الصديق جورج كتن، هو أحد أجرأ الكتّاب السوريين (الفلسطينين) عدا أنه “مناضل” يحظى بتقدير كبير في أوساط سورية واسعة. وقد تميّزت كتاباته عن “اليهود” بجرأة غير مألوفة عند كتّاب عرب كثيرين.
وقد سألني الصديق جورج رأيي بمقالته الأخيرة على “الشفاف” (ما بعد “داعش”: مراجعة شاملة للثورة السورية). ومع أنني حرصت دائماً على عدم التعليق مباشرةً على مقالات كتّاب “الشفاف”، فلا مفرّ من التعليق على مقالة جورج كتن لأنه، مثل كتّاب مميّزين غيره، أحد مؤسّسي “الشفاف”.
والأهم، فهذا التعليق دعوة مفتوحة للنقاش حول الثورة السورية.
*
ردّ متأخّر على جورج كتن
١- في الخمسينات، “تطوّعت” النُخَب السورية لتدمير ديمقراطيتها الوليدة، التي ورثتها من “الإنتداب الفرنسي”، وقدّمت الدولة السورية والمجتمع السوري لجمال عبد الناصر ونظامه العسكري.
بعد العام ٢٠١١، قرّرت النُخَب السورية، التي كنا نسمّيها “معارضة سورية في الداخل” أن تهجر سوريا الثائرة وأن تخوض الثورة من.. باريس وواشنطن ومونريال ودبي وقطر واستانبول وغيرها من عواصم العالم. بل وفشلت النُخَب السورية “المعارضة في الداخل سابقاً” حتى في القيام بعمل جماعي “خارجي” لصالح الثورة السورية. تحوّل المعارضون السابقون إلى “معلّقين” و”ماريشالات”، و”توزّعوا” بين قطر وتركيا والسعودية، بحسابات فردية وليس سياسية. ولم نفهم كيف أصبح “المعارض” مجرد “معلّق” على الثورة! عموماً، يبدو أنه كانت لدينا أوهام حول “معارضة الداخل”، وكنت أتوقع من جورج كتن بالذات أن يتطرق إلى هذه النقطة ليس لتصفية “حسابات شخصية” أعرف أنه لا يدخل فيها ولكن من زاوية “غرامشية” على الأقل!
٢- بعد تنحّيهم عن لعب دور مباشر في الثورة، بعد أن دفعوا عشرات السنوات من أعمارهم في سجون النظام، كان يمكن للمعارضين السابقين، بما يملكونه من علاقات في الداخل السوري، أن يقدّموا تحليلاً كاشفاً لما يحدث داخل سوريا. بصورة خاصة، يتبيّن الآن أن نظام الأسد فتح الحدود للجهاديين الأجانب بالألوف حتى قبل خسارته للسيطرة على المنافذ الحدودية. وهذا حدث منذ بداية مرحلة “عسكرة الثورة” ربما. من هنا استغرابي الشديد لما يقوله جورج: “وحتى اذا استثنينا تنظيم داعش الذي انتقل للثورة المضادة وجبهة النصرة التي تشارف على التحول لثورة مضادة..”!
٣- هل “انتقل” داعش إلى الثورة المضادة؟ أي أنه كان “في الثورة” قبل ذلك؟ وهل النصرة “توشك” على التحوّل لثورة مضادة؟ يعني “النصرة” قوة “شبه ثورية” حتى الآن؟
حتى في أوساط “جهاديين مصريين”، كنت سمعت وجهات نظر جريئة
مناوئة لأي تدخّل “جهادي” في سوريا منذ البداية. بعض “الجهاديين العرب” كانوا أكثر جرأة في رفض مشروع التدخّل بأسره!
٤- ”عسكرة الثورة” كانت خطأ أو قدراً لا مفرّ منه؟ كنت أتوقع من جورج كتن، الجريء في كتابات سابقة كثيرة، أن يتطرق لهذه النقطة بوضوح. لا أعرف إذا كان ينبغي للثورة أن “تتعسكر” أم لا، لكنني لاحظت أن شعار “السلطة تخرج من فوهة البندقية” بات الآن يعني عكسَ ما كان يعنيه في زمن سابق. سخرية الأقدار!
٥- لماذا انهزمت “التنسيقيات” وانتصر الجهاديون؟ نقطة كبيرة بحاجة إلى “معلومات” وإلى تحليل. هل غرقت الثورة السورية في “بحر الدولارات القطرية”؟ عوامل أخرى؟
٦- يقول الصديق جورج: “استندت الاسلمة لعامل محلي هو ددرجة عالية من التدين تميزت بها قطاعات واسعة من الشعب السوري وخاصة في الارياف..”.
هل هذا التوصيف دقيق؟ لا أعرف..! ما أعرفه هو أننا لا نملك استطلاعات رأي عن الأرياف السورية لا قبل الثورة ولا بعدها.
وأعرف، أيضاً، أن شعارات الثورة في بداياتها كانت “لا سلفية ولا إخوان”، وإنها كانت تراهن على انحياز “القرداحة” نفسها إلى الثورة! ورأيي المتواضع أن شخصيات سورية “مسيحية” معارضة كان يمكن أن تلعب دوراً قيادياً من الدرجة الأولى لو أرادت، وأن ما حال دون ذلك ليس “التديّن الإسلامي”، بل هي تُسأَل عنه!
وأعرف، كذلك، أن “الشفاف” (رغم الحظر الرسمي الصارم) كانت مقروءة على نطاق واسع في “درعا” وجوارها. و”درعا”، كما يدرك الصديق جورج، ليست “الشانزيليزيه”!
