شقّ طرقاً لمرور الشاحنات والمقاتلين إلى سوريا
تحرك لبنان عبر مندوبته لدى الأمم المتحدة أمل مدللي لدعوة مجلس الأمن الدولي للإعتراض على ما أوردته إسرائيل عن إدخال أسلحة إلى لبنان عبر مرفأ بيروت والمطار والمصنع.
من جهتها، أكدت إدارة الجمارك ان الشاحنات التي تدخل عبر المرافق الشرعية تخضع للتفتيش والقوة البحرية التابعة لليونيفيل بإمكانها تفتيش أي سفينة مشكوك بأمرها تدخل المياه الإقليمية اللبنانية.
الا ان الاحتجاج والنفي لا يلغيان واقع قدرة “حزب الله” على التصرف بحرية مطلقة عبر الحدود اللبنانية، وتحديداً على امتداد المرتفعات الحدودية الشرقية وصولاً الى الهرمل.
ومن يَقم بجولة ميدانية في المنطقة، يلاحظ بالعين المجردة إمكانات “الحزب” لتأمين نقل كل ما يعلن أمينه العام عن امتلاكه من صواريخ او غيرها. فهذه المنحدرات تفتح المجال الرحب لحرية الحركة والانتقال والتخزين.
لا وجود للدولة هنا
“نداء الوطن” جالت في بلدتي جنتا ويحفوفا في قضاء بعلبك، حيث المشهد يحكي عن الواقع من دون حاجة الى بحثٍ وتقصٍ. المغاور بادية للعيان، لا عشب حولها ولا عوائق من حجارة او صخور تمنع الدخول اليها. والطرق مشقوقة من اسفل المنحدرات الى قمم الجبال. بعضها معبد وبعضها الآخر ترابي. كما يمكن رؤية حبال التدريب بين الجبال.
عدد السكان قليل في القريتين. وهما تشكلان المقلب الآخر للقلمون السورية. ووجود “الحزب” بديهي، كما يقول راعٍ من الأهالي في منطقة عين الجوز من وادي يحفوفا لـ”نداء الوطن”. ويضيف: “لولا وجود المقاومة في هذه المرتفعات لكان ارهابيو “داعش” هجموا علينا وذبحونا”.
يوضح الراعي ان عدد العائلات المقيمة لا يتجاوز الثماني شتاءً. ولا يرتفع العدد كثيراً في الصيف، ويشير الى ان الدولة تهملهم، لم يشعروا يوماً بوجودها.
بالفعل لا وجود للدولة هنا، لا جيش ولا قوى أمن داخلي ولا مخفر ولا حتى عناصر من المجلس البلدي. آخر حضور أمني ينتهي عند بلدة رياق على مدخل قضاء بعلبك. ويقول الراعي ان “وجود البلدية يقتصر على مطالبتنا بالرسوم، لكن حال الطرق داخل القرية سيئة جداً”. وشهادته تعكسها مبانٍ مهجورة لسكة الحديد، وبيوت خاوية يفترض انها لعمال الزراعة. وعلى قمة احد المرتفعات المحيطة بالوادي علم أسود لـ”حزب الله”.
الراعي يشبِّه المنطقة بالجنة. بالفعل المياه المتدفقة مصدرها نبع نهر سرغايا الذي يخترق الحدود ويغذي نهر بردى في المقلب السوري، وشجر جوز وتفاح. ويضيف: “دوي القتال كان مسموعاً قبل فترة. فقد تمركز الداعشيون في مقلب الجبل، ولولا المقاومة لكانوا هجموا علينا”.
ويشير الى انه “لم ير هؤلاء الداعشيين لكنه سمع عنهم، والحزب سيطر على المنحدرات من الجهتين اللبنانية والسورية”.
المنطقة مراقبة عن كثب رغم السكون وانعدام حركة الناس. فالحديث مع الراعي، يثير الفضول، ويستدعي اقتراب راكب دراجة نارية ليتقصى بلطف سبب وجودنا في المكان.
خطوط إمداد عسكرية وبشرية
ويوضح مصدر أمني متقاعد ان “هذه الأبنية المهجورة في الظاهر تستخدم لإقامة من يدربهم الحزب، فيتوارون فيها نهاراً ليخرجوا ليلاً”.
