يرتبط رواد مسبح “سبورتنغ كلوب” في بيروت الذي يمتلك حدودا مشتركة مع صخرة الروشة بطبقة لبنانية معيّنة، تضمّ اغنياء وفقراء ومتوسطي الحال، رفضت دائما ايّ نوع من الطائفية والمذهبية والتعصب. يمكن الحديث عن “جمهورية السبورتنغ” التابعة الى حدّ كبير الى “جمهورية رأس بيروت” التي صنعتها الجامعة الاميركية. كان اسم “سبورتنغ” ملازما للبناني، فلسطيني الأصل، هو جورج أبو نصّار انطفأ قبل بضعة أيام وهو في منتصف الثمانينات من العمر بعدما أقام ما يشبه جزيرة آمنة في بيروت. صمدت هذه الجزيرة، بفضل الرجل، في وجه كلّ العواصف التي ضربت المدينة منذ ذلك اليوم المشؤوم، يوم الثالث عشر من نيسان ـ ابريل 1975 الذي كان نهاية السلم الأهلي في لبنان.
مع رحيل جورج أبو نصّار سقطت قطعة من بيروت. كان فلسطينيا حافظ على لبنان اكثر بكثير من اللبنانيين. كان اكثر لبنانية من كثير من اللبنانيين. كان مسبحه رمزا للعيش المشترك وروح التجدّد والانتصار على التخلف. سيبقى كذلك بفضل ارملته بيتي وولديه وليد ومروان سيبقى استثناء لبنانيا.
في عز الحرب الاهلية وحروب الآخرين على ارض لبنان، شكّل الـ”سبورتنغ” واحة سلام وامان بفضل جورج ابو نصّار اوّلا وأخيرا. كانت عيون كثيرة على الـ”سبورتنغ” في أيام سطوة المسلحين الفلسطينيين على بيروت ثم في ايّام سيطرة الميليشيات المذهبية من كلّ نوع على المدينة، بما في ذلك المرحلة التي حاول فيها “حزب الله” منع الكحول في بيروت الغربية واقفال المسابح، كما راح يطلق التهديدات يمينا ويسارا بعد خروج الجيش اللبناني من بيروت الغربية في شباط ـ فبراير 1984.
اكثر من ذلك، استطاع جورج او نصّار بقدرة قادر إبقاء المسبح خارج الوصاية عندما عادت القوات السورية الى بيروت الغربية في العام 1987 وبعدما اصبح لبنان كلّه تحت الاحتلال السوري ابتداء من تشرين الاوّل ـ أكتوبر 1990 بفضل بطولات ميشال عون الذي كان يحتل قصر بعبدا بصفة كونه رئيسا لحكومة موقتة مهمتها محصورة بتنظيم انتخابات رئاسة الجمهورية.
ظلّ جورج أبو نصّار صامدا في كلّ وقت. صمد في وجه العواصف البحرية التي كانت تضرب الـ”سبورتنغ” في الشتاء فتهدّم أجزاء منه. كان يشرف بنفسه على اصلاح الاضرار. ولمّا لم يكن يجد عمالا يقومون بالمهمّة، كان يتولى الامر بنفسه وذلك كي يكون الـ”سبورتنغ” جاهزا في افتتاح موسم السباحة في نيسان ـ ابريل من كلّ سنة.
الحقيقة، انّه قلّما كان الـ”سبورتنغ” يقفل ابوابه في الصيف او في الشتاء، في الربيع او الخريف. كان جورج أبو نصّار دائما هناك يشرف بنفسه على المطعم وعلى تحضير الاطباق وعلى جودة المواد المستخدمة. لم يكن يفوته شيء. كان يتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة، بما في ذلك اختيار الأسماك التي تدخل مطعم الـ”سبورتنغ”.
ما سرّ جورج أبو نصّار؟ كيف استطاع تجاوز كلّ الحروب اللبنانية وتسليم المسبح بعدما تقدّم به العمر الى ولديه والى ابن شقيقته؟ لا جواب على ذلك باستثناء انّ لا شيء ينجح مثل النجاح. النجاح هنا، يعني المثابرة ويعني أيضا معرفة البلد بكلّ تفاصيله وكل اناسه وكلّ زعمائه. لم يكن يمرّ يوم الّا وهناك زعيم سياسي في الـ”سبورتنغ”. كان جورج أبو نصّار صديقا للجميع. كان هناك نواب ووزراء وكان هناك أيضا الرئيس عادل عسيران، رحمه الله، الذي غالبا ما كان يجلس مع جورج أبو نصّار في احد اركان المطعم التابع للمسبح جلسة صديق مع صديق له.
