قضى أبو عباس في “عملية جهادية”، مثل الـ1200 شهيد من مقاتلي الحزب الذين سقطوا في مواجهة اسرائيل في حرب تموز 2006. هذا ما أراد الحزب الحاكم قوله، وفحواه، إنه يرى الشعب السوري، في ثورته اليوم، كما يرى إلى العدو الاسرائيلي، والجهاد ضدهما واجب شرعي، بينما النظام الأسدي في موقع لبنانيي الجنوب، يجب الاستشهاد لحمايتهما.
ولأن سلاح الحزب لحماية اللبنانيين من اعتداءات إسرائيل، كما كرر أمس نائب أمينه العام، فإن أبا عباس، بلسان رئيس الهيئة الشرعية، ووكيل المرشد خامنئي، ذهب إلى سوريا لحماية لبنانيين مقيمين هناك، لكنه لم يقل إذا كان “حماهم” لأنهم من فئة بعينها، وهذا قد يتيح أن نرى مقاتلي الحزب في إحدى دول إفريقيا التي قد يطيح انقلاب فيها مصالح مغتربين، من الفئة نفسها، أو لأنهم لبنانيون فحسب، وهذا يستدعي السؤال لماذا لم يُذد أبو عباس، وأمثاله، عن أهالي عرسال وقرى وادي خالد، التي لا تنفك تقصفها مدفعية النظام؟
أيا يكن المسوغ، فإن الحزب الذي تفنن في نصح قوى 14 آذار بالإبتعاد عن أي تدخل في ما يجري في سوريا، واستعار كل ملكة قياداته اللغوية، ليؤستذ في حفظ الوطن والنأي به عن الارتدادات السورية، لم يستطع تجنب الوقوع في شرك الحقيقة، بعدما تضخم عدد قتلاه في حربه ضد الشعب السوري، وصار يحتاج إلى انفجار في النبي شيت يمكن ركامه أن يطوي أي رقم.
لكن الانتقال من القول بمقتل أبي عباس في “عملية جهادية”، إلى الإقرار بأنه قضى في سوريا، وتبرير ذلك بحماية لبنانيين يقيمون هناك من زمن سايكس – بيكو، أو بأن ما يجري يستهدف المقاومة، يفضح تخبطاً لم يعتده اللبنانيون من الحزب الذي أتقن باستمرار عمليات الإخراج الإعلامي والمشهدي.
إنها مرحلة تعثر سياسي تفضح محدودية خياراته في وضع إقليمي دقيق لا يملك حليفاه الأسدي والإيراني أي تصور لغدهما فيه، وتالياً غده: لا يملك قدرة التراجع الى “اللبننة” التي يشجعه خصومه على الانخراط فيها منذ عام 2005، ولا يمكنه الاندفاع، بقوة، في خياره الأساسي الذي لا يعرف متى يندثر. لذا لا يملك اليوم، سوى تلفيق التبريرات، والتخبط بينها. لكن ذلك يواجهه، أول ما يواجهه، بسؤال جمهوره: إلى أين؟ وكيف يبرر وقوفه، اللفظي، إلى جانب كل ثورات الربيع العربي إلا الثورة السورية، وهل أن ظلم الديكتاتوريات ذو نكهات، بعضها يستساغ، كالديكتاتورية في سوريا، وبعضها لا يستطاب كالديكتاتوريات التي سقطت؟ وهل الشيعة اللبنانيون، دون غيرهم، مضطرون الى رمي أولادهم للموت مجاناً، أو للخطف على الهوية لعداء مع الشعب السوري جُرّوا إليه بولاية فقيه لم يكونوا يوماً لها، ولم تكن لهم؟
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار