في السادس والعشرين من آذار/مارس، وبعد شهور من التكهنات، أعلن المشير عبد الفتاح السيسي استقالته من منصب وزير الدفاع المصري وترشحه للرئاسة. وتم ترقية صدقي صبحي، رئيس الأركان السابق تحت قيادة السيسي، إلى رتبة فريق أول – وهي أقل من رتبة مشير بدرجة واحدة – ورُشِّح لتولي منصب وزير الدفاع الجديد، في حين أصبح محمود حجازي الرئيس الجديد لأركان حرب القوات المسلحة. ويرجح أن تفضي عملية إعادة هيكلة «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» («المجلس العسكري») إلى تعيين أقرب حلفاء السيسي في مناصب رئيسية وإمداده بقاعدة قوية للدعم العسكري والنفوذ بمجرد فوزه بالرئاسة كما هو متوقع. ( في الصورة أدناه رسم بياني يوضح هذه العملية المتصورة لإعادة الهيكلة).
الخلفية
تم تشكيل «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» – أعلى هيئة عسكرية في مصر – من قبل الرئيس السابق جمال عبد الناصر بموجب القانون رقم 4 لعام 1968 بعد هزيمة البلاد في حرب 1967. وكان الهدف الرسمي من تشكيله هو تنسيق استراتيجية وعمليات القوات المسلحة في زمن الحرب، ولهذا السبب سعى الرئيس أنور السادات في وقت لاحق إلى الحصول على مشورته قبل حرب 1973.
لكن، اضطلع “المجلس” بدور احتفالي بصورة أكثر عقب توقيع “اتفاقات كامب ديفيد” عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. وعلى النقيض من مكانة “مجلس الدفاع الوطني”، لم يكن وضع «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» مصوناً في الدستور، وبدا أنه لا يجتمع إلا في المناسبات السنوية للحروب السابقة، في عهد حسني مبارك. ومع ذلك، ففي أعقاب انتفاضة كانون الثاني/يناير 2011 التي أطاحت بمبارك، تغير دور «المجلس العسكري» بصفة جوهرية.
سلطة عسكرية غير مستقرة
في 13 شباط/فبراير 2011، وبعد يومين من سقوط مبارك، أصدر «المجلس العسكري» الإعلان الدستوري الأول وتولى رسمياُ السيطرة على الدولة لمدة ستة أشهر. كما حل أيضاً دستور عام 1971، ودعا إلى إجراء تعديلات دستورية واستفتاء وانتخابات، وأعلن عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور. وبعد استفتاء جرى على تعديلات مقترحة على الدستور في منتصف آذار/مارس، وحصل على أغلبية ساحقة، أصدر “المجلس” إعلاناً دستورياً قنّن بموجبه سلطاته التشريعية والتنفيذية ووضع أساساً قانونياً لتعزيز دوره السياسي.
وأثناء فترة الثلاثة عشر شهراً التالية، أدى تصاعد أعمال العنف والقمع إلى تقويض الدعم الشعبي للحكم العسكري. وفي أعقاب تأخيرات عديدة وسلسلة من الاحتجاجات الجماهيرية، وافق «المجلس العسكري» على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، فازت في كليهما جماعة «الإخوان المسلمين». وقبل أيام من تسليمه السلطة إلى الرئيس الجديد محمد مرسي، أصدر “المجلس” إعلاناً دستورياً آخر في 18 حزيران/يونيو، منح لنفسه بمقتضاه سلطة تشريعية، واستقلالية عملية عن الحكومة، وحق النقض على الدستور الجديد. ومن خلال انتزاع السلطة من الرئاسة حتى قبل تولي مرسي منصبه، أصبح «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» ورئيسه – وزير الدفاع المعمِّر محمد حسين طنطاوي – بصفة قانونية الكيانين الأكثر قوة في البلاد رغم انسحابهما العلني من السياسة في 24 حزيران/يونيو.
