لست في وارد الاستغراق في قضية قد تبدو خاصة للبعض، رغم انها قضية انتهاك حرمة بيت مواطن لبناني. ولهذا المواطن حقه في أن يغضب وان يعترض ويدين وان يتساءل عن المغزى والسبب.
أنا هو هذا المواطن وقد انتهك حرمة بيتي مجهولون. لا أتهم أحدا لكن أخاف من احوال الامن وحال الدولة على الآتي من ايامنا. انتهاك لبيت يؤذينا، ويؤذينا اكثر انتهاك للانسان.
فمثلي يستطيع ان يصرخ. لكن البعض يطاله اضعاف اضعاف من الانتهاكات عاجز عن الشكوى والاعتراض. احوال بدا أنها تحمل في طياتها ابعاداً عامة تتصل بعنوان الأمن.. ذلك الذي يفترض اننا بدأنا في لبنان نشهد تعبيرات جديدة تدفع الى التفاؤل الحذر بعودته، بعودة القوى الامنية الرسمية فضلا عن السلطة القضائية الى مكانة يشعر معها المواطنون بأن ثمة مؤسسة رسمية او سلطة يمكن أن تكون ملجأ المواطنين. لا سيما اولئك الذين لا يريدون ملجأ لهم غير الدولة.
بالتأكيد ثمة طريق طويلة يجب قطعها لاستعادة المواطن ثقته بمواطنيته وبالمؤسسات، بعدما صار الكثيرون يلوكون بالسنتهم كل ما يفترض انه يمثل سلطة الدولة وهيبتها.
غياب الثقة بالدولة واجهزتها. وفي الواقع كان القائمون على مؤسساتها من السياسيين هم اول من صدّع هذه الثقة بدأب. وبينما كان من واجب هؤلاء، بمقتضى المسؤولية الدستورية والقانونية، تعزيز منطق الدولة وقواعدها في الحياة الوطنية، يبدو أنهم هم من سعى ويسعى الى تقويضه، لحساب سلطة او سلطات موازية للدولة ومتعارضة معها في آن. بحيث بات مفهوم المواطنة وتطبيقاته في الواقع غائباً او مهمشاً لحساب الاعلاء من الولاءات الشخصية والحزبية والميليشيوية، وترسيخ الزبائنية كمعبر وحيد للفرد نحو استنقاذ بعض حقوقه. عبر الاحتكام الى قنوات هذه الزبائنية الكفيلة بجر الكثيرين نحو مسار تقويض المواطنية وتهميش الدستور والقانون، وكل ما يمت الى القانون والعدالة بصلة في المجتمع.
لعل اسوأ ما وصل اليه لبنان اليوم هو واقع الدويلات التي باتت حقيقة على الارض. دويلات نمت كالطفيليات في واقعنا السياسي والاجتماعي. فالانتقال من منطقة لبنانية الى اخرى بات يرتب في وعي اللبناني وفي سلوكه مزيدا من الاستعداد النفسي للانتقال من دولة الى اخرى. فلكل منطقة نظام ولغة ومقدسات سياسية واجتماعية تتفوق بقوتها على دستور الدولة اللبنانية وقانونها. وهذه القوة تغري اصحابها بالمزيد من ترسيخ الدويلة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، ذلك ان من شروط حماية هذه القوة وتعزيزها ابقاء مدروسٍ لشرايين التغذية من الحيّز العام وفي اتجاه الدويلة لا العكس.
لغة “نحن وَهُم” تزداد حضوراً بين اللبنانيين، ونزعة التكفير حاضرة بقوة، والمساحات الوطنية المشتركة تنكفىء وتتراجع.
المشهد كئيب. خصوصا في الجنوب، حيث يراد ألا يكون هناك صوت يعلو، ليس فوق بل حتى، إلى جانب صوت المعركة.
ثمة عويل مكتوم في تلك القرى الممتدة على الحدود الجنوبية، الشاحب وجهها، كأنما هي في انتظار ان تنجز حفرة موتها الأخير. ذلك الموت الصادق، الذي لا لبس فيه ولا رادّ له.
بلدات وقرى استعادت مبانيها بأخرى “أجمل مما كانت”، لم تستطع ان تستعيد اهلها الذين ابتلعتهم بحور الهجرة والتهجير، وصارت “المثوى الأخير”. حيث لا مساحة فيها الا للسكون القاتل.. والأمن.
أنا المواطن انتهك مجهولون بيتي في شقرا في الجنوب. وهذا ليس انتهاكا لبيت بل إنذار بأن هناك من قرر الدخول إلى غرف نومنا… ليجعلها مصنعا للكوابيس، بدل اﻷحلام.
alyalamine@gmail.com
البلد