٧- بيت القصيد: الموقف من الطائفة العلوية:
استغرب أن لا يتطرّق جورج كتن إلى هذه النقطة: ماذا فعلت “المعارضة” لمد جسور مع قيادات العلويين؟ ولماذا؟
والحقيقة أن هذه النقطة هي “بيت القصيد”. وكان ينبغي أن يكون ترتيبها الأولى في هذا الردّ!
فالمطلوب من المعارضين السابقين، ومن التنسيقيات، ومن الثوّار الحاليين، كان وما زال شيئاً واحداً: وهو “نزع اللغم” الذي زرعه المقبور حافظ الأسد في مجتمع سوريا، وفي أجهزة دولتها منذ السبعينات. أو ربما سبقه بعثيون آخرون منذ سقوط الحكم المدني في الستينات.
تلك كانت، وتلك ما زالت، النقطة المركزية لأنها الضامن لوحدة سوريا (طائفياً، وحتى بالعلاقة مع الأكراد) ولعدم دخولها في حروب أهلية لا تنتهي.
وكان ذلك يقتضي ربما التعاطي مع قسم من “القيادات الأمنية السابقة” أو حتى قسم من القيادات الأمنية الحالية في النظام.
هل يعني ذلك التعاطي مع أمثال “علي دوبا”؟ لم لا؟ هل “قاسم سليماني” أفضل منه؟ ألم يركب “لينين” قطار العدو “القومي” الألماني للعبور إلى روسيا؟
وهذا كان ممكناً، وما زال ممكناً. ولا أعتقد أن هنالك مفراً منه لاستعادة الطائفة العلوية إلى حضن المجتمع السوري. وللتذكير: في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية كان ذلك هو موقف الأستاذ رياض الترك، وموقف الشهيد كمال جنبلاط قبل الإجتياحين “الأسدي” و”الإسرائيلي” (حسماً لنزاع قديم: “الأسدي” الباقي أسوأ من “الإسرائيلي” الذي رحل منذ ١٥ عاماً!),
هذا الكلام لن يعجب أشباه المثقفين الذين تمتلئ صفحاتهم على الفايس بوك وتويتر بهجمات حقيرة على العلويين. وقد فهمه أكثر منهم السفير الأميركي “روبرت فورد” (ولو أنه لم يفعل شيئاً لتحقيقه) أكثر مما فهمته المعارضة السورية أو أكثر مما عملت لتحقيقه. وبعد ذلك، يصعب ألا يفهم المرء أسباب تردد الجماعات الدينية الأخرى (الدروز خصوصاً) في الإلتحاق بالثورة.
لو التحق الدروز بالثورة، لكانت دمشق سقطت حتماً في أيدي الثوّار منذ سنتها الأولى ربما. الثورة السورية الكبرى كان نجماها الدكتور الشهبندر [[
حسب الويكيبيديا: في عام 1940 قامت مجموعة باغتيال د. الشهبندر في عيادته.. لاحقًا تمّ القبض على الفاعلين واعترفوا بفعلتهم، وأن الدافع إليها كان دافعًا دينيًّا! وزعموا أن الشهبندر تعرّض للإسلام في إحدى خطبه، وأنّهم فعلوا فعلتهم انتقاماً وثأرًا للدين الحنيف!]] وسلطان باشا الأطرش (خصّصت صورة المقال للزعيمين التاريخيين).
فتح الحدود كيف تم؟
المهم أن بشّار الأسد فهم هذه النقطة أكثر من “المعارضة”. ولذلك، فقد فتح الحدد لـ”النصرة” ولـ”داعش”. وأسهمت دول من المنطقة (قطر، وتركيا، والسعودية) في تعزيز هذه القوى “الدينية السنّية”، وقدّمت بذلك أكبر خدمة لنظام الأسد.
أعتقد أنه لولا فتح الحدود السورية (قبل سقوطها رسمياً، وأنا أشكّ الآن بـ”روايات سقوط مراكز الحدود”، كما سمعناها في حينه، وبتّ أميل للإعتقاد بأن “فتح الحدود” كان ضرورياً من وجهة نظر النظام وإلا لكان الغرب اتهمه بأنه هو من يستورد الجماعات الجهادية!) للجماعات الجهادية لما كنا نسمع الآن عن قوة التديّن في الأرياف السورية.
وما سبق ينطبق، برأيي، على العلاقة بأكراد سوريا.
الأكراد سارعوا للإلتحاق بالثورة منذ بداياتها الأولى. وظل الوضع ملتبساً بين شباب الأكراد الذين اعتبروا أنفسهم جزءاً من الثورة السورية والقوى الحزبية المرتبطة بحزب العمال الكردي وغيره إلى أن بدأت الثورة السورية “تتأسلم” بتأثير “شذّاذ الآفاق” من “الجهاديين”.
وأنا أعرف، مباشرةً، أن قيادات جهادية ذات مصداقية (ومصرية) كانت، منذ البداية، ضد دخول “الجهاديين الأجانب” إلى سوريا، وطالبتهم بالخروج، لإدراكها بالعواقب. وكانت تلك القيادات، نفسها، قد “تحفّظت” منذ البداية على غير المغفور له “الزرقاوي” واعتبرته “مشبوهاً”!
metshaffaf@gmail.com
ردّ متأخّر على جورج كتن
اين مقالة جورج كتن ؟
ليتكم وضعت رابطها اسفل الرد
مع الشكر
ردّ متأخّر على جورج كتن
تعليق موضوعي ويدهشني شمولية معلومات الاستاذ بيار ومتابعته الدقيقة واعتدالة وموضوعيته..