التصعيد العسكري الحكومي ضد الغوطة الشرقية، وصل إلى حد “إبادة” سكان المدينة. وفي خضم ذلك، لنا أن نتساءل: ما هي الدوافع التي استند إليها النظام السوري لممارسة هذا النوع من الشراسة في التصعيد والذي اشتمل على قصف جوي وصاروخي ومدفعي في آن؟ حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن ما لا يقل عن 250 شخصا قتلوا في هذه المنطقة جراء الهجوم الحكومي منذ ليل الأحد، مؤكدا بأن التصعيد أسقط أكبر عدد من القتلى في ثلاثة ليال منذ الهجوم الكيميائي على خان شيخون في 2013.
وتمثل الغوطة الشرقية آخر معقل للمعارضة بالقرب من دمشق. ويهيمن عليها الفصيل الإسلامي “جيش الإسلام”، كما تعمل هناك أيضا “هيئة تحرير الشام”، وهو تحالف لمسلحين جهاديين يقوده موالون سابقون لتنظيم القاعدة في سوريا. وقد صنّفت ضمن مناطق “خفض التوتر” في الإتفاق الذي رعته روسيا وإيران، الحليفتان الرئيسيتان للنظام السوري، فضلا عن تركيا التي تدعم المعارضة. بيد أن ما يسمى بالأعمال العدائية ازدادت في المنطقة منذ منتصف نوفمبر عندما صعّد جيش النظام قصفه المدفعي والجوي ردا على هجوم قامت به المعارضة.
ويشير التصعيد الأخير إلى احتمال قيام القوات الحكومية بهجوم أرضي كبير في محاولة لاستعادة المنطقة. وقالت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام إن “عملية واسعة” قد تبدأ “في أي لحظة”، فيما قال تلفزيون “المنار” التابع لحزب الله إن الجيش السوري أرسل تعزيزات إلى المنطقة.
وكانت المعارضة السورية قالت إن التصعيد الراهن تزامن مع تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن تطبيق نموذج حلب على الغوطة الشرقية، وهي إشارة إلى ما شهدته المدينة من قتال عنيف دام شهورا في نهاية عام 2016 وادى إلى إخلاء مسلحي المعارضة منها.
وقال لافروف في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري عبد القادر مساهل إن تجربة إخلاء مدينة حلب من المسلحين يمكن أن تُطبق في الغوطة الشرقية. في حين رفض السفير الروسي في الأمم المتحدة “الهدنة الإنسانية” لمدة شهر والمقترحة من قِبل الكويت والسويد، واعتبرها “غير واقعية”، معطيا بذلك دمشق الضوء الأخضر لمواصلة التصعيد في تلك المنطقة. في حين توقع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أن تتحول الغوطة الشرقية إلى “حلب ثانية”.
لكن، ماذا يعني أن تتحول الغوطة الشرقية إلى “حلب ثانية”؟ أو بعبارة أخرة: هل يمكن للغرب أن يتحمل المسؤولية عن خطاباته الرنانة حول كرامة الإنسان؟
صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية الصادرة في دوسلدورف تجيب على ذلك بالقول “إن النظام السوري بدأ بالتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة للتحرك ضد الهجوم العسكري التركي في عفرين”. لذلك، تتساءل مستغربة ومستنكرة: “هل يتحمل الوضع السوري عبثية أكبر؟”. لكنها تسترسل بالقول: “الغرب يحارب نفسه بنفسه، والحليف بشار الأسد يسترجع سلطته بالتقسيط، وتحولت الحرب في سوريا إلى تبادل ضربات جيو سياسي غريب. كل واحد يريد أن يقول كلمته، والتحالفات تتغير دائما وبسرعة. أما حماية المدنيين أو العاملين الطبيين فيتم تجاهلها. ولا أحد يفكر في السكان المدنيين المتألمين. وسط كل هذا، هناك شخص واحد يحتفظ بنظرة عامة: إنه فلاديمير بوتين. فالرئيس الروسي يريد بكل ثمن دعم الأسد. وبذلك يمكن له إضعاف الولايات المتحدة في المنطقة كقوة عالمية، وفي آن واحد توطيد تأثيره في البحر المتوسط. وأوروبا تتركه يفعل. وهذا خطأ”.
* كاتب كويتي