لم يقم حزب الله بأي خطوة مقنعة، تجاه الرأي العام، تُبرئه فعليًا من تهمة تورط مسؤولين ومحازبين في جسمه التنظيمي بقضية تصنيع وتهريب المخدرات، خصوصًا في ما عرف تحديدا بقضية الكبتاغون. نفى الحزب مسؤوليته فيما جهازه الامني قام بما يلزم لتسليم بعض العاملين في الشبكة من خارج حزب الله، أما رؤوسها فتمت حمايتهم سواء بتهريبهم الى خارج لبنان او بحمايتهم من خلال الضغط على الاجهزة الرسمية والقضاء.
لم يقم حزب الله بما يتوجب عليه اخلاقياً وسياسياً لنزع كل ما طاله من اتهام بالتورط في تغطية الحاج صلاح عز الدين، رجل الأعمال الذي فرّط بمئات ملايين الدولارات العائدة إلى آلاف المواطنين الذين استثمروا اموالهم في شركاته، وهم يعلمون ان سيرة هذا الرجل نمت وترعرت في حزب الله وأن من زبائنه مسؤولين وعناصر وانصاراً، وانه من اشد المناصرين للمقاومة. ما رشح من سلوك حزب الله في هذه القضية انه استنقض بعض الاموال قبل تسليمه إلى القضاء، لا بل استكمل متابعة قضيته واحاطها بحماية وصلت الى سجن رومية الذي كان فيه عزالدين اشبه بالامبراطور، وصولا الى اصدار الحكم وتنفيذه مع الاستفادة من خفض المدة، ونقله من السجن الى خارج لبنان حيث يستقر اليوم في البرازيل.
لن يقوم حزب الله ايضا، في مواجهة قضية الأدوية الفاسدة، بما يفترض اخلاقيا وقانونيا وسياسيا. القضية التي طالت مسؤولاً في حزب الله، فضلاً عن كونه شقيق احد نوابه. فالمعني بهذه القضية والمتورط الاول صار خارج لبنان منذ اكثر من اسبوعين. ويرجح ان تدخل القضية في دهاليز النسيان بعد استثمارها سياسيا، وعلى قاعدة “شو وقفت عليّ؟”، ومنطق: “هناك من سرق وقتل وأفسَد من خصومنا ولم يعاقب”.
هكذا يجري تمييع وتمويت قضايا الفساد في لبنان، لأن الفساد في لبنان يرتبط بالنفوذ دائمًا، والطريق اليه معروف ولا يحتاج الى مرشد، هو السلطة. فكيف اذا كان المفسد يتمتع بحماية سلطة الدولة وسلطة المقاومة؟… سيصاب بالبطر والطغيان والاستهتار حتى في صحة الناس وارواحهم.
نعرف ان في لبنان “نظام فساد” وحزب الله يعتبر نفسه أرقى من أن يدخل في مسالكه وهو في منأى عنه، وظلّ يزاود مسؤولوه على أقرانه بأنه حزب لا يريد من الدنيا الا الكرامة والشهادة وخدمة الناس بأشفار عينيه: “وان الله اغنانا عن المال العام”، وانّ “كل ما لدينا هو من ايران”. وهو يعرف ايضا ان تنامي سلطة الحزب ونفوذه، السياسي والامني، اتاح لبعض محازبيه فرص التأثير والتدخل والانتفاع المشروع وغير المشروع في العديد من المال العام، سواء عبر الاداراة العامة ووزاراتها، مرورًا بمرافىء الدولة ومعابرها البرية والبحرية، الى المجالس البلدية والتعديات على الاملاك العامة من مشاعات وغيرها. والحزب يصرّ على تنزيه نفسه عن نظام الفساد باعتبار ان هذا النظام هو حرفة خصومه وبعض حلفائه، ما يجعله امام اسئلة مريرة حيال المسار الذي ينتهجه والهدف الذي يبتغيه.
في الفضيحة الاخيرة ما يشير الى ان الشركة المتورطة في ادخال الادوية الفاسدة عمدت الى تزوير تقارير مخبرية وتوقيع وزير الصحة العامة. هذا السلوك يعبر عن فائض من الشعور بالقدرة على تجاوز القوانين وباطمئنان. ولأن المتهم في حزب الله يستند الى حقيقة وجود حماية وتغطية تتيح التملص من العقاب. فالحزب عوّد جمهوره على التهاون في قضايا الفساد إذ لم يقدِم هذا الحزب، ومنذ بدأت عملية الاعمار بعد حرب تموز 2006، على تقديم نموذج واضح، لا في القرارات العلنية ولا في الاعلام، يظهر من خلاله ان السارق والفاسد والمفسد من محازبيه يعاقب عقابا شديدا. في قضية الكبتاغون وفي فضيحة بيع سلاح المقاومة لم يعرف اللبنانيون ان متورطا تمت معاقبته، وان مثل هذه الارتكابات ادت بصاحبها الى المهالك. كان سلوك الطمر والتغطية وتسويف القضايا هو ما يصل الى اللبنانيين، وهذا سلوك ينطوي اما على تورط يتجاوز الافراد الى المؤسسة الحزبية، او ان حزب الله يعلم ان ما ظهر ليس سوى رأس جبل الجليد. وإذا كان فساد البعض في الدولة تجسد في توظيفات أو سرقات، فإنّ فساد الحزب، أو محازبيه، هو الأخطر في تاريخ الجمهورية، إذ إنّه يتراوح بين سرقة جنى عمر الشيعة من جهة عزّ الدين، مرورا بالمخدّرات المحلية رخيصة الثمن، والتي في متناول العامّة، وصولاً إلى الأدوية الفاسدة التي تقتل بدل أن تطبّب… وفي ذلك قمّة الفساد والكفر.
من جهة أخرى ترى المحازبين يدافعون عن لافتة هنا أو هناك، بدل أن يدافعوا عن أدويتهم وأموالهم وصحّة أبنائهم. إنّه زمن العمى.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
جريدة “البلد”