حسب بعض المحللين، فإن الإنفجارات التي حدثت الأسبوع الماضي في إيران حوّلت الأسبوع الحالي إلى أحد أخطر الأسابيع التي مرت على الجمهورية الإسلامية خلال السنوات الأخيرة. ثلاثة انفجارات وحريق كبير، وأنباء غير مؤكدة عن تسرب إشعاعي، جميعها رفعت وتيرة القلق بين الإيرانيين. فيما سيطر الغموض على الأسباب الحقيقية لحدوثها، ما جعلت المراقبين يتساءلون عن أحقية شعور الإيرانيين بالقلق.
الأحداث بدأت منذ يوم الجمعة الماضي حينما أعلنت السلطات الإيرانية وقوع إنفجار في خزانٍ غاز صناعي بإحدى منشآت وزارة الدفاع في منطقة « بارجين »، شرق طهران. وكان دويّه شديدا، ولم يسفر عن خسائر بشرية حسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية.
لكن بعد أيام أشارت أنباء نقلا عن صور للأقمار الإصطناعية أن ما حدث لم يتعلق بخزان غاز في « بارجين » وإنما كان انفجارا كبيرا وقد يكون نتيجة عمل تخريبي استهدف منطقة « خجير » التي تبعد ٢٤ كيلومترا عن « بارجين ». وتحدثت أنباء عن أن المنطقة المستهدفة قد يكون فيها منشأة نووية تحتوي على غازات تستخدم في تخصيب اليورانيوم.
الإنفجار الثاني حدث الثلاثاء في “عيادة سينا” بطهران، وأسفر عن سقوط ١٩ قتيلا. وأعلن المدعي العام في طهران علي القاصي مهر أن النتائج الأولية تظهر أن سبب الانفجار الذي سبقه حريق لم يكُن متعمدا، وقال إن الحادث نتج عن ماس كهربائي وانفجار كبسولات غاز الأكسجين.
أما الإنفجار الثالث والأخطر فحدث يوم الخميس أي بعد أسبوع واحد من الإنفجار الأول، وأدى إلى تضرر منشأة بموقع نطنز النووي في محافظة إصفهان تحتوي على نفس الغاز الضروي لتخصيب اليورانيوم في بارجين. وقالت السلطات الإيرانية إن الحادث لم يسفر عن وقوع خسائر بشرية ولم يعرقل الأنشطة الجارية في المركز وانه اصاب مبنى قيد الإنشاء.
غير أن مصدراً في منظمة الطاقة الذرية قال لجريدة “الجريدة” الكويتية إن الانفجار الذي حصل في نطنز مثله مثل انفجار الاسبوع الماضي في منطقة بارجين، استهدف مخازن لغاز UF6، وعمليا أدى الإنفجاران الى خسارة ما يزيد على ٨٠ في المئة من مخزون ايران لهذا الغاز، الذي تحتاجه محطة « نظنز » لتخصيب اليورانيوم، مضيفا أن انفجار نطنز يؤكد وجود عمليات تخريبية منسقة الأرجح هو النفاذ إلى شبكة الكمبيوتر التي تسيطر على أجهزة ضغط المخازن.
وأشار المصدر إلى أن إيران ستحتاج إلى نحو الشهرين لتعويض الغاز الذي فقدته، وعمليا عليها تخفيف سرعة تخفيضها لليورانيوم بنسبة ٨٠ في المئة فعليا، مضيفا أن الإنفجار أدى إلى تصدع في مبنى المفاعل، وتوجهت مجموعات متخصصة إلى المفاعل للكشف إن كان هناك تسريب إشعاعي.
وألمحت مصادر إسرائيلية الى وقوف تل ابيب وراء الانفجارين، وكان المدون الإسرائيلي إيدي كوهين نقل عن مصادر استخباراتية غربية أن تل أبيب قصفت أكبر معمل لتخصيب اليورانيوم في إيران.
