منذ اسبوع و”مولانا” كما يحلو لي ان اناديه، السيد هاني فحص، يغفو على فراش المرض، ومنذ اسبوع يعيش كثيرون، وانا منهم، قلقا، يتسقطون اخباره، ولا يتخيلون ابدا ان السيد المفعم بالنشاط والحيوية يستطيع ان يتحمل هذه الغفوة التي طالت.
في آخر لقاء معه، قال لي :”لقد حسدني الاطباء على قدرتي على تحمل الالم، اجروا لي عملية جراحية وانا جالس، مع تخدير نصفي، ضغطوا على ظهري ساعتين ونصف، لينهوا العملية الجراحية، وانا جالس، لم انبس ببنت شفه، فأثرت دهشتهم واستغرابهم”.
وأضاف:”امضيت الوقت وانا اردد آيات قرآنية، وتلاوة
”الابانا” (المسيحية)، وهكذا تغلبت على الوقت والالم معا”.
هكذ عرفته وهكذا اعرفه منذ اكثر من عقدين ونصف، حين التقيته للمرة الاولى في مكتب الصديق المشترك الاستاذ سمير فرنجيه. يومها، اكتشفت للمرة الاولى رجل الدين الشيعي، وجها لوجه، واستعمت اليه بشغف، وما زلت، وسأبقى استمع واردد كلماته، كلام خارج عن المألوف، ناقد حاد على درجة عالية من التقدير والاحترام، يصيب في محدثه مواجع ولا يجرحه، تخال للحظة انه يزايد عليك في يساريتك او في مسيحيتك او حتى في إسلامك فيلتقط منك نفسك، ويأخذها الى فضاء ارحب، اعم واشمل من الضيق الذي وضعت نفسك فيه.
اعتز بصداقته، وهو ايضا يعتز بصداقتي. افاخر بأنني تعرفت اليه وجالسته وتحدثت اليه واكتسبت الكثير من تجاربه الغنية التي لم ولن تتح لاحد سواه.
اوصلته ذات يوم الى ديوانية في دبي، فأصر على ان ادخل معه الى الديوانية وكانت تضم رجال دين ودنيا من اصدقاء “مولانا”، وانا لا أعرف احدا من بينهم، فاصبت بالحرج الشديد وحاولت ثنيه عن محاولة إدخالي الى مجلس لا ناقة لي فيه ولا جمل، ولكن إصراره زاد في حرجي. ولما وقفنا بباب الديوانية غمرني بذراعه متوجها للحضور بالقول :”اود ان اعرفكم بصديقي، إنه لبناني مسيحي، نعرف بعضنا منذ سنوات ولم نختلف يوما ولم نفترق يوما، إذا أردتم أن تسألونني عن لبنان، هذا هو لبنان الذي نعرفه ونعيش فيه”.
ثم نظر الي، وقال لي إذا أردت ان تغادر الآن بامكانك المغادرة، فاستأذنت وقلت في سري إنها طريقته ليزيح عن كاهله أسئلة بديهية عن لبنان، وعن العيش المشترك والعلاقات الإسلامية المسيحية. فكنت، وكان، وكانت صداقتنا، مثالا حيا على لبنان السيد هاني، كما يريده وكما عمل جاهدا طوال سنين على بلورة صورة هذا اللبنان رغم ما ألم بها من ندوب.
يا سيد الحوار، يا سيد الكلمة الطيبة، يا سيدا فاق علمه سعة رئتيه، فضاقت بهما هواجسه من تبغ الجنوب الى الفلاحين والمقهورين والمضطهدين في رحاب العالم العربي والفارسي، يا سيداً حاور علماء وبابوات ورجال دين ودنيا وفلاسفة، وجالس عمالا ومتعلمين، ومن لم يدخلوا مدرسة، يا كاتبا في الشعر وفي النثر وفي الدين وفي الاجتماع وفي السياسة،
لا تليق بك هذه الغفوة الطويلة
لا زلنا في حاجة الى صوت العقل الخارج من حنايا قلبك الطاهر
لا زلنا في حاجة الى صوت الضمير الخارج من ثنايا العقل
عد الينا
“مولانا” هاني فحص، “إنهض”!
مولانا وابونا السيد هاني
حماك الله وقوّاك لتكمل مسيرة ما بدأت