(الصورة: إبنة قاسم سليماني لا تبدو “مقتنعة” بأن الرئيس روحاني سوف “ينتقم” لوالدها”!)
ترجمة – “شفاف”:
بعد عملية صباح الجمعة 3 يناير والتي أدت إلى اغتيال “الحاج قاسم سليماني” و”أبو مهدي المهندس” ورفاقهما، فإن السؤال الأكثر أهمية هو التنبؤ برد فعل الجمهورية الإسلامية على هذه العملية الأمريكية.
للاقتراب من الإجابة على هذا السؤال، يمكننا اللجوء لنموذج سلوك حلفاء إيران في حالات مماثلة. لأن “حزب الله” و”الحشد الشعبي” و”فيلق القدس” لديهم تحليلات متشابهة تتعلق بمعادلاتهم.
ففي 12 فبراير 2008 تم اغتيال القائد “عماد مغنية” (المعروف باسم “الحاج عماد”)، والذي كان يتمتع بشعبية كبيرة ومكانة رفيعة لدى حزب الله اللبناني وعند مؤيديه في الطائفة الشيعية، بوزن ما كان يتمتع به “قاسم سليماني”، إضافة إلى أنه كان مستشارا لـ”سليماني” ورفيقه في جبهات القتال لسنوات طويلة. اغتيل “مغنية” في انفجار سيارة مفخخة قرب مدرسة إيرانية في حي “كفر سوسة” بدمشق. وألقى حزب الله باللوم على إسرائيل في اغتياله، وتعهّد زعيم الحزب “سيد حسن نصر الله” بالانتقام. وفي وقت لاحق، أوردت قناة “الميادين” (الجهاز الإعلامي غير الرسمي للجمهورية الإسلامية) تحليلا قالت فيه إنه، بالإضافة إلى الجانب العسكري من تهديد نصر الله، فهو يحتوي على جانب شرعي، لأنه أقسم بالانتقام، والقَسَم “يحمّل الشخص مسؤولية شرعية” عليه أن يؤدّيها. لكن هذا التهديد المختلط بالقسم لم يأتِ أبدا!
بعد خمس سنوات، اغتيل “حسان القيس”، القائد الرفيع في حزب الله، والذي كان مسؤولا عن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، بنيران مباشرة جنوب بيروت بالقرب من موقع لحزب الله. في 20 ديسمبر 2013، أي بعد أيام قليلة من اغتياله، قال “نصر الله” في ذكرى اغتيال قادة الحزب إن القتلة سيعاقبون “عاجلا أم آجلا”، ما يعني أن القدرة على الانتقام وعلى الوفاء بالوعد لم يتحقق بعد.
منذ 2008 وحتى اليوم، أي خلال 12 عام، قُتل عدد آخر من قادة حزب الله. فبعد عامين من اغتيال “حسان اللقيس”، أي في 18 يناير 2015، قُتل “جهاد مغنية” (نجل الحاج عماد) وأربعة آخرين من مقاتلي حزب الله بمن فيهم “محمد عيسى”، الذي كان مسؤولا عن شؤون العراق وسوريا في الحزب، في غارة جوية إسرائيلية. وفي نهاية ذلك العام، قُتل “سمير القنطار” والعديد من المقاتلين اللبنانيين والإيرانيين في عملية مماثلة في جنوب سوريا. وكان “القنطار”، سجين حزب الله البارز في إسرائيل، والذي كان “نصر الله” قد ادّعى بأنه أحد أهداف العملية التي أدت إلى نشوب حرب استمرت 33 يوما مع إسرائيل ونتج عن ذلك إطلاق القنطار بعد ثلاثة عقود قضاها في السجن، حيث تم تبادله مع جثث جنديين إسرائيليين.
وفي 14 مايو 2016، قُتل القائد “مصطفى بدر الدين”، الذي خلف “الحاج عماد” في منصبه (وهو متهم باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري) والمعروف عسكريا بأنه الرجل الثاني في حزب الله، بالقرب من مطار دمشق.
وفيما لم تتحقّق وعود “نصر الله” بالانتقام من إسرائيل، والتي انعكست فحسب في بعض خطبه، يمكننا الافتراض بأنه على الرغم من وعود القيادة الإيرانية وفيلق القدس بـ”بالانتقام الشديد” من الولايات المتحدة، جراء مقتل “سليماني” و”المهندس”، لكن التحليلات تشير أن احتمالات وشروط تحقيق ذلك غير متوفرة. وإذا ما تم تقليل الخطب العاطفية المتعلقة بذلك، فإن قصة القتل ستحال إلى الزمن وإلى الظروف المستقبلية.