وكتب كوهين، عبر «تويتر»، أن إسرائيل قصفت معمل تخصيب اليورانيوم الأكبر في إيران، ودمرته، وثمة حالات تسمم إشعاعي وإجلاء للسكان من موقع القصف وتعتيم شامل ومحاولة استعانة بخبراء روس.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” نفت أن يكون حادث نطنز طبيعيا، وقالت إنه كان نتيجة لعمل تخريبي. فيما أعلنت مجموعة سرية تُطلق على نفسها اسم “نمور الوطن” مسؤوليتها عن الحادث.
وذكر القسم الفارسي لإذاعة “بي. بي. سي” أنه تلقى بيانا من “نمور الوطن” قبل ساعات من إعلان أول خبر عن الانفجار في نطنز بياناً عبر البريد الإلكتروني يفيد بتنفيذ “عمليات” في الساعة الثانية من فجر الخميس في منشأة نطنز وموقع نووي آخر في مدينة كاشان، في محافظة أصفهان.
وقالت “نيويورك تايمز” نقلًا عن مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط طلب عدم نشر اسمه، بأن أدوات تفجير تمت زراعتها في منشأة نطنز هي سبب الإنفجار. وبحسب هذا المسؤول المطلع، فإنَّ الإنفجار في الأغلب دمر المنشآت على الأرض.
ووصفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الانفجار بأنه “حادث”. كذلك كتب الرئيس التنفيذي لـ”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، مارك دوبفيتز: “تشير الأدلة الأولية إلى أن الحادث كان على الأرجح تخريبًا”.
كما نقلت “نيويورك تايمز” عن ديفيد أولبرايت، مدير معهد العلوم والأمن الدولي، قوله: “تشير بعض العوامل الى أن الحادث ربما كان نتيجة عملية تخريبية”. وفقًا لأولبرايت “من غير المحتمل أن يتم تخزين كميات كبيرة من المواد القابلة للاشتعال في المنشأة؛ مما قد يتسبب في حدوث انفجار”.
وفي إشارة إلى الأهمية الكبيرة لهذه المنشآت في تطوير البرنامج النووي الإيراني، قال أولبرايت إن هذا الوضع يزيد من احتمال وقوع هجوم متعمد.
إذاً، وبالمجمل، تُعتبر الإنفجارات الثلاثة حوادث غامضة، إذ أن رواياتها وأعذارها حسب طهران “مختلفة”، حيث سعت للتقليل من مخاطرها، رغم أنها هدّدت بالرد إذا ما كانت نتيجة لتدخلات خارجية، كالهجوم الإلكتروني.
وتقول صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إنه في جميع هذه الحوادث بدا أن المسؤولين الإيرانيين حاولوا أن يستبقوا الأحداث من خلال التعتيم على سبب وقوعها في منشأة حساسة أو التقليل من خطورتها.
وتضيف أن هذا يفتح الباب أمام تساؤلات رئيسية حول سبب وقوع العديد من الانفجارات أو الحوادث في مجمعات تصنيع عسكري إيراني.
لم تكتف الشائعات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وأماكن أخرى على الإنترنت بالإشارة إلى وجود تعتيم فحسب، بل تحدثت أيضا عن مزاعم عن هجوم “إلكتروني”.
وكانت “نيويورك تايمز” قالت في تقرير سابق إن منشأة نطنز تعرضت لهجوم إلكتروني مشترك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل في ٢٠١٠ أسفر عن تدمير نحو ألف جهاز طرد مركزي.
وتقول الصحيفة إن هذه الحوادث تتركنا مع ثلاث أحداث غامضة لا توجد إجابة واضحة حول كيفية ارتباطها.
وتضيف “لكن ما هو واضح هو أن إيران حاولت الاعتراف بهذه الأحداث وعرضها بدلا من إخفائها، في محاولة منها للتظاهر بأنها لا تخفي شيئا، ومن أجل قطع الطريق على المسؤولين الأمريكيين أو غيرهم في حال حاولوا الإشارة إلى هذه المواقع واستخدام الانفجارات كدليل على أن إيران تحاول الوصول لعمل شرير”.