وبعد مرور شهرين، وفي أعقاب وقوع هجوم قاتل في سيناء في 5 آب/أغسطس، قام الرئيس مرسي بشكل غير متوقع بإلغاء إعلان 18 حزيران/يونيو وإسناد السلطة التنفيذية والتشريعية كاملة لنفسه. وباستغلاله للاستياء الشعبي تجاه الجيش، قام أيضاً بإعفاء طنطاوي ورئيس أركان الجيش سامي عنان من منصبيهما، وعيّن مدير المخابرات العسكرية المدعوم من قبل طنطاوي، عبد الفتاح السيسي، وزيراً للدفاع. وفي الوقت نفسه، تم تطهير القيادات العليا في الجيش، من خلال إحالة ما يقرب من سبعين لواءً إلى التقاعد الإجباري، وجلب جيل جديد من القادة العسكريين لكي يحل محلهم.
وفي حين مثّل تحرك مرسي سيطرة مدنية غير مسبوقة على الحياة السياسية المصرية، احتفظ الجيش باستقلالية كبيرة فيما يخص شؤونه الداخلية. وقد حافظ دستور كانون الأول/ديسمبر 2012، الذي استعجلت الجمعية التي هيمنت عليها جماعة «الإخوان» إلى إقراره، على المصالح الاقتصادية الواسعة للجيش، مما مكّنه من محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وضمن تعيين وزراء الدفاع المستقبليين من داخل سلك الضباط. كما توسعت صلاحيات الجنرالات بشكل أكبر في كانون الثاني/يناير 2013، عندما استجاب مرسي للاحتجاجات بإعلانه حالة الطوارئ في المدن الكبرى الثلاث على قناة السويس، مما دفع الجيش لتولي السيطرة الإدارية على السويس وبور سعيد والإسماعيلية.
وعلى مدى الأشهر القليلة القادمة، ومع استمرار شعبية مرسي وجماعة «الإخوان» في التراجع، بدأت تنتشر تقارير بأن الرئيس المصري كان يفكر في استبدال السيسي للحيلولة دون وقوع انقلاب. وأشارت الشائعات، التي لم يتم تأكيدها، إلى أن الجيش احتفظ بالسلطة الأكبر في مصر رغم انتصار مرسي الانتخابي ومناوراته السياسية. وفي أعقاب وقوع احتجاجات جماهيرية – توحدت فيما بينها في 30 حزيران/يونيو – وكانت مناهضة للحكومة، أصدر الجيش تحذيراً يطالب فيه مرسي بالاستجابة للدعوات الجماهيرية بإجراء انتخابات جديدة أو استفتاء على رئاسته. وعندما رفض، قام الجيش في 3 تموز/يوليو بعزله من السلطة.
«المجلس العسكري» ما بعد مرسي
منذ ذلك الحين تبنى السيسي وأعضاء «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» سياسة يظهرون بموجبها بصورة أكثر أمام العامة. ورغم أن السلطة واقعة من الناحية الفنية ضمن صلاحيات الحكومة المدنية التي تم تعيينها مباشرة بعد الإطاحة بمرسي، إلا أن الجيش ظل اللاعب الأكثر محورية. وتجلت هذه الديناميكية بوضوح أثناء عملية صياغة الدستور في أواخر 2013. ورغم وجود ممثل رسمي للجيش – محمد مجد الدين بركات – في لجنة صياغة الدستور، وأن مساعدَيْ وزير الدفاع – محمد العصار وممدوح شاهين – قد شاركا في المناقشات المتعلقة بالقوات المسلحة، فقد ذكرت التقارير أن السيسي تدخل بنفسه للمساعدة في التوصل إلى حل وسط عندما وقعت أزمة بشأن المواد المتعلقة بسلطة الجيش.
وبالإضافة إلى ذلك، خاطب السيسي الجمهور بشكل متكرر بشأن طموحاته السياسية، وخاصة منذ كانون الثاني/يناير. كما أنه تحدث بشأن التنمية المحلية والاقتصاد والتحديات الأمنية في مصر. إن استقالته وقرار خوضه سباق الرئاسة يمثل انخراط الجيش بصورة أعمق في الحياة السياسية.
وتأتي إعلانات السادس والعشرين من آذار/مارس أيضاً في أعقاب انكشاف تطورين خلال الفترة الأخيرة. ففي 24 شباط/فبراير، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور القانونين 18 و20 لتعديل أجزاء من القانون رقم 4 لسنة 1968. وقد نص القانون الأول الجديد على أن وزير الدفاع يجب أن يشغل رتبة لواء لمدة خمس سنوات على الأقل، ويجب أن يلعب دوراً مركزياً داخل القوات المسلحة قبل تعيينه. وتم نشر القانون بعد شهر تقريباً من ترقية السيسي إلى رتبة مشير وحصوله على موافقة «المجلس العسكري» لخوض انتخابات الرئاسة، قبل أسابيع فقط من استقالته. واستعادة للأحداث الماضية، كانت الحكومة على ما يبدو تتوقع استقالة السيسي، وقامت بوضع الأساس القانوني لعمل «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» تحت قيادة صبحي، خليفته المعين.
