على الرغم من أن سكان هونغ كونغ يتمتعون بنظام قضائي وسياسي منفصل، وبتعددية حزبية، وحرية تعبير لا يعرفها أشقاؤهم في البر الصيني، فإنهم ما برحوا، منذ عودة جزيرتهم الزاهية إلى أحضان الصين في الأول من يوليو 1997 بموجب اتفاقية بين لندن وبكين، يعملون من أجل استعادة بعض أو كل ما تمتعوا به في ظل البريطانيين من أنظمة ديمقراطية في الحكم والإدارة، وتحديدا إختيار من يدير شئونهم في انتخابات حرة بدلا من أن تـُفرض عليهم شخصية موالية ولاء أعمى للنظام الصيني مع هيمنة صينية متنامية على قطاع المال والأعمال.
النتيجة كانت تصلّب بكين وعنادها ومقاومتها لكل محاولة من جانب الهونغكونغيين خوفا من أن تمتد رياح الديمقراطية إلى البر الصيني، الأمر الذي تسبب في خروج مظاهرة مليونية في شوارع هونغ كونغ لأول مرة في سبتمبر 2014 ، وهي الاحتجاجات التي تزعمتها حركة أطلقت على نفسها “حركة جنود المظلات” كنايةً عن حمل المحتجين لمظلات شمسية تحميهم من رذاذ الفلفل الذي استخدمته قوات الشرطة لتفريقهم. هذه الاحتجاجات استمرت لمدة 79 يوما، وقابلتها السلطات بغلق الشوارع وتقييد الحركة وإطلاق الغازات المسيلة للدموع، خصوصا بعدما أطلق المحتجون نداء “أوكيوباي سنترال” الداعي إلى العصيان المدني، وإحتلال حي المال والأعمال من أجل شل الحركة الإقتصادية في الجزيرة.
وعلى حين تراجعت تلك الموجة غير المسبوقة من الاحتجاجات بعدما شعر القائمون عليها أنها تفسد الحياة اليومية للشعب وتدمر معيشتهم، وبالتالي فقد تخفض من رصيدهم الجماهيري فإن بكين ظلت متمسكة بقرار سابق إتخذته مضمونه أن رئيس حكومة هونغ كونغ لن ينتخب في اقتراع عام مباشر قبل عام 2017، وأن إختياره سوف يكون من ضمن المخلصين للوطن الصيني الأم والملتزمين بالخط الذي ترسمه بكين. بل أعلنت الأخيرة أن على المحتجين التخلي عن وهم الحصول على الحكم الذاتي الكامل.
ومن هنا حظيت الانتخابات المحلية التي أجريت هذا الشهر لإختيار 431 يمثلون 18 دائرة في مجلس المقاطعات (مجلس رغم صلاحياته المحدودة، إلا أن له تأثير ونفوذ على السياسات الداخلية) باهتمام واسع لأن نتائجها ستحدد الوجهة الديمقراطية لهونغ كونغ من عدمها. لكن على الرغم من المشاركة الكثيفة فيها والتي تجاوزت نسبة الـ 47 بالمائة، فإن شبان “ثورة المظلات” المطالبين بالديمقراطية لم يتمكنوا إلا من الحصول على أربعة مقاعد فقط، فيما ذهبت بقية المقاعد إلى الجماعات الموالية لبكين كما كان متوقعا. وهذا يعني أن المشهد السياسي في هونغ كونغ لن يتغير على المدى القريب.
صحيح انه في المحصلة النهائية نجد أن الموالين لبكين حصدو 191 مقعدا من أصل 363 مقعدا تنافسوا عليه، وبذلك أضافوا 31 مقعدا جديدا إلى ما غنموه في الانتخابات الماضية، وأن مؤيدي الديمقراطية ممثلين في الحزب الديمقراطي نالوا 43 مقعدا أي أقل بأربعة مقاعد مما كان لهم في المجلس السابق، إلا أن الصحيح أيضا هو أن هذه الانتخابات أثبتت أن دعاة الديمقراطية لا يمكن تجاهلهم وأنهم قد يزيدون قوة في المستقبل، خصوصا “حركة جنود المظلات” التي لا تجسد القوى الديمقراطية التقليدية. هذا ناهيك عن أنّ الانتخابات أفرزت عددا من المفاجآت التي يمكن تلخيصها في ما يلي:
أولا: تعرض إثنان من أشهر المدافعين عن الديمقراطية ممن حصلوا في إنتخابات 2012 التشريعية على أعلى الأصوات لهزيمة مذلة. وهاتان الشخصيتان هما: “ألبرت هو تشون يان” مرشح الحزب الديمقراطي، و”فريدريك فونغ كين كي” مرشح حزب “التجمع من أجل الديمقراطية ورفاهية الشعب”.
ثانيا: فقد إثنان من المشرعين البارزين التابعين لأحد أقوى الأحزاب الموالية لبكين (التحالف الديمقراطي من أجل التقدم والأفضلية لهونغ كونغ)، وهما “إليزابيت كوات” و”كريستوفر تشونغ شو كون” مقعديهما في المجلس التشريعي لصالح شخصيتين إحداهما من حزب العمال، والأخرى مغمورة من “حركة جنود المظلات”، وتدعى “تشوي تشي كين”. وهذا يشيء بوجود حالة من السخط وعدم الرضا داخل هذا الحزب، ربما بسبب خضوعه الكامل لأوامر الحزب الشيوعي الصيني حتى في القضايا المتعلقة بمصالح الجزيرة وشعبها.
ثالثا: لم يفضِ ما عاناه قادة وأنصار “حركة جنود المظلات” من إحباط ويأس في العام الماضي، معطوفا على تواضع قدراتهم المالية والدعائية، إلى الانكفاء. بل على العكس، تحمس نحو 50 منهم للترشح رغم معرفتهم المسبقة باحتمال الهزيمة. ومن هؤلاء “تشوي كوونغ” التي هزمت رئيس مجلس مدينة كولون “لاو واي وينغ”.
رابعا: إذا ما اعتمدنا النسب المئوية فإن “الديمقراطيون الجدد” هم أفضل من حقق فوزا من بين الجماعات والأحزاب المطالبة بالديمقراطية، حيث فازوا في 15 دائرة محلية من أصل 16، محققين بذلك فوزا بنسبة 93.8 بالمائة.
خامسا: إرتفع عدد مقاعد “تحالف رجال الأعمال والمهنيين” من صفر إلى عشرة مقاعد. وكذا ارتفعت حصة حزب العمل من صفر إلى ثلاثة مقاعد.
* استاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين