يُشبّه ناشطون سياسيون ينتمون إلى الحزب الجمهوري وفاعلون في لجان الكونغرس زيارة السيناتور الجمهوري جون ماكين إلى سوريا بتلك التي قام بها إلى بنغازي في نيسان 2011. آنذاك كان ماكين أرفع شخصية أميركية تزور الأراضي الليبية التي يُسيطر عليها ثوار في ليبيا منذ بداية الثورة ضد نظام معمر القذافي منتصف شباط . ومن معقل الثوار في بنغازي دعا ماكين إلى مشاركة الولايات المتحدة عسكرياً في التحالف الدولي كونه لا يملك القوة الضاربة اللازمة. ولم تكن الزيارة آنذاك بعيدة عن التنسيق مع الإدارة الأميركية التي اتخذت يومها قرارها بإرسال طائرات بدون طيار مزودة بصواريخ، للمشاركة في الحملة العسكرية في ليبيا. بالأمس القريب زار ماكين معاقل الثوار في سوريا، ليكون أرفع شخصية أميركية تزور سوريا منذ الثورة. ومن هناك دعا إدارة باراك أوباما إلى تزويد المعارضة السورية بالأسلحة. ولم تكن زيارة السيناتور الجمهوري، الذي يُعتبر من أبرز مؤيدي دعم الثوار في سوريا، من دون تنسيق مع الإدارة الأميركية، وهو أعلن أن وزارة الخارجية الأميركية ساعدت في توفير الأمن لهذه الزيارة.
تلك المقارنة تدفع بالناشطين الجمهوريين إلى ما يشبه اليقين بأن زيارة ماكين ستفتح الباب أولاً أمام فرض منطقة حظر جوي في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة من أجل حمايتها من غارات نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا سيما أنه من الداعين والعاملين إلى تحقيق ذلك. وثانياً الاطلاع عن كثب على واقع تكوين المعارضة السورية المسلحة لنقل الصورة الأوضح إلى الكونغرس في مواجهة موقف البيت الأبيض الرافض إمداد الثوار بالأسلحة، بذريعة الخوف من وصول الأسلحة إلى الأيدي الخاطئة، ومنها «جبهة النصرة»، في وقت يُعدّ ماكين من الداعين إلى تزويد «الأشخاص المناسبين» من المعارضة السورية بالأسلحة، ويعول وآخرون على «الجيش السوري الحر» وعقيدته الليبرالية وقدرة قائد المجلس العسكري الأعلى سليم إدريس على بناء جيش قوي، والأهم أنه من الأصوات الأميركية التي لا ترى غلبة لـ «جبهة النصرة» على الأرض، التي لا تشكل سوى 7 في المئة من عديد المقاتلين وفق معطياته. ومن شأن موقف ماكين وحزبه الجمهوري، الذي يسيطر على مجلس النواب، أن يساهم في زيادة الضغط على إدارة أوباما التي تواجه اليوم «فضائح ضرائبية» على المستوى الداخلي، يرافقها شعور شعبي بوهنها وضعفها، وهو ما قد يؤول بالرئيس الأميركي في نهاية الأمر إلى مجاراة توجهات الكونغرس بشقيه (النواب والشيوخ) حيال الأزمة السورية المطالبة بدعم المعارضة، وتحقيق نجاح في السياسة الخارجية.
على أن المعلومات المتوافرة من «اللوبي الأميركي»، المؤيد للمعارضة السورية، تتحدث عن أن الجيش السوري الحر ليس في وارد ذهاب المعارضة إلى «جنيف2» والجلوس إلى طاولة مفاوضات لتقدّم أي نوع من التنازلات للأسد، الأمر الذي يُلقي ظلالاً من الشك حول ما سيُفضي إليه المؤتمر إذا ما انعقد، ولا سيما في ضوء التطورات الميدانية التي تشهدها الساحة السورية مع الانخراط العلني لـ «حزب الله» في «حرب القصير»، في محاولة تسجيل «انتصار عسكري ومعنوي» للنظام قبل بد عملية التفاوض السياسي غير واضحة الأفق، في وقت بدا واضحاً في قراءات أميركية أن «حرب القصير» والسيطرة على محافظة حمص تجري بغطاء روسي، في إطار مشروع ربط حمص بالساحل تمهيداً لتأمين نشوء «فيدرالية للعلويين» هي عبارة عن إقليم ضمن الدولة السورية المستقبلية. وهو أمر لا يبدو أنه يلقى معارضة أميركية إذا ما أصبح أمراً واقعاً!.
وفي وقت تراقب فيه واشنطن والغرب، ومعه دول الخليج العربي، مستوى تورّط «حزب الله» في سوريا، وانعكاسات ذلك على الساحة السورية، وما يمكن أن يجرّه هذا التورط من تداعيات على الساحة اللبنانية، سواء على المستوى الأمني، جراء ارتفاع منسوب القلق المحلي والدولي من عمليات أمنية وامتداد الصراع المذهبي السني – الشيعي على خلفية انخراط الحزب في المعارك الدائرة في سوريا، أو سواء على المستوى السياسي، والتي كانت أولى نتائجه تطيير الانتخابات النيابية عبر تمديد لمجلس النواب أضحى في حكم المنتهي، فيما لن تكون إمكانية ولادة الحكومة أمراً ممكناً في ظل التعقيدات المستجدة مع تورط الحزب والنتائج المترتبة عن ذلك عربياً ودولياً حيال التعاطي مع لبنان ومؤسساته، وفي ظل الشعور بعجز قوى الرابع عشر من آذار عن المواجهة مع ما يعتري هذه القوى من تشتت في وضع استراتيجية عمل لمواجهة المخاطر المحدقة بلبنان بدل التلهي في حسابات ضيقة فاقمت من إبراز عجزها.
وإذا كان ثمة من يرى في صفوف قيادات قوى الرابع عشر من آذار أن عجز هذا الفريق مرده إلى عوامل عدة أبرزها وجود زعيم هذا الفريق سعد الحريري خارج البلاد، وعدم قدرته على العودة خشية اغتياله، وعدم وجود آلية تنسيقية فعلية على مستوى القيادات الأساسية التي يتشكل منها هذا الفريق، وتداعيات اهتزاز هذا المكون بفعل الإدارة الخاطئة لملف الانتخابات النيابية بدءاً من «القوات» و«الكتائب» وصولاً إلى «تيار المستقبل»، وانتهاج بعض القيادات الوازنة سياسة «أمّ الصبي» في كل استحقاق، فإن العامل المرجح في عجزها بات يتمثل في خضوعها لمنطق الترهيب والإرهاب المنظم حيالها، ذلك أن «حزب الله» وحليفه الأساسي نبيه برّي، ومعه قوى الثامن من آذار، باتوا على يقين بأن قوى الرابع عشر من آذار سوف تقع في نهاية المطاف مع كل استحقاق ومفصل أساسي في «الفخ» الذي يرسمه الحزب لها وسوف تخضع لمشيئته، وهو الأمر الذي بات يجعل الحزب مدركاً أنه قادر على الإمساك بزمام اللعبة الداخلية برمتها.
على أن اللافت ما كشفه الناشط السياسي في الحزب الجمهوري طوم حرب، الذي يشغل موقع الأمين العام للمجلس العالمي لـ «ثورة الأرز»، كأحد مجموعات الضغط اللبنانية، من أن العين الأميركية تراقب المسار الذي ستسير عليه القوى اللبنانية ولا سيما «السيادية». ويبدي مخاوفه من أن تُعيد قوى الرابع عشر من آذار الوقوع في «الأخطاء» نفسها التي ارتكبتها منذ انتفاضة الاستقلال والتي آلت إلى تقوية «حزب الله» بدل إضعافه لمصلحة بناء مؤسسات الدولة، بدءاً من عقد هذه القوى «التحالف الرباعي» في انتخابات عام 2005، مروراً بسير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بورقة «النقاط السبع» ومعارضة إدراج القرار 1701 تحت الفصل السابع الذي أنهى «حرب تموز» عام 2006، وصولاً إلى رفض الرئيس السنيورة آنذاك طلب واشنطن توسيع القرار 1701 عقب غزو حزب الله وحركة أمل بيروت والجبل عام 2008 لتشمل مهامه الطرقات الرئيسية ومطار بيروت الدولي وإبداء استعدادها للتدخل المباشر ضمن القوات الدولية لمواجهة العملية العسكرية لـ «حزب الله» – «حركة أمل»، في حين ذهبت قوى 14 آذار إلى الدوحة لتقدّم تنازلاً جديداً عبر «اتفاق الدوحة»، وما تلاه من انتكاسات سياسية.
وإذا كانت تلك الأخطاء فوّتت على لبنان فرصة تحصينه في لحظة توافق دولي توافرت له بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري نتيجة أداء قوى الرابع عشر من آذار، فإن التساؤل المطروح ليس فقط من العين المراقبة في واشنطن، بل من الحاضنة الشعبية لهذه القوى، عما إذا كانت ستسير بقدميها إلى مزيد من التنازلات في مشروع إطباق «حزب الله»، بوكالته عن الراعي الإيراني، على ما تبقّى من الدولة ومؤسساتها أم أن الأوان حان كي تضع هذه القوى خطة استراتيجية تواكب فيها داخلياً التحولات الجارية في المنطقة، ولا سيما التحولات السورية التي ستؤول في نهاية المطاف إلى سقوط النظام السوري، بدل انتظار الثورة السورية لكي تحقق انتصارها فتبني عندئذ عليه.
وليس أقل من «الأخطاء القاتلة» التي يمكن أن ترتكبها قوى الرابع عشر من آذار هو انصياعها، تحت ضغط هاجس الأمن والحفاظ على السلم الأهلي، لتأليف حكومة تعطي فيها الثلث المعطل لـ «حزب الله» وحلفائه، وتضمين بيانها الوزاري المعادلة المقدّسة لدى الحزب وهي معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي أمّن من خلالها سيطرته الأمنية على لبنان، وموقعاً متقدماً لإيران على ضفاف البحر الأبيض المتوسط في لعبة فرض نفوذها على المنطقة والاعتراف بدورها.
rmowaffak@yahoo.com
إعلامية لبنانية
اللواء