ووفقاً لقانون رقم 20، الذي أضفى الطابع الرسمي على هيكل «المجلس العسكري» الجديد ومهمته، يتكون “المجلس” من خمسة وعشرين عضواً، بمن فيهم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان. وبإمكان الرئيس ووزير الدفاع – اللذين سيبقيا في منصبهما خلال فترتين من رئاسة الجمهورية – تعيين أعضاء في «المجلس العسكري»، وسوف يستمر وزير الدفاع في رئاسة “المجلس” إلا عند حضور الرئيس لأحد الاجتماعات. أما الأمين العام لوزارة الدفاع، حالياً محمد فريد حجازى، الذي له تاريخ طويل كمسؤول عسكري – فيشغل الآن منصب سكرتير «المجلس العسكري». وعلى نطاق أوسع، ينص القانون على أن «المجلس العسكري» سوف “يحدد الأهداف والمهام الاستراتيجية للقوات المسلحة” بطريقة تساعد على تحقيق “المصالح السياسية… التي تحددها القيادة السياسية”، بالإضافة إلى الإشراف على جميع القضايا العسكرية والدفاعية ذات الصلة.
وعقب إصدار القانونين الجديدين، قرر السيسي إعادة تشكيل أعضاء «المجلس العسكري» في 17 آذار/مارس، وهي خطوة غير تقليدية بالنظر إلى أن مثل هذه التغييرات تجري عادة مرتين كل عام، إما في كانون الثاني/يناير أو تموز/يوليو. وقد أبقى ثلاثة مقاعد شاغرة في “المجلس” من خلال إحالة إبراهيم نصوحي ومصطفى الشريف على التقاعد وتعيين محمد عرفات، قائد “المنطقة الجنوبية العسكرية”، رئيساً لـ “هيئة التفتيش”. وفي تغييرات أخرى، تم تعيين أحمد وصفي، القائد السابق لـ”الجيش الثاني الميداني”، المدير الجديد للتدريب؛ ويترأس الآن “الجيش الثاني الميداني” و”المنطقة الجنوبية العسكرية” اثنان من الرؤساء السابقين لرئاسة الأركان؛ أما خيرت بركات، المدير السابق لـ”إدارة السجلات العسكرية”، فهو الآن مدير إدارة شؤون ضباط القوات المسلحة.
وفي حين قد تبدو هذه التغييرات ذات طبيعة عملياتية، إلا أنها تشير إلى زاوية استراتيجية أكثر أهمية، لا سيما فيما يتعلق بقرار إعطاء وصفي دوراً أكثر مركزية. وسوف يشغل بعض من أقرب حلفاء السيسي داخل المؤسسة العسكرية مناصب رئيسية داخل «المجلس العسكري» والقوات المسلحة. وبمجرد أن يصبح رئيساً، فسوف يكون بوسعه الاعتماد على دعمهم، وامتثالهم، والأهم من ذلك ولاءهم له.
«المجلس العسكري» الجديد
في ضوء إعلان السادس والعشرين من آذار/مارس وغيره من المعلومات، سوف يشغل خمسة وعشرون جنرالاً على الأرجح مقاعد في «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» (انظر الرسم البياني). ومع ذلك، فبناءً على القانون رقم 20، قد يدعو وزير الدفاع خبراء آخرين للتشاور مع “المجلس” أو حضور اجتماعاته على النحو الذي يراه مناسباً. لذا، ففي حين أن العضوية الرسمية في «المجلس العسكري» قد تضم هؤلاء الأشخاص، إلا أن المرونة في القانون تترك مجالاً لضم ضباط آخرين – سواء مَن هم في الخدمة أو متقاعدين – للمشاركة في مداولات «المجلس العسكري»، مما يبعث بمؤشرات حول الظهور المحتمل لأحدث المنقذين الجدد في مصر.
جلعاد وانيج هو مساعد أبحاث في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.