الثورة السورية نفق طويل، لا نهاية له، أكثر طولاً من أي واحد آخر في فترات الحداد والدم التي دخلت فيها البلدان التي أطاحت بالديكتاتوريات في الجغرافيا العربية.
مضى عليها الآن واحد وثلاثون شهراً، منذ أن انطلقت شرارتها الأولى، وحصيلتها مخيفة، أكبر بكثير من تلك التي تمخضت عنها حرب تحرير ليبيا، المتمثلة في ما بين 10000 و15000 حياة بشرية مفقودة وفق تقديرات الأمم المتحدة. سوريا تتجه نحو رقم أربعين ألف ضحية، مليونين من النازحين من منازلهم، نصف مليون من اللاجئين، وقدراً من دمار المدن والبنى التحتية والتراث، لا يمكن إصلاحه في حالات كثيرة.
المواجهة الطويلة شديدة القسوة بين النظام والمعارضة هي حرب استنزاف حقيقية، ينتصر فيها من يمتلك قدرة أكبر على الصبر والتحمُّل. أظهرت المعارضة بوضوح أنها لن تنثني، بالرغم من التصعيد العسكري الهادف لإخماد حركة بدأت مجرد مظاهرات مدنية في كل أيام الجُمع، تحولت سريعاً إلى ثورة عنيفة مع هجمات على مراكز الشرطة ومرافق رسمية وانتهت كحرب أهلية مع كتائب عديدة، جيدة التجهيز والتنظيم، تتمكن من تحرير أراض واحتلال مرافق عسكرية بطريقة ثابتة.
المقاومة التي أظهرها النظام مذهلة أيضاً، في وضعه أمام جبهتين، عسكرية داخلية وديبلوماسية دولية، فيما يضيق حصاره وتتزايد عزلته. تفسير ذلك لا يتم إلا بالإحالة إلى سمته كديكتاتورية عسكرية، مجهزة جيداً لمهام مروعة كالتي يقوم بها حالياً، والمساعدات من روسيا وإيران، والتصميم والقسوة للمجموعة القائدة حول طبيب العيون القديم بشار الأسـد، الذي رباه والده وسلفه، حافظ الأسد، للدفاع حتى الموت عن السلطة الأُسَرِيَة العلوية المُستولى عليها عام 1970. تلك هي العناصر التي ضمنت حتى عام2011 الاستقرار الحجري لبلد أقليات، تتمحور حوله كل عوامل التوتر والمصالح التي تعبر الشرق الأدنى: شيعة وسنة، صهيونية وقومية عربية، أصولية وعلمانية، بل تُشاهد فيه، كظلال، القوى التي تواجهت قديماً في الحرب الباردة، من جانب أول موسكو ومن الجانب الآخر واشنطن.
يؤخذ في الحسبان أيضاً عجز المجتمع الدولي عن التصرف كما فعل في ليبيا. لقد أخفقت محاولات فتح الطريق باتجاه إقامة منطقة حظر جوي أو حماية السكان المدنيين، التي تتطلب قراراً من الأمم المتحدة من أجل توفير غطاء قانوني لاستخدام القوة التي ستسمح بتطبيقه. موسكو وبكين ليستا مؤيدتين لهذا، لكن بلداناً أخرى كثيرة تعتبر أن المهمة التي قادها الناتو تجاوزت التفويض الدولي مع عمليات قصف لم تكن في سبيل حماية المدنيين وإنما لتوجيه الحرب في مصلحة الثوار. تلك السابقة أرخت بثقلها ضد إعادة اللعبة الليبية وألجأت إلى تصوُّر حل كذلك الذي طبق في كوسوفو، بدون تفويض دولي جراء موقف موسكو.
في غياب القرار، أخذت الحرب الأهلية السورية تدخل في مرحلة جديدة، يعتبرها البعض حاسمة. النظام فقد السيطرة الأرضية على مناطق واسعة من البلاد، بما فيها ضواحي من العاصمة دمشق. المجموعات المسلحة حققت نجاحات عسكرية صغيرة، كالاستيلاء على أكثر من دزينة من قواعد الجيش، مع مرفقاتها من السلاح، أو قطع نشاط المطار الدولي في دمشق. وفق بعض المراقبين، فإن الدولة المسيطر عليها من بشار الأسـد على وشك التحول إلى فصيل مسلح آخر من بين الفصائل الكثيرة التي تقاتل، حتى بين بعضها البعض أحياناً، للسيطرة على الأرض.
على الصعيد الدولي هو نظام متعفن، قادته بالكاد يستطيعون التحرك من داخل عاصمتهم. اجتماع البارحة في مراكش، الذي اعترفت فيه أكثر من مائة دولة بالهيئة الجديدة الموحدة للمعارضة، المدعوة بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، هو صفعة للأسد تفتح طريقا جديداً نحو سقوطه. هذا الطريق قد يكون تحرير جزء من الأرض الوطنية، وإقامة حكومة مؤقتة وفتح طرق الإمداد الدولي للأسلحة والمعونة من أجل حل أزمة الحرب على أيدي السوريين حصراً، بدون عمليات قصف ولا جنود أجانب.
رغم عدم الوصول إلى هذه النقطة بعد، فإن التوحد والاعتراف الدولي بالمعارضة واستثناء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمجموعة مقاتلة قريبة من القاعدة، تبدو أنها الخطوات السابقة على الإمداد بالأسلحة الثقيلة التي تحتاجها المعارضة من أجل الدخول في مرحلة أكثر حسماً. كثيرة هي الشكوك والأخطار التي ما زالت تترصد السوريين في نفقهم، لكن الآن فقط تُلحَظ بقعة ضوء تعلن نهايةً عسى أن تكون أكثر قرباً مما نعتقد.
ترجمة: الحدرامي الأميني
صحيفة الباييس الإسبانية
http://internacional.elpais.com/internacional/2012/12/12/actualidad/1355342358_334767.html