تعتبر اليابان ضمن الدول الأقل في البطالة، على الرغم من حقيقة أن عدد سكانها تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة من عام 1870 إلى عام 1970 (من 30 مليون نسمة إلى أكثر من 100 مليون نسمة فإلى أكثر من 128 مليون نسمة في الوقت الحالي). فنسبة البطالة فيها ما بين عامي 1953 و2014 كان 2.71 بالمائة، مع ملاحظة أن أعلى نسبة ســُجلتْ كانت في عام 2009 وبلغت 5.6 بالمائة، وأقلها كانت في عام 1968 وبلغت 1 بالمائة فقط.
هذا بلغة النسب المئوية، لكن بلغة الأرقام المطلقة فإن أرقام العاطلين في اليابان تبدو إلى حد ما كبيرة. فطبقا للإحصائيات الرسمية فإنه كان في اليابان في شهر أغسطس من العام الجاري نحو 2.31 مليون نسمة في حالة بطالة أي أقل بنحو أربعمائة ألف نسمة مما كان عليه الوضع في أغسطس 2013 .
وبمقارنة معدلات البطالة اليابانية بمثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى نجدها منخفضة. فهذه المعدلات في البرازيل (5%)، وكندا (6.8%)، والصين (4.1%)، وفرنسا (10.20)، وألمانيا (4.90%)، وإيطاليا (12.30%)، وروسيا (4,80%)، وكوريا الجنوبية (3.5%)، وبريطانيا (6.20%)، والولايات المتحدة (5.90%)، وأستراليا (6.10%).
ومما لا نشك فيه ان الانجاز الياباني في تخفيض معدلات البطالة إلى حدود دنيا هو نتاج سياسات حكيمة وفعالة استهدفت ربط احتياجات سوق العمل بنظام التعليم والتخصصات المختلفة ربطا متقنا، وعدم إهمال التدريب والتعليم الفني. ولعل ما ساعد على نجاح هذه السياسات الحكومية هو ما يتميز به الفرد الياباني من صفات الولاء لرب العمل و استعداده للتكيف مع بيئات عمله الجديد وعدم المبالغة في شروطه لجهة مكان الإقامة وساعات الراحة وخلافها. أضف إلى ذلك ما تقوم به الحكومة اليابانية عادة من توفير البيئة النموذجية للإستثمار، وهو ما ساهم في نمو القطاع الخاص بصورة مذهلة، وبالتالي توفير القطاع لفرص عمل جديدة باستمرار.
والمعروف أن اليابان تملك نظام تأمين ضد البطالة والتعطل قريب مما هو مطبق في كندا والولايات المتحدة الامريكية، بمعنى أنه يعتمد على مساهمات العامل ورب عمله، ولا يعتمد على أموال دافعي الضرائب كما في نظام التأمين ضد البطالة المطبق في المملكة المتحدة واستراليا ونيوزيلنده. ويستفيد من هذا النظام كل من عمل بدوام كامل مدة 20 ساعة اسبوعيا على الأقل. ويعتمد ما يحصل عليه العامل العاطل على عمره وطبيعة عمله وسنوات خدمته وغير ذلك من عوامل.
ما سبق لم يكن سوى مقدمة للتطرق الى موضوع بات يشعل جدلا واسعا في اليابان على الصعيدين الرسمي والشعبي، ألا وهو الاستعانة بالعمالة الأجنبية في ظل حقيقة إنخفاض عدد اليابانيين الباحثين عن عمل، وتراجع معدلات المواليد وبالتالي عدد السكان (يتوقع أن ينخفض عدد سكان اليابان في عام 2060 إلى 84 مليون نسمة طبقا لتقرير صادر عن المعهد الوطني الياباني للأبحاث السكانية والتأمينات الإجتماعية).