دافع جورج أبو نصار عن الـ”سبورتنغ” ومجتمعه المتنوع كما لم يدافع احد عنه. حافظ على الوجود المسيحي فيه في احلك الظروف. لم يحصل يوم مشكل من ايّ نوع في المسبح. على العكس من ذلك، كان الـ”سبورتنغ” مكانا يلتقي فيه الجميع. كان هناك مسيحيون يصرّون على المجيء اليه على الرغم من اقفال المعابر المعابر بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، أي بين بيروت ذات الأكثرية المسيحية وبيروت ذات الأكثرية المسلمة. كيف كان يعبر هؤلاء الى الـ”سبورتنغ”؟ كان ذلك سؤالا محيرا بالنسبة الى شخص مثلي كان يراقب تلك الظاهرة التي اسمها “جمهورية السبورتنغ”. ربّما كان ذلك عائدا الى ان كلّ من يدخل المسبح كان يشعر بالأمان، بغض النظر عما كان يدور خارجه، بما في ذلك من ذبح متبادل على الهويّة بين المسلمين والمسيحيين في بيروت.
في عز القصف الإسرائيلي لبيروت صيف العام 1982، بقي الـ”سبورتنغ” مشرع الأبواب امام قلة من اللبنانيين اصرّت على ارتياد المسبح في تحدّ للاسرائيلي وعدوانه. كان جورج أبو نصّار موجودا في مسبحه رافضا ان يقتلعه احدهم منه، هو الذي جاء الى لبنان بعد نكبة العام 1948، رافضا ان يتخلى يوما عن لهجته الفلسطينية. كان الفارق بينه وبين فلسطينيين آخرين، جاؤوا الى لبنان، انّه ساهم في بناء البلد وفي ازدهاره بدل ان يعمل من اجل التخريب والدخول في صراعات داخلية مع طائفة لبنانية ضدّ طائفة أخرى.
خدم جورج أبو نصّار لبنان اكثر من لبنانيين أخرين. لم يكن سوى عامل توفيق بين الناس. لعلّ اهمّ ما فيه انّه عرف كيف يحافظ على مستوى مسبحه الذي بقي مكانا يلتقي فيه لبنانيون من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق يتعاطون في ما بينهم باحترام شديد في جو هادئ بعيد كلّ البعد عما يدور في انحاء أخرى من المدينة.
مع رحيل جورج أبو نصّار، يظلّ العزاء الوحيد انّ الرجل عرف كيف يحافظ على اعز ما عنده، اي ان يبقي الـ”سبورتنغ” حيّا يرزق. لا يزال المكان جميلا وبسيطا. لا يزال يتطور نحو الأفضل من دون ان تخلّى عن مزايا الماضي التي جعلته مختلفا. لا يزال يواجه العواصف.
كلّ ما يمكن قوله ان المسبح ما كان ليبقى حيّا من دون فلسطيني احبّ بيروت ولم يدر لها ظهره يوما. هذا الفلسطيني الذي تعرفت اليه للمرّة الاولى مطلع سبعينات القرن الماضي كان شخصا من نوع آخر. كان على الرغم من وجهه، العابس أحيانا، في غاية الوفاء لاصدقائه. لم يتخلّ عن صديق يوما. لكنّ وفاءه الاوّل كان للبنان الذي استضافه ووفرّ له فرص النجاح، تماما مثل وفائه لـلمسبح الفريد من نوعه، خصوصا لجهة موقعه والذي عرف كيف يحافظ عليه ويتركه وديعة لدى افراد عائلته.
كان جورج أبو نصّار باختصار فلسطينيا عرف ان يكون لبنانيا اكثر من اللبنانيين وان يكون فوق التعصّب الطائفي والمذهبي… ان يكون من ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يولد مثلهم كثيرون في بلد يحتاج في مثل هذه الايّام، اكثر من ايّ وقت، الى مثل هذه الطينة من الرجال.
المسبح كان معروفا قبيل الحرب العالميةالاولى باسم ” مسبح ذكية” وكان مخصصا للنساء ولطالبات الكلية الانجيلية السورية و للنساء من الضباط الالمان في الحرب العالميةالاولى. يومها كانت الطريق مع الروشة مقطوعة بينما كان مسبح ماء الدالية ، قرب الروشة هو المسبح الخاص في تلك الايام لجمال باشا .لا اعلم شيئا عن تاريخ مسبح السبورتنغ من العالميةالاولى الى الثانية الى 1948. أرجح من روايات محمد عيتاني والد الاستاذ حسام عيتاني انه كان مسبحا مهملا او ملحقا بمقهى شاتيلا ، ذاك انالفرنسيين قد اختاروا المسبح المعروف اليوم باسم الحمام العسكري . صور بيروت في الثلاثينات تكشف اكثر.