ترجمة “الشفاف” بالإتفاق مع “باري ماتش”
مكتبه الثاني هو الطائرة. وفي حين تتكاثر الأزمات وتتحوّل “الدولة الإسلامية” إلى تهديد متزايد الخطورة، فإن “لوران فابيوس” يقطع كل شهر ما يقارب ٤٠ ألف كيلومتر بالطائرة. فهو يخوض سباق “ماراتون” لإسماع صوت فرنسا في الملفات الدولية الكبرى. إن أولوية سياسته هي الأمن. وبعد جولة في الشرق الأوسط سعى خلالها لإحياء مسار السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فقد توجّه إلى العاصمة النمساوية للمشاركة في مفاوضات الملف النووي الإيراني. وإلى ما سبق، فإن التحضير لمؤتمر المناخ (“كوب ٢١”) الذي سينعقد في باريس في آخر السنة يمثّل واحداً من التحديات التي يواجهها.
أجرى المقابلة: فرنسوا دو لابار (لمجلة “باري ماتش“)
باري ماتش: في الأسبوع الماضي، ضرب الإرهاب في يوم واحد خمسة بلدان في ثلاث قارات. هل تعتقد أن “داعش” يملك التنظيم الكافي للقيام بمثل هذا النوع من العمليات، أم أن الامر مجردتضافر ظروف؟
تضافر ظروف؟
لوران فابيوس: يرسم تنظيم “داعش” الخط العام للرعب، حتى بدون أن يكون بحاجة لإعطاء أوامر محددة. ويمكن أن تكون العمليات مركزية أو فردية، ولكن النتيجة، لسوء الحظ، تظل هي نفسها: إنها إرهاب بدون حدود! بذريعة الدين، فإن هؤلاء المجرمين مستعدون لقتل كل من يرفض الخضوع لقانونهم الكارثي. ولا مفرّ من ملاحظة أن أول ضحاياهم هم المسلمون أنفسهم. ولكن “داعش” يشكل خطراً علينا جديدا، على امتداد القارات. وليس هنالك من جواب سوى بتنظيم الصفوف لمكافحة هذا الشرّ، واستئصاله، عبر تنسيقٍ دولي ومع مراعاة أن ذلك سيستغرق وقتاً.
ثبتَ أن استراتيجية الضربات الجوية ليست كافية لتقليص الرقعة التي يسيطر عليها تنظيم ”داعش”. هل توجد خطة أخرى؟
هذه الضربات الجوية ضرورية، لأن على الإئتلاف الدولي أن يساعد شعوب المنطقة للإنتصار على ”داعش”. وهذا ما يدفعنا للمشاركة. ولكن، لا يمكننا أن نكسب هذه الحرب من الخارج. إن على السكان المحليين أن يعبئوا قواهم في الميدان. في العراق، ينبغي على الشيعة والسنّة والأكراد أن يتحدوا ضد ”داعش”. وذلك يتطلب أن تتّبع حكومة العراق سياسة شاملة للجميع فعلاً، تحترمهم وتوحّدهم. ذلك أساسي.
لكن أكراد العراق يقولون أن الحال ليس كذلك..
ولهذا السبب فنحن نصرّ. العمل العسكري لا يكفي. إن العمل السياسي يتوقّف على الحكومة وينبغي أن يكون شاملاً. كذلك في سوريا، حيث تجري عمليات عسكرية، فإن الحلّ سياسي، وهنا أيضاً، هنالك ضرورة لحكومة وحدة وطنية تجمع بين المعارضة وعناصر من النظام، ولكن بدون بشّار الأسد.
ألا تعتقد أن من الضروري الحؤول دون انهيار النظام العلوي؟
نعم، ينبغي الحؤول دون انهيار أُسُس الدولة، الأمر الذي سيخلق وضعاً مشابهاً لوضع العراق بعد سقوط صدام حسين. وبديهي أن بشّار الأسد المتسبّب الأول بسقوط ٢٣٠ ألف قتيل سوري وبنزوح ملايين الناس، لا يمكنه أن يمثّل مستقبل سوريا. نحن نعمل من أجل حلّ سياسي مع دول المنطقة من جهة، ومع الولايات المتحدة، والأوروبيين والروس. الأمر صعب، ويستغرق وقتاً طويلاً، طويلاً جداً. ولكنه الحل المُفضَّل.
في سوريا، كما في ليبيا، هنالك إنطباع بأن ”القاعدة” تمثّل خصماً مؤثراً ضد ”داعش” على المستوى العسكري، وقد نجحت مثلاً في طرد ”داعش” من ”درنة”؟
لهذا السبب ينبغي تعزيز المعارضة الديمقراطية والسعي إلى حلّ سياسي. وإلا، فالخطر هو أن نضطر في نهاية المطاف للإختيار بين ديكتاتورية إجرامية وجماعات إرهابية غالباً ما تساند بعضها بعضاً. ينبغي ألا ننسى أن بشّار الأسد كان مسؤولاً في الأساس عن تطوّر الجماعات الإرهابية في بلاده.
هل تعتقد أن المحادثات التي يتولاها ”برناردينو ليون” برعاية الأمم المتحدة يمكن أن تضع حدّاً لدوامة العنف في ليبيا؟
هذا ضروري. نحن نؤيد جهود ”برناردينو ليون”، الذي يقترح الآن رابع مشروع خطة. إن الهدف هو تشكيل حكومة وحدة بين قوات طبرق وقوات طرابلس. ونحن نعبّئ نفوذنا الديبلوماسي لدعم هذا الحل ونحث الدول المجاورة على العمل بالإتجاه نفسه. إن المحادثات صعبة، لأن كل فريق يسعى للحفاظ على ميّزاته. ولكن، لا مفرّ من الإتفاق. وإلا، فسيكون المستفيد هو جماعات مثل ”داعش”. وسيكون ذلك كارثياً بالنسبة لليبيا، وبالنسبة للبلدان المجاورة وبالنسبة لأوروبا، لأن الفوضى الليبية مسؤولة جزئياً عن موجات الهجرة، الواسعة النطاق والمأساوية، في البحر المتوسط.
ألا تتحمل فرنسا جزءاً من مسؤولية هذه الفوضى؟ ألم تكن الرؤية السياسية ناقصة في لحظة التدخّل (العسكري) في سنة ٢٠١١؟
لقد أيّدنا التدخل الفرنسي في تلك الفترة، مع أننا كنا في المعارضة. ينبغي ألا ننسى أن السيد القذافي كان يستعد لارتكاب مجازر. أما الخطأ الفادح فكان نقصُ المتابعة. إن تدخّلاً عسكرياً لا يستطيع بمفرده أن يقوم لتحويل بلدٍ، مثل ليبيا، هو عبارة عن تجمّع لقبائل فائقة التسليح ويفتقد إلى بنى دولة، إلى نظام مستقر ومتوازن ومسالم. إن نقص المتابعة في تلك الفترة، وهذا ما سمّيته أنت نقص ”الرؤية السياسية”، يتحمّل بالتالي جزءاً من المسؤولية. الآن، من الضروري التوصّل إلى حل سياسي في ليبيا أيضاً. هنالك فوارق بين كل وضع جغرافي، ولكن الحلّ في الأغلب هو حل سياسي ويتطلب حكومة وحدة. وإلا، فسيستفيد الإرهابيون من الفوضى وسيستفيدون من روابط إثنية أو دينية لتعزيز وتصعيد أعمالهم المروّعة.
