مطعمة بنواب من السنّة والدروز والمسيحيين؟
كتبت مقالا نشر في الشفاف والنهار شرحت فيه ما كنت اناقشه مع زملائي في المبادرة الوطنية حول خطأ ترك الصراع على الحكومة بين الحريري من جهة ووعون/ باسيل ومن خلفهما حزب الله من جهة أخرى.
لم اقصد ان نصطف وراء الحريري، بل عدم تركه وحيدا حين تصلب موقفه نتيجة تصلب قاعدته.
موقف المستقلين امثالنا كان يمكن ان يكشف على الاقل خلفيات الموقف القواتي، ودرزية الموقف الجنبلاطي وانتهازية الموقف الفرنسي
وخطأ وحتى عبثية الموقف الخليجي.
وربما كان اثر اكثر على موقف البطرك
وكان يمكن ان يحسن طبيعة الصراع وربما غير قليلا في اللوحة السياسية