ليست هناك من مرجعية دستورية يمكن العودة اليها لحسم الخلاف الدستوري.
ميزان القوى هو الذي يقرر وجهة تفسير الكتاب. ثمة تسليم او استسلام من قبل غالبية المجلس النيابي للوجهة التي قررها رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس، بأن نصاب انعقاد اي جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية يتطلب الثلثين، حتى في الايام العشرة الاخيرة من نهاية ولاية رئيس الجمهورية، اي بين 15 و25 ايار الجاري، لا يتغير النصاب رغم الزام الدستور مجلس النواب في هذه المدة عدم القيام باي وظيفة الا انتخاب الرئيس.
ما تقدم لا يغير في مسار الاحداث، فالاستعداد للفراغ في موقع الرئاسة الاولى، يتقدم على اولوية الانتخاب ومنع الشغور، ويكتسب هذا المسار قوته وحضوره من تنامي القابلية المسيحية للشغور الرئاسي، فالحماسة لدى البعض لعقد جلسة الانتخاب مشروطة بالفوز له او لمرشحه. وهذا المسار نسف تعهد كانت بكركي قد ثبتته مع القيادات المسيحية يلزم النواب المسيحيين بعدم مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس. نسف هذا المبدأ، فتح الباب امام تقدم مرحلة الشغور الرئاسي، فيما يبرز واقع ان التلكؤ المسيحي هو اهم اسباب الشغور، وهذا التلكؤ سيؤمن مشجباً يتيح تعليق كل الازمات التي ستلي وتطال البلد والمسيحيين منهم اولاً.
لكن ماهي المخاطر التي يمكن ان تعقب عملية الدخول في مرحلة الشغور الرئاسي؟
اولاً، ستبرز اصوات عدة تتحدث عن ان المسيحيين اتيح لهم الاتيان برئيس للجمهورية بشروط زعامتهم الروحية والسياسية لكنهم ضيّعوا هذه الفرصة، وستوفر هذه الاصوات الغطاء لمرحلة ممتدة ومتمادية من الشغور. في موازاة ترسيخ دور مجلس الوزراء الذي سيتولى بكل مكوناته صلاحيات رئيس الجمهورية، بما يؤهله لأن يكون عملياً مجلسا فيدراليا لممثلي الطوائف من دون حاجة احد لاعادة استحضار الثلث الضامن او المعطل في قراراته، لاسيما مع ضمان الطائفتين الاسلاميتين الكبريين فيه حق الفيتو.
ثانياً، سيدخل لبنان امام العجز عن الاجابة عن حالة شغور موقع الرئاسة الاولى، في جدل دستوري يدفع في تجاه الحثّ على اعادة النظر بالدستور الذي سيُحمّل اكثر مما يحتمل من مسؤولية الحال الذي وصل اليه اللبنانيين، فالتجرؤ على الدستور بعد سنوات بهدلته من خلال مسلسل انتهاكه المستمر، سيمهد لموازين القوى القائمة، ان تفرض رؤيتها للدستور وتفسيره اما من زاوية اجراء تعديلات تستجيب لهذه الموازين، او فرض تفسيرها للدستور القائم استناداً الى ميزان القوى على الارض.
ثالثاً، ستفضح مرحلة الشغور الرئاسي العجز السياسي المسيحي عن حماية ما تبقى من لبنان، عبر الغرق في وهم استنقاذ لبنان من خلال استنقاذ الحصص المسيحية التي لا قيمة لها اذا لم تستند الى رؤية تنظر الى مستقبل لبنان الذي يجب ان يكون عليه في العقود المقبلة. والى دور هذا اللبنان على مستوى المنطقة والعالم. ستفضح مرحلة الشغور الرئاسي فقر المسيحيين الى اصحاب الرؤية الذين يستطيعون النفاذ الى الفكرة اللبنانية وشروطها التي يمكن ان تعيد الاعتبار للبنان كدولة وكرسالة، لأن فعالية دور المسيحيين اللبنانيين لم تكن يوما من خلال حجم صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا من الكم ولا بعديد الموظفين او النواب والوزراء، القوة تاتي من الجاذبية الحضارية ومشروع الدولة ومن الدور التنويري والحداثة. وهذه عناصر تبدو مفتقدة اليوم لصالح التأثر بنموذج العودة الى نظام الحكم القبلي والانكفاء نحو الانتماءات التقليدية والتترس فيها.
رابعاً، غياب المشروع الرؤيوي للبنان المرتجى على اراضيه وفي محيطه، القادر على احداث خروقات لصالحه في جدران الاصطفاف المذهبي السميك، سيزيد من خطر الانهيار على كل اللبنانيين، لكنه ولأسباب تاريخية تتصل بنشأة لبنان، وديمغرافية تتعلق بالمسلمين في المنطقة العربية، سيبدو المسيحيون اكثر المتضررين من الانهيار. بسبب انعدام الخيارات المتاحة لغيرهم ولن يفيدهم وسط هذا الاصطفاف الاستسلام لواقع انهم مجرد صدى او تابع لهذا الاصطفاف.
انتخابات الرئاسة في مسارها اللبناني تتراجع، لحساب شروط التوافق بين حزب الله وتيار المستقبل، او التوافق السعودي – الايراني مسار يتيح هذه المرة القول ان الفعالية المسيحية السياسية في لبنان نحو مزيد من الانكفاء…. هذه المرة بتسليم ورضوخ.
alyalamine@gmail.com
البلد