سيضطر اللبنانيون إلى الإنتظار طويلا قبل أن يكون لديهم رئيس جديد للجمهورية، علما أن هناك اشارات توحي بإهتمام أميركي وأوروبي وعربي بتفادي استمرار الفراغ الرئاسي في البلد.
هل يعتبر هذا الإهتمام كافيا كي يخرج لبنان من المأزق الذي هو فيه وكي لا يأتي يوم يتبيّن فيه أن ميشال سليمان كان آخر رئيس ماروني للبنان… أو حتى آخر رئيس للجمهورية اللبنانية السعيدة؟
الواضح أنّ هناك تطورات ذات طابع مصيري على الصعيد الأقليمي يوجد من يريد أن يكون لبنان احدى ضحاياها، في حين أنّه كان ممكنا أن يكون المستفيد الأوّل منها بعدما تبيّن أن نظامه الطائفي ليس بالهشاشة التي يعتقدها كثيرون. على رأس هؤلاء، القيمون على النظام السوري بمن فيهم بشّار الأسد الذي لم يعرف ولن يعرف يوما شيئا لا عن لبنان ولا عن سوريا نفسها.
ظهر في ضوء ما جرى في سوريا والعراق أنّ النظام اللبناني، بكلّ عيوبه، ليس تركيبة مصطنعة وأنّ بلدا يصمد، بالطريقة التي صمد بها، منذ العام ١٩٦٩، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم الذي شرّع الوجود الفلسطيني المسلّح، إنّما هو بلد يستحقّ الحياة.
مضى ستة وأربعون عاما ولا يزال لبنان يعاني من السلاح غير الشرعي على أرضه. كلّ ما يحصل على أرض لبنان عجيب غريب وخارج عن كلّ ما هو منطقي. ألقى العرب في مرحلة معيّنة كلّ مشاكلهم على لبنان. أرادوا التكفير عن ذنوبهم في لبنان…وعلى حساب لبنان وأهله. بدل حمايتهم للوطن الصغير، أجبروه على توقيع اتفاق القاهرة برعاية جمال عبد الناصر الذي كان يفترض به تحذير السنّة في لبنان، على رأسهم رشيد كرامي، الذي كان رئيسا للوزراء من عواقب مثل هذا الإتفاق.
بدل تحذير رشيد كرامي من ارتكاب هذه الجريمة في حقّ البلد، وُجد بين العرب من يشجّعه على مقاطعة شارل حلو رئيس الجمهورية وقتذاك. اعتكف رشيد كرامي أشهرا عدة في بيته رافضا ممارسة مسؤولياته كرئيس للوزراء من أجل اجبار رئيس الجمهورية الماروني على الموافقة على أن يوقّع قائد الجيش اتفاق القاهرة مع ياسر عرفات الذي كان يعتقد أن في استطاعته الإستفادة من هزيمة ١٩٦٧ كي يقول أنّ هناك بديلا من الأنظمة العربية التي هزمتها اسرائيل في غضون ستّة أيّام…
في الواقع، شكّل اتفاق القاهرة كارثة على لبنان وعلى الفلسطينيين أنفسهم، خصوصا في غياب جمال عبد الناصر الذي توفّى في ايلول ـ سبتمبر ١٩٧٠ والذي كان واجبه أن يسأل رئيس الوزراء السنّي كيف يمكن تحرير فلسطين انطلاقا من جنوب لبنان؟
كيف يمكن أن يستخدم لبنان قاعدة انطلاق لتحرير فلسطين بعدما تبيّن أنّ كلّ الجيوش العربية، على رأسها الجيش المصري، هُزمت في أقلّ من ستّة أيّام فيما العالم يتفرّج؟
لا وجود لأيّ منطق عربي من أي نوع كان يبرّر اجبار لبنان على توقيع اتفاق القاهرة. كانت النتيجة الوحيدة لذلك الإتفاق الإستغلال السوري له إلى أبعد حدود من أجل ضرب التركيبة اللبنانية والتوسّع في اتجاه الجار الصغير من منطلق أنّ حافظ الأسد الذي احتكر السلطة في العام ١٩٧٠، بعيد وفاة جمال عبد الناصر، صار لاعبا إقليميا.
