ترجمة وتصرف “شفاف”:
يشكّل رجال الدين المراجع والفقهاء (آيات الله) أحد أسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران أو ما يسمى بدولة ولاية الفقيه. وإثر انتصار الثورة والإطاحة بنظام الشاه الملكي في فبراير 1979، دعا زعيم الثورة آية الله روح الله الخميني الشعب الإيراني إلى المشاركة في استفتاء عام لتحديد هوية النظام الجديد. وبالفعل تم تنظيم الاستفتاء في 30 و31 مارس وشارك فيه أكثر من 98 بالمائةممن كان لهم حق التصويت، وجاء في نتيجة الاستفتاء التي تم الإعلان عنها في 1 إبريل أن أكثر من 99 بالمائة من المصوّتين قالوا نعم لقيام نظام الجمهورية الإسلامية في إيران أو ما يسمى بدولة ولاية الفقيه. والمثير في هذا الشأن أن العديد من رجال الدين المراجع والفقهاء لم يشاركوا في الاستفتاء، أو قالوا “لا” لنظام الجمهورية الإسلامية، أو قالوا “نعم” ثم أسفوا من المشاركة وتبرّؤوا من سياسات النظام.
محمد حسين الطباطبائي
معروف بـ”العلّامة” الطباطبائي، صاحب التفسير الشهير للقرآن “الميزان”. لم يشارك في الاستفتاء، رغم أن الإعلام الرسمي للنظام يشيد بـ”العلّامة” باستمرار ويعتبر أن “الميزان” قد أضاف للشيعة “سمعة علمية” واسعة. لم يكن الطباطبائي نشطا في الشؤون السياسية، لكنه وقّع مع مجموعة من رجال الدين من ضمنهم المرجع الشهير آية الله محمد رضا الكلبايكاني على عريضة تطالب بإصلاحات زراعية.
خلافا لما اعتادت عليه دروس الحوزات العلمية، كان الطباطبائي والخميني يدرّسان الفلسفة، لكن محاضرات الطباطبائي حصلت على شهرة واسعة تفوق بكثير محاضرات الخميني.
ولم تكن العلاقات الشخصية بين الطباطبائي والخميني قوية. وحينما استأجر الطباطبائي مسكنا له كان مُلكًا للخميني وتأخّر في تسديد الإيجار، رفض شقيق الخميني ومندوبه تمديد مهلة عدم التسديد، ما اضطر الطباطبائي إلى مغادرة المسكن والبحث عن آخر. وحسب ابنة الطباطبائي، نجمة السادات، رفض أبيها الاقتراح المقدّم من الخميني بأن يتم دفع الإيجار من أموال “سهم الإمام” المتعلقة بمسألة الخمس، لكن الطباطبائي رفض ذلك. وحسب الباحث الإسلامي محسن كديور، فإن الطباطبائي وأثناء استقباله وفدا معزّيا بعد اغتيال زوج ابنته، علي قدوسي، قال بأن الثورة “لديها شهيدا واقعيا، وقد استشهد مظلوما، وهذا الشهيد هو الإسلام“.
رضا الصدر
آية الله رضا الصدر، هو شقيق الشخصية الشيعية اللبنانية البارزة آية الله موسى الصدر والمعروف بالإمام موسى الصدر (الذي يظهر إلى يمين الصورة أعلاه)، والذي زار ليبيا في أغسطس 1978 بدعوة من معمر القذافي لكنه اختفى ولم يرجع إلى لبنان. رضا الصدر من الشخصيات الدينية البارزة في إيران ممّن رفضوا المشاركة في الاستفتاء. يقول بأن المرجع الشهير آية الله محمد كاظم الشريعتمدراي، الذي تم اتهامه بـ”التآمر” ضدنظام الجمهورية الإسلامية، أوصاه بأن يصلي على جنازته بعد وفاته، غير أنه تم دفن جنازة الشريعتمداري من قبل الأجهزة الرسمية ليلا وبشكل سرّي في مقبرة مهجورة، فيما اعتقلت السلطات الإيرانية رضا الصدر ليوم واحد في يوم دفن الجنازة. وقد ذكر الصدر تفاصيل هذه الحادثة في مقال له بعنوان “في سجن ولاية الفقيه”.
وفي المقال طلب من الخميني أن يعلن عن قيام “الجمهورية الإيرانية” وليس الجمهورية الإسلامية، لأنه “أيا كان نظام الجمهورية الإسلامية فسيكون هناك الكثير من المعارضين له، ومن ثم فهؤلاء المعارضين سيعارضون الإسلام أيضا، وبالتالي استمرار وجود الجمهورية الإسلامية سيكون في ضرر الإسلام”. وانتقد الصدر في مقاله كذلك ممارسات محكمة الثورة، وأعلن معارضته تأسيس تنظيم حزب الله لبنان، كما عارض فرض الحجاب على النساء. وتوفي في 1997 عن 76 عاما.
