-
نشرت صحيفة «الاندبندنت» الإنكليزية مقابلة مثيرة مع الرجل الذي اعتبرته صاحب الشرارة الأولى التي أدت إلى كل ما يحدث حالياً في أروقة الاتحاد الدولي لكرة - القدم «فيفا» من اعتقالات واستقالات بالجملة حتى بدت الدائرة تضيق أكثر وأكثر على رئيس المنظومة الكروية الأكبر جوزيف بلاتر.
أندرو غنينغز… اسم لا يعرفه كثيرون. هو صحافي بريطاني أصدر في العام 2006 كتاباً بعنوان «خطأ العالم السري لـ (فيفا): رشاوي، تزوير انتخابات وفضائح تذاكر» وكان تفنيداً لبحثه في ما وراء الغرف المغلقة ونبشه في المحظور في هذا العالم الغامض.
يقول الصحافي الاسكتلندي المولود في 1943 إنه يوم أن أعلنت السلطات السويسرية القبض على 7 من ممثلي «الفيفا»في أحد الفنادق الفاخرة في زيوريخ كان مستلقياً في النوم عندما بدأ هاتفه يرن بجنون في السادسة صباحاً معترفاً بأنه أغلق الهاتف دون أن يرد على اعتبار أن الأمر الذي حدث في السادسة صباحاً سيستمر موجوداً في وقت الغداء!.
على كل حال يبدو وأن غنينغز كان يشعر بأن الأمر سيكون مسألة وقت معترفاً في نفس الوقت بأنه تلذذ بالتفكير في أن هؤلاء المسؤولين بعد أن قضوا ليلة صاخبة تم جرهم من غرفهم في الصباح الباكر وأنه من اللطيف دائماً أن ترى وجوه الأشرار وقد بدا عليهم الخوف.
لكن متى بدأ كل هذا؟
في الواقع فإن غنينغز ليس صحافياً متخصصاً في الرياضة، فقد قضى صاحب الـ72 عاماً قرابة النصف قرن في متابعة الجريمة المنظمة، ففي الثمانينيات كان يقتفي أثرالشرطيين الفاسدين، تجارة الهيرويين التايلندي والمافيا الإيطالية، وفي التسعينات تحول إلى الرياضة بعد أن سخّر مجهوداته للتفتيش عن الفساد في اللجنة الأولمبية الدولية ليكتب 3 كتب عن سلسة من السفريات الفاحشة والرشاوى والقصص المثيرة للجدل عن المخدرات المتعلقة بفضيحة منح مدينة سولت ليك الأميركية حق استضافة الأولمبياد الشتوي في العام 2002 وهي الفضيحة التي أفضت إلى إيقاف وعقاب عشرات من أعضاء اللجنة الأولمبية.
يقول غنينغز إنه قرر بعد ذلك تحويل تركيزه مشيراً إلى أنه كان يدرك أن أمراً قذراً جداً جداً يجري في أروقة «الفيفا»على حد قوله.
كيف بدأ غنينغز الأمر؟
يقول الصحافي الحر لجريدة الاندبندنت «في كل مؤسسة، عندما تبدأ معالم ظهور فساد بعض من الأشخاص الكبار فيها، يكون هناك كذلك أشخاص في الإدارة المتوسطة للمؤسسة ممن يعملون كموظفين عاديين ويمتلكون الضمير اللازم للتحرك، ويكون عليك أن تتحرك من الأبواب الخلفية للوصول لهؤلاء الأشخاص، لكن كيف وصل إليهم؟ هنا تكمن الحكاية المثيرة.
قرر غنينغز أن يذهب إلى المؤتمر الصحافي الذي أجراه بلاتر بعد أن تمت إعادة انتخابه رئيساً للفيفا في عام 2002 ويصف الوضع قائلاً بعد أن وصل هناك«تتأمل عند الحوائط حيث يتواجد هؤلاء الموظفون في حلّاتهم المميزة التابعة لـ «فيفا» بوجوه روبوتية لا تفصح عما بداخلها،ويستطرد قائلاً»قلت لنفسي… نعم، هؤلاء هم من أريد وعلي أن أرسل لهم رسالة أنني موجود. سأعبر الطريق لأقاتل. أريد ذلك، وأبحث عنه«.
ويستمر غنينغز في وصف المؤتمر قائلاً»كنت محاطاً بهؤلاء المراسلين غاية في الأناقة وبأربطة أعناقهم الحريرية، وما لبث بلاتر أن أنهى كلمته حتى التقطت المايكروفون وسألته سؤالاً واحداً«.
«هر بلاتر، هل سبق لك أبداً وأن تلقيت رشوة؟»
«أطلقت سؤالي فلم يطل هؤلاء المراسلون الاستمرار حولي فقد بت الطعام الفاسد الذي لا يريد أحداً الجلوس جواره، لكن هذا هو ما أردت…فقد كنت أستدير برأسي لأراقب هؤلاء الموظفين الذين يرتدون حلّات الـ «فيفا»وكأنني أقول لهم أنا هو هذاك. أنا أعرف ماذا يفعل هؤلاء. لقد فعلتها في أعضاء اللجنة الأولمبية وسأقوم بها لكبار رجال فيفا أيضاً».
يعلل الرجل -الذي انتقل من اسكتلندا إلى لندن في طفولته- في موضع آخر من المقابلة بأنه كان يدرك بأن الصحافيين بشكل عام يخافون الدخول في مثل هذه الأمور خوفاً من خسارتهم لتصريحاتهم بحضور أهم الفاعليات الرياضية.