ويضيف ان “الحزب حوّل منطقة جنتا ووادي يحفوفا الى خط إمداد عسكري وبشري للقلمون عبر الطرق المشقوقة الى معابر غير شرعية. ولا وجود للقوى الأمنية من جيش وأمن داخلي وجمارك”.
ويشير الى “ان عناصر الحزبين الشيوعي والقومي السوري الاجتماعي يتدربون في المكان. واستخدام الحزب للمغاور يجعل استهداف عناصره بالطيران مستحيلاً”.
الا ان عميداً متقاعداً كان مسؤولاً في منطقة رياق، يوضح ان “الجيش اللبناني كان منتشراً في منطقة نبع الجوز ووادي يحفوفا حتى العام 2009، والمغاور وأدوات التدريب من حبال وما الى ذلك، كانت موجودة، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، تستخدمها قواعد عسكرية محمية بصواريخ سام من الجيش السوري. لكن بعد انسحاب سوريا من لبنان، انسحبت القيادة العامة من هذه المواقع وتسلمها حزب الله. وكان يدرب فيها عناصره وعناصر عراقية ويمنية تابعة للمحور الإيراني”.
ويروي ان “مجموعة من الكلاب الشرسة كانت منتشرة في المرتفعات وكان عناصر الجيش اللبناني يتولون اطعامها، فتحولت هذه الكلاب الى “عيون مراقبة” لمصلحة الجيش اللبناني، وفي الليل اذا ما حاول احد التسلل عبر المرتفعات التي تحرسها، كانت تبدأ بالعواء وتطوقه وتقوده الى مركز الجيش. وغالباً ما كانت الكلاب تمسك بالمتسللين العراقيين او السودانيين او الاثيوبيين الذين يرغبون بالعمل في لبنان”.
الآن يسيطر على المنطقة الصمت المطبق بعد انسحاب الجيش اللبناني، ولا يعكره سوى هدير شاحنات قليلة تعبر من الأراضي السورية الى الاراضي اللبنانية من اعلى الجبل.
ويوضح العميد المتقاعد ان “قبل حرب تموز 2006 كان القصف الإسرائيلي يستهدف الحزب في هذه المنطقة من الجهة اللبنانية. اما اليوم فإن الطيران الإسرائيلي يقصف قوافل للحزب وهي لا تزال في الجهة السورية للجبل في القلمون”. ويشير الى ان “المنطقة بقيت لفترة خامدة من أي نشاط، وتحديداً غداة حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701، الذي فرض على لبنان إقامة مراكز مراقبة على الحدود الشرقية مع سوريا، وتولى الجيش البريطاني اعداد حرس حدود من عناصر الجيش وتقسيم المنطقة الى ثلاث مناطق، من بعلبك الى الهرمل، ومن بعلبك الى المصنع، ومن المصنع الى شبعا. على ان تضم كل منطقة 72 مركز مراقبة مجهزة بمعدات ومناظير تُمكن الجيش من ضبط الحدود. لكن مع الحرب السورية، تغيرت المعطيات وانحسر وجود الجيش من هذه المنطقة”.
مناطق أمنية وحركة ليلية للشاحنات
المصدر الأمني يؤكد ان “التدريبات عادت الى هذه القواعد مع الحرب في سوريا، وحوَّل “حزب الله” المناطق الحدودية الى مناطق أمنية، تعبر منها شاحنات الأسلحة كما يعبر المقاتلون، ولا يسمح للمدنيين بارتيادها. وحواجزه موجودة اذا ما توغلنا أكثر في المرتفعات. فهذه المنطقة الخلابة محظورة والمنتزهات خالية من الرواد، وقد استسلم أصحابها لهذا الواقع، وفهموا الرسالة، وبعد ان تجرأوا على الاستثمار في ارضهم أتى من يفتعل المشاكل ويبعد الرواد. والصمت يسود نهاراً، لكن مع اقتراب الليل تنشط الحركة في المرتفات المحيطة بالوادي حيث حواجز حزب الله”.
يضيف: “الحدود من الناقورة الى الهرمل تقع كلها تحت سيطرة “الحزب” على مقلبي الجبل في الحدود الشرقية وصولاً الى الهرمل، وتحديداً في منطقة القلمون. وعبر الطرق المعبدة التي شقت حديثاً، يمر المقاتلون كما تمر شاحنات لا نعرف ما فيها”.