أي معنى للهجوم الذي تعرّضت له حديثا فرقاطة سعودية قبالة ساحل ميناء الحديدة اليمني؟ هناك معنيان، في اقلّ تقدير، للهجوم. الاول انّ المملكة وحلفاءها كانوا على حقّ عندما بدأوا “عاصفة الحزم” في آذار ـ مارس 2015. لم يكن لديهم خيار آخر. لم يكن مسموحا تحوّل اليمن الى قاعدة إيرانية تستخدم في كلّ الاتجاهات.
ما يكشفه هذا الهجوم هو انّ الحوثيين يمتلكون أسلحة، ان مصدرها إيراني وغير ايراني، وان الهدف كان دائما بسط السيطرة على اليمن وجعله شوكة في خاصرة دول الخليج العربي كلّها وليس السعودية وحدها. هناك خطر إيراني مصدره اليمن، وهناك روح عدائية لكلّ دولة عربية انطلاقا من اليمن وهناك فوق ذلك كلّه تمدد إيراني ، امكن وضع حدّ له، في كل هذا البلد ذي الأهمّية الاستراتيجية الكبيرة.
تعود هذه الاهمّية الى الموقع الجغرافي لليمن وساحله الطويل وسيطرته على باب المندب والى الكتلة السكانية اليمنية والى وجود حاضنة للارهاب في انحاء مختلفة منه يغذيها الفقروالجهل.
امّا المعنى الآخر للهجوم على الفرقاطة بواسطة انتحاريين، فيتمثل في انّ الضربة التي تلقاها الحوثيون في المخا كانت ضربة مؤلمة. لا يمكن الاستهانة بما حصل في المخا باي شكل وذلك لاسباب عدة في مقدمها طرد الحوثيين من منطقة يهددون فيها الملاحة عبر باب المندب المؤدي من الخليج الى البحر الأحمر وصولا الى قناة السويس. لحقت خسارة كبيرة بالحوثيين الذين يطلقون على نفسهم تسمية “انصار الله”. كان عليهم تعويض هذه الخسارة بعمل دعائي من نوع مهاجمة فرقاطة سعودية يعيد المعنويات المفقودة. حسنا، لحقت اضرار بالفرقاطة، ولكن هل ذلك يؤخر او يقدّم او يجعل السعودية والتحالف العربي يعيدان النظر في حساباتهما اليمنية؟
لن يقدّم ضرب الفرقاطة او يؤخر. هناك عزم على منع اليمن من التحول الى قاعدة إيرانية، ايّا يكن ثمن ذلك. اما بالنسبة الى الحسابات، فلا بدّ من إعادة نظر في بعضها، خصوصا لجهة كيفية البناء على ما تحقّق منذ انطلاق “عاصفة الحزم”، التي هي أيضا عاصفة العزم والإرادة الصلبة.
منذ انطلاق العمليات العسكرية، تحققت نتائج كثيرة. اخرج الحوثيون الذين صاروا متحالفين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح من عدن. تلا ذلك تحرير مناطق أخرى عدّة، من بينها شبوه وحضرموت. لكن تعز بقيت منقسمة على نفسها وبقيت للحوثيين وانصار الرئيس السابق مواقع أساسية فيها. ولكن ما يلفت النظر، انهi على الرغم من الهزائم العسكرية التي لحقت بـ”انصار الله”، بقيت سيطرتهم على صنعاء ومحيطها شبه كاملة. لم يحصل تطور مهمّ على جبهة نهم منذ فترة طويلة، تماما كما عليه الحال على جبهة تعز.
خلاصة الامر انّه لا يمكن الاعتماد على الأدوات التي تمثّل “الشرعية” الآن. تبيّن ان هذه “الشرعية” عاجزة عن الاستفادة من الانجازات العسكرية التي تتحقّق. اكثر من ذلك، لا تستطيع هذه “الشرعية” توفير قناعات للمواطن العادي بانّه في مأمن عندما يكون في ظلها.
