كلمة للقارئ العربي: سواءً كان المرء مع زهران ممداني أو ضده، فمن المهم إدراك أن نجاحه المؤقت حتماً (كما هو الحال في النُظَم الديمقراطية) يعبّر عن مشاكل اجتماعية واقتصادية “نيويوركية”، وأن الناخب الذي صوّت له بالأمس يمكن أن يصوّت ضده غداً. الأهم أن نجاحه مقطوع الصلة بانتمائه السياسي الإسلاموي أو “الشيعي” المزعوم! دُعاة “الشيعية السياسية” الذين فازوا في “غزوة نيويورك” الجديدة (!) يجدر بهم أن “يبلّوا أيديهم” بإصلاح مجتمعاتهم المدمرة قبل أن يصدّروا نظرياتهم المُنتَهية الصلاحية إلى.. نيويورك”! أصلحوا بغداد وطهران وجنوب لبنان وضاحيته، ولا تضيّعوا وقتكم في إصلاح شؤون نيويورك ولندن وباريس!
بيار عقل
*
بالنسبة للمفكر الأمريكي رود دريهر (Rod Dreher)، فإن انتخاب زهران ممداني لرئاسة بلدية نيويورك يُعدّ مؤشراً على انقسام عميق داخل الحزب الديمقراطي، المنقسم بين الشباب والنشطاء المؤيدين لـ”ممداني” من جهة، وقاعدة الحزب الواسعة الأكثر اعتدالاً من جهة أخرى.
لو فيغارو: هل سيكون لفوز ممداني في نيويورك تأثير على الصعيد الوطني؟
رود دريهر: سيكون لفوز ممداني تداعيات على مستوى الولايات المتحدة، لكنها ستبقى محدودة. فهو أكثر يساريّةً من أن تتقبله باقي البلاد. لن تكون هناك “موجة ممداني”، لكن في أمريكا اليوم، يمكن للسياسة المحلية أن تمتد بسهولة إلى الساحة الوطنية. ومن هذا المنظور، فإن انتخاب مسلم اشتراكي، شديد التوجه اليساري في القضايا الاجتماعية، لرئاسة بلدية أهم مدينة في الولايات المتحدة، يُعدّ هدية غير متوقعة للجمهوريين. من غير المرجح أن يرحب الديمقراطيون في الغرب الأوسط بهذا الفوز، لأن ممداني سيصبح عنصراً رئيسياً في الحزب الديمقراطي على المستوى الوطني، والجمهوريون سيسعون إلى ضمان ذلك.
إضافة إلى ذلك، تُعتبر نيويورك عاصمة الإعلام الأمريكي – والإعلام الأمريكي يميل إلى اليسار أكثر من المواطن الأمريكي العادي. أتوقع أن تتعامل وسائل الإعلام مع ممداني بتعاطفٍ كبير، وأنها لن تدرك تماماً كيف يُنظر إلى الأمر في باقي أنحاء البلاد. ربما نشهد هجرة كبيرة لليهود من نيويورك. كنت مؤخراً في جنوب فلوريدا، وأخبرني مسؤولون محليون هناك أنهم يتوقعون استقبال موجة كبيرة من اليهود القادمين من نيويورك في حال فوز ممداني. في الواقع، ارتفعت أسعار العقارات في جنوب فلوريدا بشكل ملحوظ مؤخراً.
هل يشير فوزه إلى تطرف الحزب الديمقراطي نحو اليسار؟ وهل سيتم تهميش شخصيات معتدلة مثل كامالا هاريس أو هيلاري كلينتون؟
نعم، أعتقد أن هذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً. أندرو كومو، الذي هزمه ممداني، كان يُجَسِّد الحزب الديمقراطي المنهَك. ومن اللافت أن معظم كبار المشرعين الديمقراطيين في نيويورك دعموا ممداني – حتى اليهود منهم. إنهم يرونه بوضوح الشخصية الصاعدة القادمة. المشكلة بالنسبة للديمقراطيين هي أن وضعهم السياسي على المستوى الوطني صعب جداً. فقط 28٪ من الأمريكيين لديهم نظرة إيجابية للحزب الديمقراطي، رغم أن معظمهم لا يوافقون على دونالد ترامب.
لماذا يكره الأمريكيون الديمقراطيين؟ لأنهم تخلوا عن الحسّ السليم. تركوا الحدود الجنوبية مع المكسيك مفتوحة أمام موجات المهاجرين، ولم يرفضوا قط السياسات المؤيدة للأيديولوجية العابرة للجندر. الناخبون العاديون سئموا من ذلك، ودَفعت كامالا هاريس الثمن. مقارنةً بممداني، تُعتَبر كامالا هاريس محافظة. لذا سيكون هناك صراع ضخم بين الأجيال داخل الحزب على المستوى الوطني. والطريقة الوحيدة أمام الديمقراطيين لاستعادة السلطة هي العودة إلى الوسط. لكن الشباب والنشطاء داخل الحزب أكثر تأييداً لـ”ممداني”. لا يوجد ديمقراطيون وسطيون شباب يتمتعون بجاذبيته وكاريزمته الإعلامية.