لكن غنينغز كان قد اعتاد مثل هذه الأمور، فقد كان جريئاً بما فيه الكفاية عندما كان يعمل في» بي بي سي «أن يطلب نشر تحقيق أجراه عن الفساد في سكوتلانديارد»الشرطة الإنكليزية«وعلاقة بعض الضباط بتجارة الكوكايين لكن»بي بي سي «رفضت نشر التحقيق فاستقال وعمل في برنامج منافس كما حول تحقيقه هذا إلى كتاب بعنوان»سكوتلانديارد والعلاقة بينها وبين الكوكايين«.
السؤال المثير الذي كان مفتاح غنينغز لكل شيء أجاب عنه بلاتر بالنفي بطبيعة الحال وكانت اجابته بمثابة الصنارة التي عثرت على ضالتها وما لبث الصحافي الاسكتلندي إلا وأن كان بعد ستة أسابيع أمام النهر في زيوريخ عندما يتسع بالقرب من البحيرة واصفاً»كنت أقف في الظلام بجوار مبنى مكتبي يرجع للقرن الـ19 أتساءل لماذا طُلب مني أن أتواجد هنا من شخص لا أعرفه عندما فُتح الباب وتم جرّي إلى الداخل؟«.
»تم جرّي إلى مكاتب أنيقة جداً وهي نصف ساعة حتى التقيت بمسؤول قديم في ال «فيفا»يحمل كماً مذهلاً من الوثائق وكانت هذه هي البداية بعدما أن ظهرت أمطار منها وماتزال تظهر«.
وعن بلاتر –الذي هدد غنينغز بأن يقاضيه لكنه لم يفعل- يقول»الهر بلاتر لا يعرف ما معنى أن تحجز تذكرة في طائرة. إنه لا يملك أدنى فكرة لأنه لم يستقل واحدة منذ 40 عاماً. هو فقط يذهب ويستقل طائرة خاصة حتى لو كان سيذهب للمول المجاور. لقد كان حريصاً على فعل ذلك ليظهر في صورة الرجل القوي المُسيطر«.
بعد أن نشر كتابه في 2006 الذي اتهم بلاتر ومسؤولي»فيفا «بتلقي رشاوى لم يكتفِ المسؤولون بنفي ما فيه بل وصل إلى أن يدافعوا عن انفسهم»بدنياً«!
لقد لكمني جاك وارنر«نائب رئيس الاتحاد الدولي سابقا واحد المتهمين في فضائح الفساد» في احدى المرات وبصق علي في مرة أخرى. لقد كان يذهب هؤلاء الأشخاص إلى مكان وقوف السيارات وفجأة أظهر لهم بمنظري المريع العجوز وردائي الرمادي قائلاً «من فضلك، هل قمت بأخذ رشوة من خلال هذه الشركة أو تلك؟ ودائماً كانوا يتسمّرون في أماكنهم».
في نفس العام كان غنينغز يُنشر له فيلم وثائقي على «بي بي سي»من خلال برنامج بانوراما والذي عرض له فيلم آخر في 2010 يتضمن اتهامات جديدة علماً بأنه فور إعادة انتخاب بلاتر كان غنينغزيجري مقابلة تلفزيونية مع شبكة «إي اس بي إن»واصفاً الرجل الذي -هزم الاردني الأمير علي بن الحسين وبات واضحاً أنه سيستمر لفترة أطول- بأنه رجل ميت يمشي على الأرض ويقصد بذلك أنه سيتم الإيقاع به لا محالة.
كيف بدأ الأمر يتحول من سبق صحافي إلى عمل بوليسي قضائي ممنهج؟
بدأت لجنة أميركية في التحقيق في فساد كرة القدم تضم هذه اللجنة أكثر من سيناتور واستمعت الى شهادة أندرو غنينغز.
اذ يقول إنه تلقى مكالمة من أحد الأشخاص يخبره فيه بضرورة مقابلته لبعض الأشخاص ومن ثم اتجه إلى لندن وتحديدا إلى أحد المباني التي لا يمكن الكشف عن اسمها حيث وجد ثلاثة أشخاص بلهجة أميركية.
«لقد كانوا يتميزون بقصة شعر حكومية. عرفوني بأنفسهم كعملاء خاصين لـ»الاف بي آي«وأعطوني بطاقات عملهم التي تذكر في وضوح أنهم من قسم الجرائم المنظمة».
وعن هذا الأمر يقول «لم يكن البوليس الأوروبي سيفعل شيئا تجاه»فيفا”، لذلك كان جيداً جداً أن أرى محققين محترفين يتدخلون في الأمر».
غنينغز كان مستعداً تماماً للمساعدة وبعد عدة مكالمات أجراها، كان في حوذة «الاف بي آي»طناً من الوثائق قادمة من كل مكان وخاصة من اتحاد أميركا الشمالية والوسطى تتعلق بعمولات غامضة تساوي ملايين الدولارات.
بلاتر الان ومن معه تضيق عليهم الدائرة أكثر فأكثر.. البداية الرسمية من الـ «اف بي آي»، لكنها بدأت فعلاً من هذا السؤال البسيط الذي طُرح في مؤتمر صحافي عابر في 2002 من الصحافي المغمور أندرو غنينغز.