أحمد الخانساري
آية الله أحمد الخانساري، أصبح من المراجع البارزين بعد وفاة المرجع الشهير آية الله حسين البروجردي. رفض الخانساري المشاركة في الاستفتاء العام. وكان الخميني وتلامذته ينتقدونه باستمرار لرفضه الخوض في الشأن السياسي.
ورغم ذلك، كان للخانساري مواقف بارزة قبل الثورة أثناء إبعاد الخميني من قبل الشاه محمد رضا إلى تركيا. تقول زوجة الخميني إن فضل الله الخانساري، زوج ابنة المرجع الخانساري، كان له الفضل في ترتيب زيارة للخميني في منفاه بعد أن توسط لدى الشاه لأخذ الموافقة منه. إلا أن شخصيات بارزة قريبة من الخميني، كصادق خلخالي (أول مدعي عام بعد الثورة، وتنسب إليه بعض الإعدامات التعسفية) وهادي غفاري (ويعتبر أكثر رجال الدين تطرفا في السنوات الأولى من الثورة) ومحسن رفيق دوست (العنصر البارز في الحرس الثوري)، كانت تنتقد الخانساري باستمرار، معتبرة بأنه كانت لديه علاقات متينة مع الشاه. وقد توفى الخانساري في 1985.
أبو الفضل الزنجاني
يُعتبر أبو الفضل موسوي مجتهد الزنجاني من الشخصيات الدينية الفقهية البارزة في إيران إذ كان يمكن أن يصبح مرجعا دينيا شهيرا. لكنهلم يعلن عن مرجعيته. يقول الباحث الإسلامي محسن كديور بأن أبا الفضل وأخاه رضا لم يشاركا في الاستفتاء العام، مضيفا بأنهما كانا مخالفين لتأسيس نظام إسلامي.
تبوأ أبو الفضل إمامة أول صلاة جماعة في حسينية إرشاد، وهي الحسينية التي كانت تعتبر مركزا لمحاضرات سياسية وفكرية تنويرية يحضرها جمع غفير من المثقفين والنخب ورجال الدين المعارضين لنظام الشاه، وكان يحاضر في الحسينية آنذاك المفكر الإيراني الشهير علي شريعتي.
لكن الأخوين لم ينشطا سياسيا بعد الثورة رغم معارضتهما لنظام الشاه ومعارضتهما تأسيس نظام إسلامي. فقد نُقل عن أبو الفضل، رغم تاريخه الثوري، أنه يفضّل عدم المشاركة “في الفتنة”، ويقصد بذلك المناوشات السياسية والمسلّحة التي حدثت بين الأطراف المشاركة في الثورة ما أدت إلى إقصاء مختلف الأجنحة غير الدينية وهيمنة التيار الديني بقيادة الخميني ورجال الدين على السلطة. وفي 1981 نشر أبو الفضل بيانا اعتبر بمثابة “أطروحة متكاملة” حول “انحراف الثورة”، حسب كديور. إذ وجّه نقدا لاذعا للسلطة الدينية، محتجّا على وجه الخصوص على تلفيق ملفات أمنية للناشطين، وعلى ممارسات محكمة الثورة، وعلى وجود محاكم تفتيش تتعقّب أفكار وآراء وعقائد الناس، وعلى إلغاء الجامعات، وعلى مصادرة أموال الناس. كما عارض نظرية ولاية الفقيه، قائلا بأنها تعني “الحكم المطلق للفقيه”، مؤكدا بأن النظرية هي مجرد ادّعاء لا يستند إلى دليل.
وكان أبو الفضل يعقد جلسات سياسية وفكرية أسبوعية في منزله، ومن بين من كان يحضرها مهدي بازركان (أول رئيس وزراء بعد الثورة) ويد الله سحابي، والاثنان أعضاء في حركة الحرية (نهضت آزادي). توفى أبو الفضل عن 81 عاما.