بعد عملية ”سوسه” الإرهابية، أجريت إتصالات مع مسؤولين سياسيين تونسيين. هل يخشون من توسّع ”داعش” في ليبيا؟
نعم، إن الإضطرابات الحاصلة في ليبيا تؤثّر مباشرة في تونس المجاورة. لكن، ثمة أسباب أخرى تبعث على القلق. فبين المقاتلين الأجانب في عدد من ميادين القتال في المنطقة هنالك كثير من التونسيين. ولسوء الحظ، يمكن لهؤلاء أن يستخدموا خبرتهم الإجرامية في بلادهم نفسها. إن التونسيين هم شعب صديق، وشجاع، قام بثورة ديمقراطية بطريقة منضبطة: وينبغي أن يحظى بدعم كامل. هذا الشعب لا يملك موارد كثيرة. وثروته تعتمد إلى حدٍ ما على السياحة. وذلك ما دفع الإرهابيين لتوجيه ضربتهم في هذا القطاع. إن التعاون الدولي ضروري. وقد ناقشت الوضع في اليومين الأخيرين مع زميليّ البريطاني والألماني، وهما يرحّبان بمثل هذا التعاون الذي ينبغي أن يتطوّر بسرعة.
أنت الآن في فيينا للمشاركة في المفاوضات حول الملفّ النووي الإيراني. هل ما زالت فرنسا تتخذ موقفاً “متصلباً”؟
البعض يذهب إلى حد شخصنة الأمور، ويقول أن “فابيوس متصلب جداً”. القضية ليست شخصية. نحن لسنا متصلّبين، نحن نتّخذ موقفاً منطقياً ومتماسكاً. إن إيران بلد كبير، والفرس يمثلون حضارة كبيرة. ولكن، في ما يتعلق بالمفاوضات، ينبغي أن نكون واضحين: الذرة السلمية، نعم، السلاح النووي، لا! إذا كنا نرغب في الحؤول دون الإنتشار النووي، فلا بدّ أن يكون الإتفاق محكماً. وإلا، فإن فسيكون هنالك انتشار للسلاح النووي، الأمر الذي سيكون أمراً خطراً جداً بالنسبة للجميع.
ترؤسك لمؤتمر المناخ للعام ٢٠١٥، ”كوب٢١” يوحي بأنك تتخصص بالمفاوضات المعقدة. هل تأمل في التوصّل إلى اتفاق بحلول ديسمبر المقبل؟
نعم، مع أنني أعرف أن المهمة بالغة التعقيد. ذلك أنه ينبغي إقناع ١٩٦ ”طرفاً” بالإتفاق حول موضوع بالغ التعقيد بحد ذاته. الأمر يستحق كل جهودنا لأن المطروح، بدون مبالغة، هو مستقبلنا، ومستقبل الكرة الأرضية. ينبغي إقناع جميع بلدان العالم بمكافحة الإحتباس الحراري، وإلا فإن الكرة الأرضية ستصبح غير صالحة للإنسان.
بعد مؤتمر المناخ، ”كوب21”، هل ستترأس ”المجلس الدستوري” كما تقول بعض الشائعات؟
قيل عني، على التوالي أو في الوقت نفسه، أنني أطمح لأصبح رئيساً للجمهورية، أو رئيس حكومة، أو وزير إقتصاد أو.. أنا أهتم بالشؤون الخارجية 24 ساعة على 24 ساعة، وهذا يكفيني.
لن تتدخّل في حملة إنتخابات الرئاسة المقبلة إذاً، بعكس غيرك؟
أنا أتجنّب السجالات، وأفضّل العمل. أحاول، مع فرنسوا أولاند، أن أطبّق سياسة خارجية تكون مفيدة وتحظى بأكبر قدر من التأييد. وبصورة عامة، أظهرت المعارضة حسّ مسؤولية على هذا الصعيد. هنالك إستثناءات، ولكنها ليست كثيرة. وهذا ما يذكّرني بصيغة جميلة لـ”ستاندال”: ”قليل من العاطفة يعزّز الفكر، وكثير منها يقضي عليه”.
لكن (وزير الداخلية) “برنار كوزنوف” يذكّر بأنه تم الإستغناء عن عدد كبير من رجال الشرطة بين ٢٠٠٧ و٢٠١٢ (أي في عهد نيقولا ساركوزي- الشفاف)
هذا لا شك فيه، من الناحية المادية. أما في ما يتعلق بي، فإن سَلَفي في “الكاي دورسيه” كان “ألان جوبيه”، وهو شخص أكنّ له كل التقدير. لذلك، فليس للسجال من معنى في حالتي أنا.