الذين عاشوا عصر زعماء الموارنة الكبار المتصارعين، بحسناتهم وسيّئاتهم، من الشيخ بيار الجميّل إلى كميل شمعون أو « العميد » ريمون إدّه او الرئيس سليمان فرنجية، (حتى لا نشير إلى « الجنرال فؤاد شهاب » الذي أبى دائماً أن ينزل إلى معترك السياسة)، لا يذكرون ان أيا منهم كان « يَحرِصُ » على الإساءة العلنية لـ« مُنافسيه » لمناسبة أو بدون مناسبة! والسبب: أن كل واحد منهم كان مرتاحاً في « كرسي شعبيته » الراسخة التي لا تهزّها ريح!!!
***
فجأة تبدلت سحنة “الحكيم”، وتحول ابتسامته من السخرية والهزء الى ابتسامة صفراء.. لدى سماعه إسم الدكتور فارس سعيد!
سأله مقدم برنامج “صار الوقت”، الإعلامي مارسيل غانم، “حكيم لماذا لا تتحالف مع الدكتور فارس سعيد”؟ بعد ان كان سأله “هل هناك احتمال ان تتحالف مع حركة “أمل” في الانتخابات المقبلة”؟.
“الحكيم” ونعني به الدكتور سمير جعجع، ردَّ على احتمال تحالفه مع الرئيس بري بأنه “سيتحالف مع من يشبهونه سياسيا”. عندها سأله غانم عن امكان التحالف مع الدكتور سعيد، مشيرا الى ان “سعيد” قال ذات يوم “هناك في حزب القوات رجل هو ستريدا جعجع، التي رفضت عرضا بالتحالف مع التيار العوني لقاء الإفراج عن زوجها من السجن”! انفرجت اسارير جعجع وقال “في هذه المرة الدكتور سعيد على حق”، مضيفا “أنهها المرة الوحيدة التي يقول فيها سعيد كلاما محقا”! عندها، أجابه غانم، “واين أخطأ سعيد؟ فهو ما زال على موقفه منذ دخوله المعترك السياسي، قل لنا أين أخطا؟ وأضاف: “كنت أراه واقفا على حواجز الجيش اللبناني يخضع للتفتيش الدقيق وهو يهم بالدخول الى منزلك في “يسوع الملك” (حين كان جعجع مسجونا، و”قواته” محاصرة وملاحقة). هنا تلبّكَ جعجع وقال “نعم نعم” من دون ان يضيف اي كلمة!!
حقيقة الامر ان ذكر اسم الدكتور فارس سعيد يثير حفيظة “حكيم” القوات، ويبدو انه في علم النفس، يمثل “سعيد” صوت الضمبر بالنسبة لجعجع! فهو يؤنبه كلما سمع باسمه.=!
لم ينفكَ “الحكيم” يسعى لايجاد المبررات التي أدت الى التباعد بينه وبين سعيد. فلا يجد مأخذا سياسيا على سعيد، بل على العكس إن سعيد يقف على يمين “القوات” وكل القوى المسماة “سيادية في البلد”! فهو الوحيد الذي تجرّأ على مواجهة التدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية، وأنشأ “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني”، في خطوة صفها “جعجع”، بأنها “مبَهبَطة”! ثم أثبتت الايام صحة موقف “سعيد”، وقصور نظر “جعجع”!
كما ان سعيد لم يدخل اي حكومة الى جانب حزب الله وحركة امل ولم يشد بالتضامن الوزاري، ولا تبادل الغزل مع وزير صحة حزب الله حمد حسن الذي قام بواجبه بزيارة “مستشفى بشري الحكومي” (وليس مستشفى القوات ولا مستشفى آل جعجع)، ولم يطلب من اي من نواب حزب الله نقل تحياته الى “السيّد”، و”السيّد” تعني هنا امين عام حزب الله حسن نصرالله،
ولم يدخل “سعيد” في بازارات “أوعا خيك” مع “الجنرال البيتاني” ميشال عون، ليتراجع عنها لاحقا! وهو يترأس “لقاء سيدة الجبل”، اللقاء الجامع للبنانيين من كل المناطق والطوائف، والوحيد في لبنان الذي يطلق مواقف وطنية سيادية ليست على القطعة، او مناسباتية! ولذلك هو يحرج “الحكيم” الذي يناور في السياسة حينا، ويطلق مواقف مثيرة للجدل احيانا، من ابرزها قانون الانتخابات المثير للجدل، الذي هلّلَ له “جعجع” َّحَين الاعلان عنه، وخسرِ بسببه شعبيّته السابقة لدى المسلمين، ولو أنه كسبَ، بسببه أيضاً، امتنان عميل الأسد، “إيلي الفرزلي”! وهو يسعى اليوم الى تعديله، لاسباب ظاهرها وطني وحق، وخفيّها سعي :الحكيم” الى تكبير كتلته النيابية بالاعتماد على اصوات المغتربين، وفي الشأن الانتخابي هذا حق لـ”القوات” ولسواها من الفرقاء السياسيين.
إنه “الحكيم” الاستنسابي، الذي أصر على ترشيح النائب الراحل حاكم المركزي الاسبق الحقوقي ادمون نعيم لانه تولى فريق الدفاع عنه حين كان في السجن، إلا أنه تنكر لكل ما قام به الدكتور سعيد والنائب الراحل سمير فرنجيه، لإخراجه من السجن!
فَهُما من أقنعَ الزعيم وليد جنبلاط بزيارة زوجة “جعجع” في منزله في “يسوع الملك” في زيارة مَثَّلت تَحدّياً لكل تاريخ جنبلاط السياسي!!
فضلا عن العريضة النيابية التي طالبت بإقرار قانون العفو عن جعجع، والتي تولاها النائبان فارس سعيد والنائب الراحل الشهيد وليد عيدو.
لكل هذه الاسباب، ولغيرها، لا يجد “حكيم ” القوات سببا لضحكته الصفراء عند سماعه إسم فارس سعيد، سوى صوت ضميره الذي لا يزال يؤنبه وسيبقى.