فالنائب السابق لحاكم مصرف اليابان “كازوماسا إيواتا” قدم إقتراحا إلى المستشارين الإقتصاديين لرئيس الحكومة السيد “شينزو أبي” يقضي بضرورة علاج المشكلة عن طريق زيادة حجم العمالة الأجنبية المسموح بدخولها للعمل في اليابان بطريقة شرعية من 50 ألف نسمة، وهو رقم يمثل معدل من قدموا خلال السنوات الخمس الماضية، إلى 200 ألف نسمة.
ويقول “ماساكي إيواموتو” من هيئة تحرير مجلة “بلومبيرغ بيزنس ويك” أن هناك تيار شعبي تبلغ نسبته نحو 59 بالمائة (طبقا لإستطلاع أجرته مجلة يومي يوري) يعارض فكرة أن تستقبل اليابان المزيد من العمالة الأجنبية. أمـــا “هيدينوري ساكاناكا” مدير الهيئة اليابانية لسياسات الهجرة فيقول في السياق نفسه: “أن معظم الساسة اليابانيين يرفضون الفكرة أيضا من باب التفاعل مع الرأي العام والتقرب إلى ناخبيهم”، مضيفا: “اليابانيون خائفون من إحتمال أن يتأثر أمن مجتمعهم، ونقاء ثقافتهم، وانضباط نظامهم سلبا بتواجد أعداد كبيرة بينهم من الأجانب المختلفين ثقافة وأسلوب حياة”.
غير أن هناك أيضا في صفوف اليابانيين من يجادل فيقول أن إستضافة اليابان لألمبياد 2020 ، وما تفرضه هذه الإستضافة من إستعدادات وتجهيزات إنشائية يحتم على اليابان ان تخفف قيودها الحائلة دون استقبال المزيد من العمالة الأجنبية، وأن تفتح ابوابها أمام شركات الإنشاءات الصينية الكبرى وشركات البرمجيات وتقنية المعلومات الهندية المعروفة، وهي شركات لا تعمل خارج بلدانها إلا بالإعتماد على مواطنين من بلدها. والغريب في الامر هنا أن مِن ضمن مَن يدعون إلى هذا الأمر واحد من غلاة المحافظين ممن اشتهر سابقا بمواقفه الحادة والعنصرية ضد الصينيين والأفارقة وهو السياسي المخضرم العجوز ” شينتارو إيشيهارا” الذي شغل منصب حاكم طوكيو ما بين عامي 1999 و2012 .
وبين هذا الفريق وذاك يطل فريق ثالث بصورة خجولة ليقول أن اليابان ليست مستعدة بعد لإستقبال المهاجرين الأجانب على نطاق واسع وبأرقام كبيرة، وأنه من الأفضل ــ إذا مااضطرت اليابان إلى ذلك ــ أن يتم استقدام العمالة الأجنبية بصورة تدريجية ووفق مواصفات واشتراطات معينة كيلا تزدحم المدن اليابانية مع مرور الوقت بعمالة أجنبية غير ماهرة، أو فقيرة في عطائها، أوتأخذ أكثر مما تعطي، أو تتسبب في مشاكل أمنية، أو تنشر أفكارا متطرفة.
ويبدو أن اليابان لا تريد أن تكرر ما فعلته دول أوروبية معينة مثل حليفتها الألمانية القديمة، كحل لنقص الأيدي العاملة وإنخفاض معدلات المواليد وتزايد أرقام المعمرين. إذ من المعروف أن ألمانيا تغلبت على مشكلة نقص الأيدي العاملة في منتصف الخمسينات التي شهدت البدء في مشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية بتوقيع إتفاقية مع تركيا لإستيراد عمالة تركية ماهرة وشبه ماهرة تتراوح أعمارها ما بين 20ـ40 سنة. وبمرور السنوات تحولت تلك العمالة التركية إلى جالية ضخمة متنفذه، بل شوهت الكثير من مظاهر الحياة الالمانية المنضبطة والجادة، وهو ما أدى بدوره إلى صعود حركات ألمانية عنصرية عملت ــ ولا تزال تعمل ــ على إعادة المهاجرين الأتراك إلى موطنهم الأصلي ومصادرة حقوقهم وإمتيازاتهم.
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh