كان لوثر، الراهب الكاثوليكي، يريد فقط إصلاح الكنيسة، وليس إنشاء كنيسة جديدة!
بمجرد قولنا إن الإنسان، من حيث هو فرد، هو المسؤول الأوّل عن إيمانه، بمجرد إستخدام هذه الحرية، فإننا نصل إلى العلمنة.
اللحظة “البروتستانتية” موجودة في الإسلام، قديماً وحديثاً! كانت موجودة منذ 1000 سنة، ولم تنتصر! وهي موجودة الآن في كتابات جمال البنّا (الشقيق الأصغر لحسن البنّا) والمستشار العظيم محمد سعيد العشماوي، وصديقنا العفيف الأخضر، وسيّد القمني، والعظيم صادق جلال العظم الذي رحل قبل أيام- وهذا بغض النظر عمن كان من هؤلاء “مؤمناً” أم لا! (الرائع جمال البنّا قال لي مرةً: “أصدقاؤك الإصلاحيون معظمهم يتظاهر بالإيمان، أما أنا فإنني فعلاً مسلم”! ). وقبلهم علي عبد الرازق، وطه حسين و..! حقاً أن اللحظة البروتستانتية في الإسلام الحديث لم تنتصر.. بعد! ولكنها لم تُهزَم أيضاً! وهنا خطورتها في نظر جماعات “الإخوان المسلمين” و”السَلف”! شهدت المسيحية إصلاحاً عميقاً بدأ بالبروتستانتية ثم انتقل إلى الكاثوليكية، بحيث بات صعباً التمييز بين الكنيستين، وإلى درجة أن بابا الفاتيكان احتفل مع السويديين البروتستانت “المتعصّبين” بذكرى مرور 500 سنة على نشر أطروحات لوثر ضد الكنيسة الكاثوليكية!
“البروتستانتية”، بمعنى “الإصلاح”، وبمعنى التركيز على “الفرد” وليس “الجماعة” (هل تذهب الناس إلى “الجنّة” أو “النار” “جماعةً” أو”فرادى”..؟) قد تكون هي مستقبل الإسلام أيضاً!
ولو انتصرت “اللحظة البروتستانتية”، أي “الإصلاحية” في الإسلام، فسيكون انتصارها على حساب مشايخ السنّة والشيعة (الذين يرتدون “الزي المرقّط” بمناسبة وبدون مناسبة!) الذين لا يختلفون، في حقيقة الأمر، سواءً في إيران ولبنان أم في الخليج، سوى على “نصيبهم” من “الريع النفطي” بصورة خاصة!
كما سيخلص القارئ من المقابلة التالية، فقد خلعت البروتستانتية الحديثة “الزي المرقّط”، ولم تعد تعتبر “الكاثوليكي” أو “المسلم” (أو البوذي أو..) عدوّها! البروتستانتية الحديثة هي، مثل الكاثوليكية الحديثة، عقيدة للمجتمعات الفردية والعلمانية، كما ستصبح مجتمعات المسلمين آجلاً، أم عاجلاً!
بيار عقل
*
توافق سنة 2017 مرور 500 عاما على نشر مارتن لوثر لأطروحاته مستهلا بها عصر الإصلاح في أوروبا. وبالنسبة لأتباع الديانة البروتستانتية في سويسرا، تمثل هذه الذكرى فرصة لإعادة التفكير في هويتهم. نظرة مجملة حول هذا الموضوع من خلال هذا الحوار الشامل الذي أجرته swissinfo.ch مع جوال بورّي، رئيس تحرير وكالة الصحافة البروتستانتية (protestinfo).
سوف يستمر الإحتفال بمرور 500 عاما على انطلاق حركة الإصلاح لمدة سنة كاملة. وقد أعطيت ضربة الإنطلاق في جنيف بداية شهر نوفمبر الماضي. ولا يتعلق الأمر بمحاولة استعادة التاريخ أو تقديس وعبادة أشخاص، بل لأن هذه الحركة هزّت الأفئدة والعقول في سويسرا وأوروبا، وفي العالم أجمع. وهذا ما نحن بصدد إحيائه”، وفقا لما جاء على لسان غوتفريد لوشر، رئيس اتحاد الكنائس البروتستانتية بسويسرا.
وعلى الرغم من أن الحركة قد انطلقت من ألمانيا، كانت سويسرا مشاركة فيها أيضا: “لقد كانت سويسرا مركز الزلزال الروحي والإجتماعي الذي هو الإصلاح“، بحسب ما جاء على لسان ألان بيرسي، الوزير الفدرالي المسؤول عن القضايا ذات العلاقة بالشؤون الدينية.
لكن إذا كان للبروتستانتية تاريخ طويل ومجيد في سويسرا، فإنها قد أصبحت اليوم ديانة أقلية. ولمعرفة المزيد حول ماهيتها اليوم في سويسرا، أجرينا هذا الحوار مع جوال بورّي رئيس تحرير وكالة الصحافة البروتستانتية (protestinfo).
swissinfo.ch: ما الذي يعني أن تكون بروتستانتيا اليوم؟
جوال بورّي: الفكرة الأساسية لعملية الإصلاح هو أن الغفران يمنحه الرب وليس الكنيسة. وإحدى نتائج التشكيك في سلطة الكنيسة هو أن العلاقة مع الرب تصبح علاقة أكثر فردانية. وانطلاقا من هذه النقطة تتشعّب المسارات، وتتعدد الإتجاهات.
تُعتبر بروتستانتية، العديد من الكنائس القديمة، ولكن أيضا حركة كاريزماتية ولدت عفويا في مرآب لتصليح السيارات، والبروتستانتية ميدان واسع يشمل في آن واحد اتجاهات موغلة في المحافظة، وأيضا مفكرين لبراليين جدا. قضية الهوية البروتستانتية، إذاً، سؤال جدير بالطرح.
swissinfo.ch: ألا ترى أن الكنائس التقليدية متخلفة نسبيا عن الحركات الإنجيلية القادمة من الولايات المتحدة الامريكية؟
جوال بورّي: لقد كانت هناك على الدوام حركات تقترح طريقا آخر غير طريق الكنائس البروتستانتية التقليدية، ولكن الحركة الإنجيلية القادمة من الولايات المتحدة تمارس بالفعل تأثيرا بالغا ولا حدود له على كل الكنائس غير التقليدية.
هذا يعني أن الإنجيليين في ازدياد، وهم معجبون جدا بممارساتهم الدينية، ضمن حياة جماعية، ويمتلكون قدرة على جذب الشباب.
ولكن حذار من المبالغة في تقدير هذه الظاهرة. فالإنجيليون لهم قدرة كبيرة على الحركة ويمكن أن يصل عددهم إلى 800 لإنشاء كنيسة، ولكن ما أن يحدث شيء لا يروق لهم حتى يولّوا وجوههم نحو كنيسة أخرى. كما أنه كثيرا ما ينتهي بهم الامر إلى الإنضمام إلى إحدى الكنائس التقليدية، على سبيل المثال في حالات الطلاق، التي تثير امتعاضا أخلاقيا كبيرا جدا لدى أتباع هذه الديانة.
swissinfo.ch: كيف تصف لنا العلاقة بين هذيْن المدرستيْن للبروتستانتية؟
جوال بورّي: هذا الأمر يختلف كثيرا من حالة إلى أخرى: المسألة محلية جدا. بعض القساوسة في الكنائس التقليدية لهم صلات وتعاطف مع الإنجيلين، والبعض الآخر لا.
توجد بعض الموضوعات الشائكة التي تظهر الفارق بين الإثنيْن، مثل المِثلية الجنسية، حيث تميل الكنائس التقليدية إلى التعامل مع النصوص في سياقاتها التاريخية، بينما يميل الإنجيليون إلى أخذ النصوص في دلالاتها الحرفية، مما يجعلهم ينظرون إلى المِثلية الجنسية كخطيئة فظيعة. كذلك يميل الإنجيليون أكثر إلى الحديث عن النار وعن الجحيم. وفي بعض القضايا يكاد يكون من المستحيل إيجاد أي أرضية للتعاون.
swissinfo.ch: بعد أن كانوا في الماضي الأغلبية، أصبح البروتستانتيون اليوم أقلية في سويسرا، حتى في المناطق المعروفة بأنها أرض البروتستانتية مثل كانتوني فو ونيوشاتيل. ما الذي يغيّر الإنتقال من الأغلبية إلى الأقلية؟
جوال بورّي: بشيء من الهزل يمكن أن نقول أن هذا الوضع هو نتيجة البروتستانتية ذاتها. فقولنا إن الإنسان، من حيث هو فرد، المسؤول الأوّل عن إيمانه، بمجرد إستخدام هذه الحرية، نصل إلى العلمنة.
swissinfo.ch: انعدام الموارد المالية ألا يمكن أن يؤدي إلى أفول الكنائس البروتستانتية. لقد شهدنا بالفعل إغلاق كنائس وتسريح قساوسة لأسباب تتعلق بالميزانية؟
جوال بورّي: لقد أوضحت دراسة أنه في الكانتونات التي يتم فيها تمويل الكنائس عبر الضرائب، فإن تلك الكنائس تدرّ موارد على الدولة أكثر مما تكلفها. وبالإجمال، وجود قسّ أو كاهن أقلّ تكلفة وأنفع من وجود جيش من الأخصائيين النفسانيين. وشخصيا لم أعد مقتنعا بهذه الحجة، لأن هناك إرادة في التوجّه نحو مجتمع أكثر لائكية.