تابع حافظ الأسد سياسته اللبنانية القائمة على تمزيق لبنان من خلال اغراقه بالسلاح. استخدم الفلسطينيين خير استخدام في تنفيذ مخططه. ساعدته في ذلك العقدة التي عانى منها ياسر عرفات. كانت لدى الزعيم التاريخي للشعب الفسطيني عقدة اسمها وجود أرض يسيطر عليها. فكّر حتى في اقامة مطار عسكري له في لبنان. رفض أخذ العلم بالنتائج التي يمكن أن تترتّب على ذلك…
عندما اضطر المسلحون الفلسطينيون إلى مغادرة البلد، بقي حافظ الأسد على سياسته. جعل “الحرس الثوري” الإيراني يحلّ مكان الفلسطينيين تدريجا. تطوّر الأمر مع الوقت وصار “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” عناصره لبنانية، يؤدي المهمّة المتمثّلة في وجود سلاح غير شرعي على الأرض اللبنانية. وهذا الأمر لم تعترض عليه اسرائيل في يوم من الأيّام.
ورث “حزب الله”، بصفته الإيرانية الصرف، الوجود الفلسطيني المسلّح الذي اراد النظام السوري من خلاله وضع اليد نهائيا على لبنان. ما لم يدركه النظام السوري في أيّ وقت، خصوصا في مرحلة مشاركته في الإعداد للتخلّص من الرئيس رفيق الحريري، أنّه يحفر قبره بيديه. لم يكتشف إلّا بعد فوات الأوان أنّ ايران تعدّ نفسها لوراثته في لبنان وحتى في سوريا نفسها حيث صارت هذه الأيّام الكلمة الأولى والأخيرة لطهران ولمن يتحدّث باسمها.
من اتفاق القاهرة مع الفلسطينيين، إلى الوجود الإيراني الطاغي في لبنان وسوريا، يبدو الفراغ الرئاسي اللبناني مرشّحا للإستمرار. اعتقد “حزب الله” في العام ٢٠٠٨ أن ميشال سليمان سيكون أداة طيّعة لديه وأن دروس غزوة بيروت السنّية والجبل الدرزي أكثر من كافية ليتعلّم جميع المعنيين الدرس ومعانيه. تبيّن أن ميشال سليمان لا يستطيع أن يكون أداة لديه كما حال النائب المسيحي ميشال عون الذي نفّذ دائما كلّ ما هو مطلوب منه ايرانيا على طريقة “نفّذ ثمّ اعترض”.
الآن، صارت لمن يسمّي نفسه “الجنرال” مهمة جديدة. بات ميشال عون يُستخدم من أجل تغيير طبيعة النظام اللبناني، خصوصا أن “حزب الله” ومن خلفه ايران على غير استعداد للمجازفة بالإتيان برئيس جديد للجمهورية استنادا إلى اللعبة السياسية المتفق عليها والتي في اساسها اتفاق الطائف.
إن رغبة ايران في تغيير طبيعة النظام اللبناني تفسّر إلى حد كبير طرح ميشال عون أن يُنتخب رئيس الجمهورية على مرحلتين على أن تقتصر المشاركة في المرحلة الأولى على المسيحيين. في المرحلة الثانية، يكون الخيار بين المرشحين اللذين يحصلان على أكبر عدد من أصوات المسيحيين. وهذا يعني في طبيعة الحال، أن “حزب الله” الذي يسيطر على الطائفة الشيعية وناخبيها، سيقرّر من هو الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية…في حال سيكون هناك رئيس يوما.
قاوم اللبنانيون اتفاق القاهرة وقاوموا الوجود السوري المسلّح وغير المسلّح. ما زالوا يقاومون المحاولة الإيرانية التي تستهدف تحويل لبنان مجرّد مستعمرة. لا شكّ أن وضع البلد صعب جدّا وفي غاية التعقيد. لكنّ اللبنانيين لم يقولوا بعد كلمتهم الأخيرة…حتّى في ظل الفراغ الرئاسي المفروض عليهم بقوّة السلاح غير الشرعي.