صدق نابليون عندما اعتبر أن سياسة الدول تكمن في جغرافيّتها. ومما لا شكّ فيه أن إيران تتمتع بموقع جيو استراتيجي مميّز وبإمكانات هائلة، وتُصنّف من ضمن الدول الإقليمية الطامحة لتأدية دور كبير في المنظومة العالميّة قيد التشكيل. ومن الناقل القول إن التحوّل من عهد الشاه الذي كان يُسمّى إمبراطوراً بالفعل، إلى عهد الولي الفقيه منذ نهاية السبعينيات في القرن الماضي، لم يغيّر شيئاً ملموساً في ثوابت السياسة الإيرانية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
بعد وضع حدّ لمشروع تصدير الثورة الإيرانية عبر حرب العراق – إيران (1980 – 1988)، لم تنجح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تصدير نموذجها الأصلي إلّا لـ”حزب الله” في لبنان منذ العام 1982 إلى يومنا هذا. لكنّ الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق قدّمت أكبر خدمة لإيران في التخلّص من دون جهد من عَدُوَّين لدودين (طالبان والرئيس العراقي الراحل صدام حسين)، ما جعل من الجمهورية الإسلامية لاعباً إقليمياً لا يمكن الالتفاف عليه إلى جانب قوّتين غير عربيتين هما إسرائيل وتركيا.
وضمن لعبة التجاذب الإقليمي والدّولي ونتيجة تعثّر مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي دعا إليه “المحافظون الجدد” في الولايات المتحدة الأميركية، نجحت إيران في تسويق مشروعها حول “شرق أوسط إسلامي” بقيادتها نتيجة نفوذها في عراق ما بعد 2003، وتحالفها الاستراتيجي الحيوي مع النظام السوري وركيزتها الإيديولوجية في لبنان وتحالفها مع حركتي “حماس”، المنظمة التي تشهد انقساماً حيال مستقبل العلاقة مع إيران، و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني، وكلّ هذا سمح لإيران بتكوين ما سمي “الهلال الشيعي من طهران إلى غرب البحر الأبيض المتوسط”. ويشكل هذا الإنجاز تتويجاً لحلم امبراطوري إيراني في الوصول إلى قلب بلاد العرب، وهذا لم يحدث سوى مرّة واحدة منذ أيام الملك كورش.
لا يلغي هذا الانطلاق نحو المتوسط السعي إلى السيطرة على منطقة الخليج العربي، عبر افتعال الإشكالات حول اسم الخليج وهويته، فاحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، والسعي إلى اختراق مجتمعاته تحت عناوين مذهبية بهدف مدّ السيطرة إليه خصوصا إلى البحرين التي كانت دوما في دائرة الاستهداف الإيراني. وإذا تأكدّت المعلومات الواردة من المملكة العربية السعودية، أواخر الأسبوع الماضي، حول إحباط تسلّل زورق بحري مُحمَّل بالمتفجرات وتابع للحرس الثوري الإيراني، فإن هذا يشكل منعطفاً خطراً في العلاقات بين ضفّتَي الخليج.
ناهيك عن الطاقات الهائلة من النفط والغاز، بدأت الجمهورية الإسلامية العمل على تطوير برنامج نووي منذ أيام الشاه، استؤنف بعد نهاية حرب العراق – إيران بناء على مطالب قدّمها قادة من الجيش والحرس الثوري الذين لم يتقبلوا النتيجة غير المُشَرّفة للحرب مع العراق، وركّزوا على بناء قوّة ردع نوَويّة.
هكذا منذ البداية، لم يكن المشروع الإيراني النووي مبرمجاً للحصول على طاقة نوَويّة مدنيّة في بلاد مناخها سيىء وموجودة على فيالق زلزالية وفيها ما يفيض من الغاز والنفط، بل كان مرتبطاً بهدف إنتاج قنبلة نوَويّة ليس لسبب دفاعي بحت، بل لتعزّز طهران من عناصر قوّتها ومدّ هيمنتها على الإقليم والجوار، وأي متابع لمجريات المسلسل الطويل للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني منذ عشر سنوات يتضح له جلياً أن إيران تعمل من دون كلل أو ملل على تجاوز كلّ العقبات والعقوبات من أجل الوصول إلى هدفها.
في خضمّ هذه المعطيات أتت حركات ما يسمّى بـ”الربيع العربي” لتخلط الأوراق في منظومة الشرق الأوسط كلّها وتجعل الحسابات الإيرانية أكثر صعوبة وتعقيدا.
أمّا في التسلسل الزمني، فوصلت طهران إلى قمّة نفوذها بين عامي 2006 و2008 بعد حرب “حزب الله” مع إسرائيل. لكنّها أخذت في التراجع مع “الربيع العربي” وانسحاب القوّات الأميركية من العراق، حيث أفقد ذلك طهران ورقة ابتزاز مهمّة ضدّ واشنطن، ولو أنها نالت المزيد من النفوذ في العراق لاحقاً. ومع امتداد الحركات العربيّة إلى سوريا اهتزّ الحليف العربي الأوّل لطهران وهو كان بمثابة الجسر لتوسيع نفوذها نحو المتوسط، ما أدّى بالتالي لإضعاف حليفها الأول “حزب الله”.
الى هذا، فخريف 2012 يوحي بأنّ المشروع الامبراطوري الإيراني في خطّ دفاعي على عكس ما تحاول أن توحيه طهران: الحرب الإلكترونية والحرب السياسية والعقوبات الاقتصادية، أضعفت طهران كثيرا وأخّرت برنامجها النووي، وذلك في سباق مع الزمن لمنع طهران من السيطرة على دورة الوقود النووي فيصبح كل الحلم الإيراني على المحك.
وإذا ذهبت إيران بعيدا في برنامجها وأصدر المرشد علي خامنئي قراره بتصنيع أوّل قنبلة نوَويّة إيرانية، فالنتائج ستكون وخيمة واحتمال العمل العسكري وارداً بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. أما الاحتمال الثاني والأرجح فهو استمرار المماطلة والتسويف والمحاربة بالوكالة إلى جانب النظام السوري، في محاولة جديدة لابتزاز العالم عبر الورقة السورية التي تأخذها طهران رهينة في سوق المساومات الإقليمية والدولية.
وما التورّط المتزايد في سوريا بدءاً من الدعم المالي (10 مليارات دولار منذ آذار 2011) إلى جانب تجنيد حكومة نوري المالكي للغرض نفسه، إلا الدليل القاطع على أن طهران تعتبر معركة سوريا معركة إيرانية بامتياز حيث تساهم بقيادتها وتوجيهها.
وفي تفسير للحدث الأمني الكبير في لبنان، المتمثّل باغتيال اللواء وسام الحسن، تتفقُ الكثير من الأوساط الأوروبية على أنّ لبنان حالياً في عين العاصفة، وأن المحور الإيراني يحاول ربما التمسك بلبنان كجائزة ترضية ونقطة ارتكاز بينما يتهاوى الحليف السوري.
شبّه الإمام الخامنئي لبنان يوماً بإسميرالدا (الفاتنة التي صنعها فيكتور هوغو في رائعته أحدب نوتردام)، لكنّ لبنان ليس اصطناعياً، بل هو راسخ كجباله وأرزه، ولن يكون قرباناً للطموحات غير المشروعة ولأطماع إيران أو غيرها.
جوهرة الشرق بيروت لن تكون درّة على تاج أي امبراطورية، وشمس لبنان لن يطفئها القتلة.
khattarwahid@yahoo.fr
جامعي وإعلامي لبناني
جريدة الجمهورية
تداعيات المشروع الإمبراطوري الإيراني والممرّ اللبناني المقال في خاتمته يشرح بدايته،ان المشكلة في هذه الشعوب عندما تكره يظهر ذلك جلياً في مواقفها ولو كانت تحب تستدر كل المواقف التي تفيد غرض مقالها وهذا حال الكاتب قاتله تقدم ايران النوعي وأؤكد له بأن الحلم الذي غارقاً فيه سوف يكون كابوساً عند شروق شمس الحقيقة، الموضوعية مفقودة كل ما في الأمر أنك تحاول أن تربط قضايا ببعضها بغرض تدعيم جدار مقالك المتهالك واختم ناصحا بان انتبه من نوم اليقظة فالقتلة هم أولئك الذين يقتلون بغير وتر ولا سهم كالقلم الذي تكتب به وذلك عند شخوص الأعمال وعض الأنامل يومه يتمنى المكابر أن… قراءة المزيد ..