المستقبل يتجه نحو النموذج المتبع في جنيف وفي نوشاتيل، حيث يدفع أتباع الكنيسة الضريبة الدينية على أساس طوعي. ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أنه في نوشاتيل توجد كنيسة ديناميكية للغاية على الرغم من التراجع الكبير جدا في الموارد المالية خلال السنوات العشر الماضية. الأتباع الباقون ملتزمون إلى حد كبير.
swissinfo.ch: لقد تراجعت حدّة الصراعات بين البروتستانتية والكاثوليكية منذ الستينات من القرن الماضي، وأحرزت المسكونية بعض التقدّم. هل يوجد “عدوّ” جديد، كالإسلام مثلا؟
جوال بورّي: أرى أن الذين هم في منطق المواجهة مع “أعداء”، ليسوا الأشخاص المُشبعين بالقيم الروحية. فحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) الذي يقول إنه يدافع عرضا وطولا على التقاليد المسيحية لسويسرا هو الحزب الذي يتلقى الردود الأكثر سلبية من اتحاد الكنائس البروتستانتية ومن مؤتمر الأساقفة. في الواقع ما يحكم مواقف الكنائس الكبرى هو الحوار وليس المواجهة.
swissinfo.ch: الكنائس تفضّل الحوار لأنها طوّرت نظرتها، أم لأنها اليوم غير قادرة على المواجهة؟
جوال بورّي: الإثنان… الكنيسة فقدت دورها القديم المتمثّل في تأطير المجتمع. هي الآن تركّز أغلب جهودها على القيم الروحية.
ربما الكنائس الكاثوليكية لا تزال تظن نفسها قوية لخوض المواجهة حول بعض الملفات. أو الكنائس الإنجيلية المتشددة نوعا ما والتي تسمح لنفسها بالإنخراط في حروب على علاقة بالإجهاض أو المثلية الجنسية. ولكن الكنائس البروتستانتية لن تفعل ذلك. نحن يحكمنا منطق الإنفتاح، وقد اخترنا ذلك منذ الستينات.
“العدوّ”، ربما هو الهجر واستبعاد كل ما له صلة بالحياة الروحية، ولكن ليس بأي حال الكاثوليكي أو المسلم. ربما توجد حرب داخلية صغيرة داخل البروتستانتية نفسها، على سبيل المثال عندما ترى كل الجدل القائم حول تدريب القساوسة في المناطق السويسرية الناطقة بالفرنسية.
swissinfo.ch: ما الذي تمثله هذه الذكرى السنوية لحركة الإصلاح بالنسبة للبروتستانتيين السويسريين؟ فرصة للفرح؟ لإعطاء انطلاقة جديدة؟
جوال بورّي: بالتاكيد ليس فرصة أو محطة للفرح، لأن جزءً كبيرا من الشعب نادم عن الإنشقاق الذي حدث في القرن السادس عشر. وكان لوثر الراهب الكاثوليكي يريد فقط إصلاح الكنيسة، وليس إنشاء كنيسة جديدة.
لكن هذه فرصة للتفكير في تاريخ هذه الحركة، والوصول بالتالي إلى فهم أفضل لجوهر رسالتها. بهذا المعنى، يمكن أن تمثّل هذه الذكرى انطلاقة جديدة.
*
الديانة البروتستانتية في سويسرا
يعود أصل الإصلاح إلى نشر أطروحات مارتن لوثر الخمس والتسعين في 31 أكتوبر 1517 في ألمانيا. ومعظم هذه الأطروحات تركزت على محاربة ممارسة بيع صكوك الغفران (الحد من الوقت الذي يقضيه الشخص في العذاب بسبب الخطيئة التي ارتكبها) لتمويل بناء كتدرائية القديس بطرس.
كانت سويسرا قد تأثرت بالحركة البروتستانتية في وقت مبكر جدا (1520) من خلال المصلحيْن المعروفيْنأولريخ زفينغلي (من زيورخ)، وجون كالفن (من جنيف).
وكان الإصلاح قد توسّع خاصة فيالمناطق الحضرية (بازل، برن، جنيف، زيورخ)، وقد فرض في بعض الأحيان عسكريا، على سبيل المثال ضم أراضي كانتون فو التابعة لدوق دي سافوي من قبل برن.
هذه الديانة التي كانت ديانة الأغلبية في سويسرا في الماضي، تراجعت نسبتها بشكل كبير في العقود الأخيرة، على وجه الخصوص لصالح الأشخاص الذين يصرّحون بأنه لا دين لهم. في الأثناء ظلت نسبة الكاثوليك مستقرة نسبيا، لاسيما بسبب تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
وفقا للأرقام الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء، كان الكاثوليك يُمثلون الأغلبية في سويسرا سنة 2014 (38% من إجمالي السكان)، والبروتستانت (26%)، والإنجيليون (1.7%).
حين تتحول ديانة الى روحانيات ، فإنّ مصبرها وأثرها ينتقل من ارض الواقع الى عوالم افتراضية منهية بذلك نفسها .