مرتضى الحائري اليزدي
مرتضى الحائري اليزدي في وسط الصورة قرب الخميني
هو نجل المرجع الشهير آية الله عبدالكريم الحائري اليزدي، مؤسس الحوزة العلمية في قم. وكانت لمرتضى علاقة وثيقة مع الخميني، وابنته هي زوجة مصطفى الخميني. لكنه خالف السبل التي سارت عليها الثورة وعارض قتل المتظاهرين. ويُنقل عن صادق خلخالي أن الخميني حينما كان في النجف منفيا من قبل الشاه، عرض على نجله مصطفى رسالة من مرتضى اليزدي موجها كلامه فيها إلى الخميني، قائلا بأن “جميع ممارساتك (ضد الشاه) لا تتفق مع الإسلام”. في حين يذكر كديور أن مرتضى اليزدي يعتبر من رجال الدين البارزين الذين لم يشاركوا في الاستفتاء العام. وينقل بعض المقربين من الخميني أن اليزدي مرض بسبب الأحكام الصادرة عن محكمة الثورة. كما ينقل عن الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني قوله أن ابنة اليزدي، نجمة، احتجت على وجود أحمد نجل الخميني في مراسم عزاء والدها، كما احتجت أيضا على سياسات السلطة.
مهدي الحائري اليزدي
هو النجل الآخر لمؤسس الحوزة العلمية في قم. فقيه شهير، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة حينما كان مقيما في الولايات المتحدة قبل الثورة، وبعد نجاح الثورة تم تعيينه مسئولا عن السفارة الإيرانية هناك، وحسب ما نقل مقربون منه، فقد قدم استقالته من منصبه احتجاجا على تدخل أفراد نافذين في شؤون السفارة. غادر بعدها الولايات المتحدة عائدا إلى إيران، لكنه عاش في ظل إقامة شبه جبرية. ثم غادر إيران في 1984 واختار العاصمة البريطانية لندن للإقامة فيها.
في 1994 ألف كتابا بعنوان “الحكمة والسلطة”، ومنعت السلطات الإيرانية بيعه. ويذكر مهدي الحائري في كتابه أن ولاية الفقيه تعني أن “قوانين الكفاءة السياسية لإدارة البلد لا تستند إلى أساس فقهي”. توفى أثناء تواجده في طهران في 1999.
كاظم الشريعتمداري
يعتبر آية الله محمد كاظم الشريعتمداري من أشهر المراجع الشيعة في القرن الماضي. وقد ساهم في إنقاذ الخميني من حكم الإعدام الذي كان متوقعا أن تصدره ضده إحدى المحاكم الإيرانية أثناء حكم الشاه محمد رضا بهلوي، ففي أحداث “انتفاضة 15 خرداد” (وهي احتجاجات حدثت في يونيو 1963في عدة مدن إيرانية ردًا على اعتقالسلطات الشاه للخميني بعد إلقائه خطابا شديد اللهجة يهاجم فيه الشاه والولايات المتحدة وإسرائيل)، اعتقلته السلطات الإيرانية وسجنته، حتى أنه كان مهدّدا بالإعدام، وحينها لم يكن الخميني مجتهدا فقيها، وكان من ضمن قوانين ثورة المشروطة واستمرت حتى فترة حكم الشاه، عدم محاكمة الفقهاء ومراجع الدين، فما كان من الشريعتمداري إلا وجّه رسالة إلى السلطات معتبرا الخميني فيها مجتهدا فقيها، رغم شكوك الكثير من الفقهاء بذلك. واعتبرت تلك الرسالة سياسية بامتياز. وتم تحرير الخميني من الإعدام والسجن، لكن تم نفيه إلى خارج إيران.
بعد انتصار الثورة، خالف الشريعتمداري بعض الأسس التي قام عليها الدستور الإيراني الجديد، من ضمن ذلك ولاية الفقيه. ورغم أن الشريعتمداري شارك في الاستفتاء العام، لكنه كان يردّد بأنه بدلا من وجود كلمتي “نعم” و”لا” لنظام الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه في الاستفتاء، يجب أن توضع خيارات عدة بدلا عن ذلك، على أن يكون أحدها هو النظام الإسلامي وولاية الفقيه، وأن تكون للمواطن الحرية في الاختيار من بين هذه الخيارات.
بعد انتهاء الاستفتاء، نشر التلفزيون الإيراني بيانا لأحد رجال الدين مذيلا باسم الشريعتمداري، زاعما أن المرجع الشهير قد قال نعم لنظام ولاية الفقيه، فما كان من أنصار المرجع إلا أن كذّبوا الخبر واحتجوا عليه.
وفي ديسمبر 1979، هاجم مسلحون منزل الشريعتمداري في قم ما أدى إلى مقتل أحد حراس المنزل. فاحتج أنصار الشريعتمداري في تبريز على هذا الهجوم ونزلوا إلى شوارع المدينة في حشود كبيرة واحتلوا بعض المباني الحكومية ومن ضمنها مبنى الإذاعة والتلفزيون. لكن قوات من الحرس الثوري استطاعت في نهاية الأمر تحرير المباني من قبضة أنصار الشريعتمداري. وحسب حسين موسوي تبريزي، المدعي العام للثورة، تم إعدام 12 ممّن احتلوا المباني الحكومية.