هناك ارقام مخيفة تعكس المدى الذي وصلت اليه المأساة اليمنية. جاء في تقرير صادر عن “يونيسيف”، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة، ان اليمن خسر مكاسب حققها على مدى عقود في مجال الصحّة العامة نتيجة الحرب والازمة الاقتصادية. هذا الى جانب عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
من بين الأرقام التي أوردها التقرير ان ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين وثلاثمئة الف شخص في اليمن من بينهم نحو مليونان ومئتا الف طفل يعانون من سوء حاد في التغذية. كذلك، يعاني 460 الف طفل دون الخامسة من سوء التغذية بطريقة اكثر حدّة.
ورد في التقرير أيضا ان ان 63 من كلّ الف طفل يموتون قبل بلوغ سنّ الخامسة في مقابل 53 كانوا يموتون في 2014 . يعطي هذا الرقم فكرة عن السرعة التي تتدهور فيها الاوضاع في اليمن.
هذا غيض من فيض الأرقام المتوافرة والتي تدعو الي وقف المأساة اليمنية على وجه السرعة بعيدا عن ايّ نوع من المصالح الشخصية وايّ عقد من ايّ نوع كان تتعلّق بالاشخاص وغير الأشخاص.
نجحت “عاصفة الحزم” حيث كان يجب ان تنجح. كان في الإمكان تحقيق نتائج افضل لو كانت هناك شرعية حقيقية ولم يكن الاخوان المسلمون يتصدرون المشهد في مناطق كانوا يعتقدون انّ لديهم شعبية كبيرة فيها مثل تعز.
الثابت ان الحوثيين لا يمتلكون أي مشروع من أي نوع كان لا لبناء دولة ولا لبناء مزرعة. لا يمتلكون مشروعا لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا تربويا. ليس اديهم ما يقدمونه غير الشعارات الفضفاضة التي تكشف افلاسهم على كلّ صعيد. ولكن ما لا بدّ من الاعتراف به انّهم موجودون ولا يمكن ازالتهم من المعادلة اليمنية، مثلما لا يمكن إزالة “المؤتمر الشعبي العام” الذي يتزعمه الرئيس السابق.
هذا واقع لا مفرّ منه، تماما مثل الواقع الآخر الذي يحول دون دور فعال لـ”الشرعية” في المناطق التي خرج منها “انصار الله” وآخرها المخا.
الخوف كلّ الخوف من ان تستغلّ العصابات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” الوضع القائم في محافظات الجنوب والوسط والمناطق التي تحت سيطرة “الشرعية” للتوسع والانتشار. قد يكون هذا السبب الذي دفع دولة مثل سلطنة عُمان الى اعتماد دور اكثر نشاطا وتوازنا في مجال البحث عن تسوية. هناك خوف من ان تؤثر حال الفوضى والفلتان في الجنوب اليمني على الداخل العُماني الذي لا يبدو محصنا تجاه انتشار عناصر إرهابية من “داعش”. ما لا يمكن تجاهله في أي وقت وجود حدود مشتركة بين اليمن وسلطنة عمان وان اليمن الجنوبي، الذي كان قاعدة سوفياتية، شكل تهديدا للسلطنة في مطلع السبعينات من القرن الماضي.
في غياب المسؤولين اليمنيين القادرين على لعب دور قيادي، ان في الشمال او الجنوب او الوسط، ليس امام التحالف العربي سوى تحمّل مسؤولياته. كيف ذلك؟ ليس عيبا، في انتظار بلورة حلّ على مستوى اليمن كله العمل على تنظيم أوضاع عدن والمكلا والمخا وكل كيان صغير يمكن تنظيمه في انتظار ذلك اليوم الذي يصحو فيه الزعماء اليمنيون ويكتشف “انصار الله” انّهم ليسوا سوى أدوات استخدمتها ايران في لعبة اكبر منهم… وتكتشف “الشرعية” انّها لا تمتلك شخصا قادرا على المكوث في صنعاء ولو لاربع وعشرين ساعة.
لا بد من العودة الى البديهيات في اليمن. هذا يعني البحث عن الممكن في غياب القدرة على اجتراح المعجزات في بلد يموت اطفاله يوميا بسبب الجوع وغياب الحد الأدنى من الرعاية الصحيّة.