رفع سيف الضربة الاميركية عن رأس النظام السوري. لكن يستمر سيف الأزمة بحصد رؤوس السوريين. ولا يبدو ان القتل بالسلاح التقليدي، من الصواريخ وبراميل المتفجرات وتشريد السوريين الى الدول المجاورة وفي اصقاع الارض، يمكن ان يحرك المجتمع الدولي نحو سلوك آخر. لا شيء غير اصدار التقارير عن انتهاكات حقوق الانسان، او عدّ ما تيسر من جرائم الحرب التي ارتكبت، وتلك التي سترتكب في الساعات والايام او الاشهر المقبلة.
قدم النظام السوري سلاحه الاستراتيجي الى المجتمع الدولي، تفادياً للضربة الاميركية، من دون ان يوفر هذا التنازل الاستراتيجي اي ضمانة له بالاستقرار. وما جرى هو تأجيل موت النظام، وتمديد مدة القتل والتدمير. والعودة بوضعية النظام الى مرحلة ما قبل مجزرة الغوطة، لكن من دون سلاح كيميائي هذه المرة. اي العودة الى مرحلة متابعة الادارة الاميركية القتال بانتظار مزيد من انهاك الاطراف المتقاتلة.
جائزة السلاح الكيميائي التي نالتها الادارة الاميركية واسرائيل من النظام السوري تغري الدولتين بمزيد من ترقب جوائز استراتيجية في المرحلة المقبلة. فالأسد سيفاجئ الجميع بما سيقدمه من هدايا لضمان بقائه في السلطة في دولة فقدت قدرتها على خوض اي مواجهة مع اي دولة خارجية.
يعلم النظام السوري ومؤيدوه انه حتى لو قدر له السيطرة العسكرية على الاراضي السورية كلها – وهذا ليس وارداً – فإنه عاجز عن حكم البلاد في السلم. فبعد كل هذا الدمار والقتل، الذي للنظام حصة الاسد فيه، لا يمكن للسوريين، في غالبيتهم العظمى، أن يقبلوا باستمرار هذا النظام الذي فشل في حمايتهم وفرّط في حقوقهم واستباح اكثر مدنهم وقراهم.
في المقابل تطمح بعض الدول الكبرى، كما اسرائيل، بكرم الاسد الاستراتيجي، وبهداياه المفاجئة، سواء بمزيد من تسعير الصراع المذهبي والطائفي، او بمزيد من تقديم الضمانات لاسرائيل عبر الجولان وسواه.
يكفي ان ما يسمى بتيارات الممانعة والمقاومة غارقة في الدم الى اذنيها في الحرب ذوداً عن النظام، وان سلاحها وطاقاتها المستخدمة اليوم في سورية لم يستخدم نصفها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. ويكفي الاسرائيليين ان ثمة من بات حذراً في الحديث عن مجزرة صبرا وشاتيلا هذه الايام، ومجزرة قانا، ومجزرة دير ياسين، بعدما تفوق النظام السوري على هذا الصعيد. وبات هناك من الاسلاميين الشيعة ومن الاسلاميين السنّة، الذين طالما رفعوا شعار العداء لها (اسرائيل)، يرون فيها اليوم عدوا من الدرجة الثانية او الثالثة، ويعتبرون ان العدو الخطير هو “التكفيري” او “الرافضي”.
تنتظر اسرائيل من الاسد المزيد من الهدايا. وما دام يستطيع تقديمها فلا بأس ان يبقى في السلطة. وكلما زاد من وتيرة القتل، ازدادت مطالبة الشعب السوري بالخلاص منه بأيّ وسيلة متاحة. وكلما تورط حلفاء النظام السوري في الازمة، زاد الشرخ السني – الشيعي وارتسمت خطوط تماس مذهبية كفيلة بأن تجعل سورية ومحيطها اكثر طواعية للمتطلبات الامنية والاستراتيجية الاسرائيلية. ولم يعد سرا ولا خافيا على احد ان اطالة عمر نظام الاسد لا تساهم الا بترسيخ الحرب السنية – الشيعية في المنطقة.
لنتخيل ان نظام الاسد سيستمر سنة او سنتين بعد: ما هي الصورة التي ستكون عليها سورية بعد هذه المدة؟ وكيف سيكون المشهد في المنطقة؟
ببساطة، لكن جارحة: بقاء النظام قد يكون انتصارا لايران. لكن بالتأكيد هو انتصار لاسرائيل ايضاً. فقد جعلت ايران من بقاء الاسد قضيتها. وهذا كفيل بأن يضمن لها المزيد من ترسيخ عداء الشعوب، العربية بالدرجة الاولى، في مقابل التفاف الشيعة العرب حولها، بقوة الشرخ المذهبي طبعاً. لا بقوة شعار العداء لاسرائيل. ولا بقوة الصحوة الاسلامية التي تساقط مشروعها بفضل براعة مذهبية لم يستطع دعاتها غير اظهار النهم إلى السلطة، والفشل في تقديم نموذج يتفق عليه السنة والشيعة قبل ان ينال رضى غيرهم.
عندما تسقط الفكرة السياسية في ميدان التجربة، وتختصر جاذبية المشروع السياسي في جاذبية طائفية ومذهبية، وعندما تقتصر قوة الاسلام السياسي والجهادي على القتال فقط داخل المجتمع، وعندما تصير العصبية المذهبية عنوانه وسلاحه الوحيد للاستقطاب او الترهيب داخل المجتمع، يمكن حينها القول إنّ الاسلام السياسي في انحداره الاخير.
alyalamine@gmail.com
البلد