ورغم أن التشنج انتهى ظاهريّا بين الطرفين، إلا أن المقرّبين من الخميني كانوا يتحيّنون الفرصة لتوجيه ضربة للشريعتمداري. ففي 1982 اتُهم المرجع بمساعدة صادق قطب زاده (وزير الخارجية في حكومة بازركان) للتآمر ضد النظام الإسلامي وقيادة انقلاب ضد الخميني. وكان قطب زاده مستشارا للخميني ومترجمه الخاص في منفاه بباريس. وفي سبتمبر 1982 تم إعدامه رميا بالرصاص.
أما الشريعتمداري، فقد تم اتهامه أيضا بمحاولة اغتيال قيادات في الثورة، إلا أن الخميني رفض محاكمته، وفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله ومُنع من التدريس في الحوزة وتعرض للضرب والإهانة وتم إحراق مكتبته. وبعد مرضه، منع من العلاج في المستشفى إلا قبل 40 يوما من وفاته في إبريل 1986. فحسب كديور، كانت السلطات الإيرانية تعلم بإصابة الشريعتمداري بالسرطان منذ عام 1983، لكن الخميني قال بأنه “يجب أن يظل محبوسا في منزله حتى يموت ويتعفّن مع مرضه”. وبعد وفاته دُفن الشريعتمداري سرا من قبل السلطات في الليل في مقبرة مهجورة.
بهاء الدين المحلاتي
المرجع الشيخ بهاء الدين المحلاتي، كان قائد “انتفاضة 15 خرداد” في مدينة شيراز. إلا أن المحلاتي تراجع بعد الثورة عن العديد من المواقف التي كان قد اتخذها لصالح الثورة. فهو أسف من مشاركته في الاستفتاء العام، ومن تصويته بنعم لنظام ولاية الفقيه، وانتقد سياسات السلطة وسلوكها، ومما قاله في هذا الإطار خلال رسالة وجّهها إلى الخميني، إن الجمهورية الإسلامية “رغم ادعاءات الالتزام بالإسلام وبحكومة الإمام علي، وادعاءات الحرية وعدم الارتباط بالغرب، إلا أنها مارست نفس الأفعال المؤلمة التي مارسها النظام السابق وكرّرت نفس المظالم التي ارتكبها نظام الشاه”، ويشير في ذلك إلى “الإعدامات”، وإلى “تعذيب المتهمين والمحكومين بمسمى التعزير”،وإلى “تعطيل الجامعات بذريعة الثورة الثقافية”، ومؤكدا بأن تلك الممارسات “لا تتطابق مع الإسلام وتفضح الثورة الإسلامية”.
ششوأثناء مرضه ودخوله المستشفى بعد تعرضه لسكتة َقلبية، أرسل الخميني ابنه أحمد لزيارته. لكن بعد وفاته في 1982 تم رفض مشاركة أحمد الخميني في تشييع جنازته.
حسن الطباطبائي القمّي
االطباطبائي وخلفه أحمد الخميني
لمرجع آية الله حسن الطباطبائي القمّي، كان قائد “انتفاضة 15 خرداد” في مدينة مشهد. قضى سنوات عديدة من عمره في السجن أثناء حكم الشاه وتم نفيه من مدينته. ورغم ذلك، انتقد نظام الجمهورية الإسلامية. فقد كان فقيها تقليديا، معارضا لنظام ولاية الفقيه، ومؤيدا لنظام بديل عنه هو نظام “شورى الفقهاء”.
وأثناء زيارة الخميني له بالمستشفى، انتقد القمّي بشدة ممارسات محكمة الثورة، ومصادرة أموال وممتلكات الأفراد، وتأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي. وحسب بعض المقربين من الخميني، فإنه ردّد تلك الانتقادات بصوت عال.
وفي آخر لقاء صحفي له، احتجّ على “حرمان الشعب من الحريات”، وعلى “تدخّل القضاة في عمل السلطة التشريعية”، وعلى “أحكام القضاء ضد الناشطين والسياسيين”.
وفُرض على القمّي الإقامة الجبرية في 1982، واستمر ذلك في فترة زعامة آية الله الخامنئي، أي حتى 1997، ثم تم رفع الإقامة الجبرية عنه تدريجيا، إلى أن توفى في 2008.