2- في السنوات الماضية، عرّف بعض المحللين الغربيين “قاسم سليماني” بأنه شخصية يمكن التفاوض معها، ولتوضيح هذا الأمر أشاروا إلى الجنرال الليبي “خليفة حفتر” الذي استطاع أن يتفاوض مع القوى العالمية بشأن التوازن العسكري.
بعض تصريحات ومواقف “سليماني”، بما في ذلك كلمته في 4 يوليو 2019 في “ذكرى شهداء مقاطعة همدان في عملية رمضان (أثناء الحرب العراقية الإيرانية)”، تؤيد هذا التحليل. ففي كلمته التي هدّد خلالها “ترامب” ودعا إلى مواجهته، قال أيضا “ماذا حدث في 2011؟ إذا كنت لا تعرف، اسأل قائدكم آنذاك، حيث كنت جنديا وليس رئيسا للبلاد، من أرسل إليّ، وقال لي هل يمكن أن تمنحنا الفرصة وتستخدم نفوذك لكي تمنع المجاهدين العراقيين من أن يتعرّضوا لجنودنا لبضعة أشهر وبعدها سنترك العراق”.
الآن، ومع إقصاء “سليماني”، يمكن القول إن هذه الفكرة قد اختفت وهذا الافتراض قد أزيل من المعادلة. ويبدو الأمر كما لو أن الجمهورية الإسلامية لم تترك مجالا لمثل هذه الافتراضات، ومن خلال ذلك وضعت فكرة إقصاء سليماني على جدول أعمال أمريكا.
3- ولكن، هل يمكن أن تتكرر لإيران شخصية مثل “قاسم سليماني”، تستطيع الترويج لأهداف الجمهورية الإسلامية الإقليمية؟ هل هناك، كما قال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، “العديد من قاسم سليماني، لكن ثقافة الحرس الثوري لا تسمح بعرضهم أمام المجتمع”؟
بعد اغتيال “عماد مغنية”، كتب مرشد الجمهورية الإسلامية، في رسالة تعزية إلى “نصر الله”: “الدماء الطاهرة للشهداء كدماء الشهيد عماد مغنية تخلق مئات آخرين كعماد مغنية”. لكن الحقيقة هي أن “الحاج عماد” لم يتكرر مجدّدا في حزب الله، ولم يتمكن أحد من شغل مكانته من حيث القوة والشخصية والنفوذ. ربما كان أحد أسباب فشل انتقام حزب الله في السنوات الـ12 التي تلت غياب “مغنية” هو غيابه.
لا ينبغي إغفال أنه بالنظر إلى الدعاية الواسعة الانتشار في السنوات الأخيرة حول “قاسم سليماني”، وخاصة ميزاته الشخصية، فإن اغتياله يمكن أن يولد العاطفة ويجذب المزيد من المقاتلين إلى ما يسمى بـ”جبهة المقاومة”، مثلما أدى اغتيال “عماد مغنية” إلى ذلك. غير أن الأهم من جذب المقاتلين هو وجود قادة كـ”الحاج عماد” في لبنان و”الحاج قاسم” في إيران و”أبو مهدي المهندس” في العراق. فحذف هؤلاء الثلاثة ليس مجرد حذف لأشخاصهم، بل هو قضاء على أشخاص كان لهم تأثير كبير في معادلات المنطقة، كما أن جهد بناء جيش كبير من دون قائد سيكون جهدا ضائعا.
وفقا للتجربة اللبنانية، فإنه من غير المرجح أن تتكرّر هذه الشخصيات ومن المستبعد أن تتحقق وعود الانتقام، ولكن لا يزال هناك افتراض واحد مفتوح، وهو محاولة القيام بعملية انتحارية انتقامية تحقق ما تم فقده خلال 12 عام! بالطبع مثل هذه الخطوة لديها قدرة على أن تكون كارثيّة وغير مسؤولة على إيران والمنطقة.
* هذا مقال يعكس وجهة نظر أحد المعارضين الإصلاحيين الذين يعيشون خارج إيران، وبالتحديد يعيش في لبنان.
- الأصل بالفارسية على الرابط التالي: https://zeitoons.com/71488