أخيرا اتفّق الاعضاء الدائمون في مجلس الامن على قرار في شأن السلاح الكيميائي السوري. لا يقدّم القرار ولا يؤخر نظرا الى أنه لا يدين صراحة استخدام النظام السوري هذا السلاح في سياق حربه على شعبه. لا يمكن اختزال الازمة السورية بالسلاح الكيميائي. كذلك، لا يمكن اختزال علاقة ايران من جهة والعرب والمجتمع الدولي من جهة اخرى بملفها النووي.
هناك رغبة لدى النظام الايراني في حصر التفاوض معه بالملف النووي وتجاهل ما يفعله في هذه المنطقة او تلك من العالم بدءا بلبنان والعراق وسوريا وصولا الى اليمن مرورا بالبحرين وأيّ دولة خليجية يستطيع أن يعثر فيها على منفذ يستطيع من خلاله اثارة النعرة المذهبية. أكثر من ذلك، يسعى النظام الايراني الى استخدام الملف النووي بغية الاعتراف بدوره الاقليمي من منطلق أن ايران دولة عظمى في الشرقين الادنى والاوسط.
جاءت الشكوى من استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي متأخّرة كثيرا. العالم كلّه يعرف أن هناك كمية كبيرة من هذا السلاح مخزّنة في الاراضي السورية. والعالم كلّه يعرف أن هذا السلاح له جهة استخدام واحدة هي الداخل السوري، أي الشعب السوري.
المؤسف أن هذا العالم لم يستفق على خطورة السلاح الا من زاوية انه يمكن خروجه من تحت السيطرة وأن يستخدم ضدّ اسرائيل. وهذا ما لفت اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المقال الذي نشره يوم الثاني عشر من أيلول- سبتمبر الجاري في صحيفة “نيويورك تايمز”. جاء المقال في سياق حملة العلاقات العامة التي أستهدف بوتين من خلالها الحؤول دون ضربة أميركية لمواقع عسكرية تابعة للنظام السوري.
ما ينطبق على الكيميائي السوري ينطبق على النووي الايراني. لا اهتمام بهذا الملف الاّ من الزاوية الاسرائيلية ومن امكان انتاج ايران يوما سلاحا نوويا يمكن أن يستخدم ضد اسرائيل. لا اهتمام يذكر بأن المفاعل النووي في بوشهر يمكن أن يؤذي الدول العربية في الخليج، في حال طرأ عليه عطل شبيه بذلك الذي تعرّض له مفاعل تشرنوبيل. فالكويت لا تبعد أكثر من ثلاثمئة كيلومتر عن بوشهر، في حين أن ايران تبعد عن موقع المفاعل نحو الف وسبعمئة كيلومتر، أي أن لا مجال لأيّ ضرر يلحق بها في حال حصول هزة ارضية في منطقة زلازل يقع فيها مفاعل بوشهر!
بدل التركيز على الملف النووي الايراني، وهو بالفعل ملفّ مهمّ، يفترض التركيز على الأهمّ. الأهم هو ما تفعله ايران في سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين وحتى في السودان وقطاع غزّة وسيناء.
بعض الامثلة تبدو أكثر من ضرورية لاعطاء فكرة عن الدور الايراني. ماذا تفعل ايران غي لبنان. لماذا هذا الاصرار على تعطيل تشكيل حكومة لبنانية برئاسة الرئيس تمّام سلام؟ لماذا هذا الاصرار على أن تكون هناك ميليشيا مذهبية ايرانية في لبنان، عناصرها لبنانية، على استعداد للقتال في سوريا حماية لنظام أقلّ ما يمكن أن يوصف به انّه طائفي؟ لمصلحة من تؤدي هذا الدور الذي يصبّ في نهاية المطاف في تدمير لبنان وسوريا؟
حسنا، لنضع لبنان وسوريا والعراق جانبا، ما الفائدة من الحملة التي يشنّها الامين العام لـ”حزب الله” في لبنان السيّد حسن نصرالله على دولة مثل البحرين؟ هل المطلوب عزل لبنان عن محيطه العربي وتأكيد انه تابع للمحور الايراني- السوري، بل ذيل له، وذلك من منطلق مذهبي بحت؟
هل المطلوب تأكيد أن ايران تمتلك اوراقا في البحرين وأنها تستخدم هذه الاوراق ببراعة انطلاقا من لبنان، عندما لا تريد الدخول المباشر على الخط والاكتفاء بتلك المقارنة، التي لا اساس لها، بين الوضعين سوريا والبحرين. وهذا ما حصل على لسان الرئيس الجديد حسن روحاني في حديث ادلى به قبل أيّام الى صحيفة “واشنطن بوست”؟
لا يوجد شخص يمتلك حدّا ادنى من الوعي السياسي الاّ ويدرك أن مثل هذه المقارنة بين الوضعين السوري والبحريني غير واردة وأنّ كل المطلوب ممارسة ضغوط ايرانية على المنامة من جهة والاساءة الى اللبنانيين الموجودين في دول الخليج من جهة أخرى. نعم، هناك مشاكل في البحرين، وهي مشاكل قابلة للعلاج، وهي تعالج فعلا. لكنّ هذه المشاكل لا تقارن بما تشهده سوريا حيث ثورة حقيقية يقوم بها شعب يسعى الى التخلص من نظام فئوي يسعى الى استعباده، نظام لا يؤمن سوى بالغاء الآخر.
لا يمكن الا الترحيب بأيّ تقارب اميركي- ايراني يؤدي الى اغلاق الملف النووي. ولكن لا يمكن في الوقت ذاته الا اتخاذ موقف حذر من مثل هذا التقارب في حال تجاهل الولايات المتحدة للملّفات الاقليمية، خصوصا التورط الايراني في كلّ ما من شأنه تفتيت المنطقة العربية عن طريق اثارة كلّ انواع العصبيات. فالمشكلة مع ايران ليست في الملف النووي، الذي تدعي اسرائيل انه موجه اليها. المشكلة في مكان آخر. هل ايران دولة طبيعية في المنطقة تسعى الى العيش مع جيرانها بأمان وأن تتعاون معهم في كلّ الميادين، أم انها نظام يدرك أنه غير قادر على حلّ أي مشكلة في الداخل الايراني وأن عليه الهرب باستمرار الى الخارج؟ فعل النظام السوري ذلك في الماضي طوال ما يزيد على أربعة عقود. كانت النتيجة ما يدور الآن على الارض السورية.
هل تريد ايران بالفعل أن تكون نهاية نظامها أفضل من نهاية النظام السوري؟ الجواب بكل بساطة أن ذلك متوقف على استيعاب واقع يتمثّل في انه آن الاوان للاعتراف بأن الفشل يجب أن لا يقود الى المكابرة والاستكبار بمقدار ما أن المطلوب اليوم قبل غد الاعتراف بأن لا معنى للانفتاح نوويا من دون شعور اللبناني والسوري والبحريني والعراقي واليمني وكلّ عربي في المنطقة أن هناك ايران أخرى، لا تراهن على اثارة الغريزة المذهبية وتعزيزها.
بكلام أوضح ثمة حاجة الى شعور كل مواطن عربي بأنّ ايران بدأت تنتهج سياسة مختلفة تماما مع وصول حسن روحاني الى الرئاسة خلفا لمحمود احمدي نجاد…هل تستطيع ايران القيام بهذا الانقلاب قبل أن ينقلب شعبها على نظام جعل نسبة اربعين في المئة من الايرانيين يعيشون تحت خط الفقر؟