تاريخياً، كان مرشح الحزب الديمقراطي يدافع عن السوق الحرة والليبرالية الاقتصادية. لكن حملة ممداني ركزت على مقترحات لإعادة توزيع الثروة. هل يمكن للديمقراطيين تبني “الشعبوية الاقتصادية”؟
لقد تبنّى دونالد ترامب بالفعل سياسات اقتصادية تخالف مبادئ السوق الحرة، لذا سيكون من السهل على الديمقراطيين أن يفعلوا الشيء نفسه. في الدورات الانتخابية الأخيرة، تحول الرأي العام الأمريكي إلى اليسار في القضايا الاقتصادية. لكن نيويورك بالفعل مدينة تقدمية جداً من حيث الضرائب، وتُعدّ من أغلى المدن في الولايات المتحدة من حيث تكاليف المعيشة. سيتعين على ممداني زيادة الضرائب على الأثرياء لتمويل بعض خططه الطموحة، ما قد يدفع الأثرياء إلى مغادرة المدينة. قد لا يبدو ذلك مشكلة لأنصاره، لكنهم ربما لا يدركون إلى أي مدى تعتمد الصحة المالية للمدينة على الضرائب التي يدفعها الأغنياء، وقد يتعلمون ذلك على حسابهم.
وفقاً لاستطلاع أجرته جامعة ماريست في 1 نوفمبر، قال 32٪ من الناخبين اليهود في نيويورك إنهم مستعدون للتصويت لـ”ممداني” رغم مواقفه المناهضة للصهيونية. وقدّرت مؤسسات أخرى هذا الدعم بين 16٪ و38٪ داخل المجتمع اليهودي. كيف تفسر هذا؟
بعضهم كان ببساطة قد سئم من أندرو كومو، الذي رأوه فاسداً ومنهكاً. لكن كثيرين آخرين يُعطون أولوية لهويتهم التقدمية سياسياً على هويتهم اليهودية. كما أن عدم شعبية حكومة نتنياهو بين اليهود الأمريكيين التقدميين لعبت دوراً في تصويتهم.
في نيويورك، وفي أمريكا عامة، هل يهتم اليهود أكثر بالقضايا الاقتصادية أم بالسياسة الدولية؟
من الصعب القول. الآراء منقسمة فعلاً داخل المجتمع اليهودي الأمريكي. كثير منهم اتجهوا نحو اليمين بسبب استسلام اليسار للمشاعر المعادية لإسرائيل، بل وللعداء الصريح لليهود. لكن حدث تطور مذهل مؤخراً في صفوف اليمين: تاكر كارلسون، الإعلامي المحافظ المعادي للصهيونية وأحد أبرز الأصوات اليمينية في أمريكا، استضاف في برنامجه عبر الإنترنت مؤثراً من أقصى اليمين يدعى نِك فوينتِس، يبلغ من العمر 27 عاماً، وهو نازي جديد يُنكر الهولوكوست ويفتخر بتفوق العِرق الأبيض، وقال إن أتباعه سيحكمون أمريكا وسيُعدَم اليهود وغيرهم. ومع ذلك، لديه أتباع كثر من الشباب البيض الساخطين. مقابلة كارلسون معه أثارت موجة غضب بين اليهود المحافظين والمسيحيين المحافظين الذين شعروا بالاشمئزاز من محاولته تطبيع فوينتس. الوضع يتطور بسرعة، ولا أحد يعرف إلى أين سيتجه. وقد قال لي أحد أصدقائي من الديانة اليهودية مؤخراً: “بين ممداني في نيويورك وتأثير تاكر كارلسون على الجمهوريين، نشعر – نحن اليهود – بأننا وحيدون جداً الآن”.
كيف تتعامل حركة “ماغا” (“لنجعل أميركا عظيمة من جديد”) اليمينية مع مرشح مثل ممداني؟ وهل خطابه فعّال؟
عادةً، سيكون من السهل على حركة “ماغا” أن تجعل من ممداني رمزاً للحزب الديمقراطي بأكمله، وهذه هي الاستراتيجية الأكثر وضوحاً. لكن وجود شخصيات مثل نِك فوينتِس وتاكر كارلسون يعقّد هذا الأمر بشدة. من المستحيل، في هذه المرحلة، التنبؤ بنتيجة هذه الحرب الإعلامية الرمزية.

