في تطوّرات جديدة مهمة اليوم، وزّعت سلطات الأمن الإيرانية صوراً لأربعة مشبوهين على صلة باغتيال محسن فخري زادة. وكأن هذه الصور ليست كافية لدحض رواية « الحرس » حول عملية إغتيال « آلية » لم يشارك فيها أي مهاجمين، فقد تضمّنت شهادة إبني محسن فخري زاده المسحّلة على التلفزيون لتعطي معلومات تفصيلية دقيقة ومهمة جداً, أحد الإبنين يقول أن فريق حماية فخري زاده « حذّره » في يوم الإغتيال بالذات، و »طلب منه عدم التنقّل ». ولكن فخري زاده رفض طلبهم لأنهم كان سيحاضر في عدد من الطلاب وبالتالي « أصرّ على العودة إلى طهران ». والمثير هنا هو أن أجهزة الأمن (والأرجح أن ذلك يعني جهاز إستخبارات « الحرس ») كان قد تلقى « تحذيرات » حول « خطر وشيك » يمكن أن يتعرض له فخري زاده، ومع ذلك لم يتحرك لحمايته. والمثيرـ أيضاً، أن رواية الإبن تعني أن محسن فخري زادة كان « عائداً إلى طهران » وليس « خارجاً من طهران » حينما قُتِل كما أفادت الروايات الإيرانية.
بعد ذلك كله، فإن رواية « الحرس » حول « إغتيال آلي عن بُعد » تسقط نهائياً حينما يصرّح أحد الإبنين أن والدته كانت جالسة إلى جانب والده في السيارة المستَهدفة وأن إطلاق النار على والده تمّ من مسافة ٤ أو ٥ أمتار، وأن والده أصيب بـ٤ أو ٥ طلقات، في حين لم تُصَب زوجته بأي طلقة. أي أن من أطلقوا النار كانوا قتلة محترفين.
*
تسعة أيام على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، والنظام الإسلامي لم يقدم بعد رواية رسمية نهائية، حول عملية الاغتيال، ليبقى التخبط سيد الموقف، على الأقل في ثلاثة من أهم الروايات، رواية تنظيم الحرس الثوري، رواية وزارة الاستخبارات ورواية الإعلام الموالي للحرس.
صص
فرواية الحرس مناقضة تماما لرواية وزراة الاستخبارات، وكلاهما لا يتفق مع روايات كثيرة، أدلى بها شهود عيان، وأخرى تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية.
رواية الحرس أكدت أن العملية بمجملها كانت آلية، ولم يدخل فيها أي عنصر بشري! وفي تفاصيلها، أنه لدى وصول موكب فخري زاده بجوار حديقة عامة في مدينة آبسرد، تعرض لوابل من الرصاص من مدفع رشاش مثبت على سيارة نيسان زرقاء، يعمل بالتحكم عن بعد، تم تشغيله عبر الأقمار الصناعية.
روایت فرزند شهید #فخریزاده از انتقال به بیمارستان: صحنه تروریستی ساده اینبود در حقیقت جنگی تمام عیاربود! pic.twitter.com/WtAEvuMgU6
— خبرآنلاين (@khabaronlinee) December 4, 2020
رواية وزارة الاستخبارات، تحدثت عن سيارة نيسان ذاتها، لكن ادعت أنه تم تفجيرها لحظة اقتراب موكب فخري زاده منها، فأوقفته في مكانه، وتبع الانفجار هجوم 12 مسلحا، أطلقوا النار بكثافة على فخري زاده، واشتبكوا مع حراسه الشخصيين، ثم فروا إلى جهة مجهولة.
في روايتها، أشارت وكالة “فارس” للأنباء، إلى أن فخري زاده، الذي وصل بموكبه المؤلف من أربع سيارات مصفحة وأربعة مرافقين، إلى مدينة آبسرد، التي يقيم فيها منذ بدء جائحة كورونا، ترجّل من سيارته، بعد سماعه صوت الانفجار، بغية الاطمئنان على زوجته، التي كانت تستقل إحدى سيارات الموكب، وفي هذه الأثناء، حاصره المهاجمون وأردوه قتيلا.
أهالي المنطقة، أكدوا أنهم سمعوا انفجارا قويا، تبعه زخّات من الرصاص. بينما ذكرت مواقع ألكترونية محلية، أن كمينا مسلحا اعترض موكب فخري زاده، وحصل اشتباك بين المهاجمين وحراسه الشخصيين، أدى إلى مقتل فخري زاده، وجرح اثنين من مرافقيه، ومقتل ثلاثة من المهاجمين.
قوبلت رواية الحرس بالكثير من التهكم والسخرية، في الصحف المحلية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن قيادة الحرس ما زالت مصرة على نفي وجود عنصر بشري في العملية، وذلك حفاظا على ماء وجهها.
فقيادة الحرس، تعيش حالا من الإرباك والإحراج، عدا الصدمة والذهول، نتيجة هذا الخرق الأمني غير المسبوق، فكيف لتنظيم أمني وعسكري واقتصادي حديدي، يحكم إيران بالحديد والنار، ويتحكّم بأمن وأمان أربعة عواصم عربية، ويوقظ خلاياه النائمة ساعة يشاء في عواصم العالم، أن يكون مخترَقا إلى هذه الدرجة؟ لذلك، من الصعوبة أن تعترف بوجود مجموعة مسلحة، تسللت أو اخترقت الحدود، أو نسّقت مع مجموعات في الداخل، وخططت لتنفيذ هذه العملية، لأن هذا يضعها أمام أسئلة أمنية وعملية محرجة، ويسقط عن عناصرها صفة “الحرس“، لكونهم فشلوا في حراسة الحدود وحراسة “العقول“، وبناء على ذلك، تبدو متمسكة بهذه الرواية الخيالية نوعاً ما.
أما إصرار وزارة الاستخبارات، على وجود مهاجمين، فهو غير مبني على وقائع ميدانية، بقدر ما هو من باب النكاية بالحرس، وذلك بسبب الخلافات العميقة والمزمنة حول إدارة الملفات الأمنية ومرجعيتها، وحساسية الأجهزة الأمنية المتعددة في الوزارة، من استبعادها، من قبل أجهزة الأمن المتعددة، بدورها، في التنظيم، عن دوائر المعلومات والعمليات الأمنية في إيران وخارجها، واستهانتها بقدرات عناصرها وتدريبهم وجهوزيتهم.
يبقى أن رواية وكالة فارس، بدت اختلاقا فاضحا! حيث أن كل مسؤولي النظام، خصوصا من يشغلون مواقع مهمة، أمثال فخري زاده، أول تعليمة أمنية يتلقونها، هي عدم الترجل من السيارة في حال تعرضهم لحادث أمني. وهذه الأوامر الأمنية سارية المفعول منذ بداية الثمانينيات، تزامناً مع عمليات الاغتيال التي تعرض لها قادة الثورة الإسلامية، من قِبَل منظمة “مجاهدي خلق“.
في ما يخص الروايات الشعبية او المتناقلة على وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك من يتداول أن المجموعة التي نفذت العملية، تسللت إلى إيران إما من الحدود الشمالية (آذربيجان)، وإما من الشرق (أفغانستان وباكستان)، وإما من الغرب أي من العراق.
وتؤكد هذه الروايات، أن المجموعة تابعة لمنظمة “مجاهدي خلق“، ومن الممكن أنها انطلقت من باكو، المعروفة بعلاقتها الجيدة مع تل أبيب، أو أنها استغلت فوضى الحدود الشرقية، وتدربت وتجهزت في إحدى المحافظات الحدودية، التي تعج بمعارضي النظام المسلحين. ومن المرجح أن هذه المجموعة قصدت أربيل في كردستان العراق، والتقت فيها بمجموعة إسرائيلية، حيث تلقت تدريبات وتجهيزات، ثم عادت إلى إيران، ويقدر عددها بعشرين من المهاجمين على تواصل مع خمسين شخصا من المخططين الذين يسكنون في طهران.
الروايات المتناقضة حول طريقة اغتيال فخري زاده، لم تمنع من توافق الجميع على توجيه أصابع الاتهام لإسرائيل في الاغتيال.
حتى أن بعض المسؤولين في الدولة يؤكدون أن الفساد المتغلغل داخل جسم النظام، ربما دفع البعض إلى بيع روح فخري زاده ومستقبل إيران النووي لإسرائيل بحفنة من الدولارات.