“رغم عدم تيقن العديد من المسؤولين الروس حول هوية من ارتكبوا المجازر الأخيرة، إلا أن تلك الأحداث تمثل اختباراً خطيراً للعلاقات الروسية السورية.”
كان ذبح المدنيين في الحولة بسوريا – وما تلى ذلك من مجزرة أخرى واحدة على الأقل وفقاً للتقارير – بمثابة صدمة خطيرة بالنسبة لروسيا. فرغم تصريحات المسؤولين بأن موقفها تجاه سوريا لم يتغير، إلا أن موسكو منقسمة حول كيفية التعامل مع نظام الأسد بعد هذه الفظائع. فقد صرح نائب رئيس البعثة الروسية في الأمم المتحدة ألكسندر بانكين، بأن تلك الأحداث قد تكون وراءها قوى لها مصلحة في تقويض جهود السلام التي يقودها كوفي عنان. إلا أنه خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، أدان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استخدام النظام السوري للدبابات والمدفعية ضد المدنيين العزل. وفي غضون ذلك، أشار الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش إلى أن المعارضة وأنصارها الأجانب ربما يكونوا الأطراف الرئيسية وراء هذه المأساة.
وفي ضوء هذه الشكوك، تحاول موسكو كسب المزيد من الوقت، حيث تدرس الوضع بعناية وتصوغ استراتيجيتها الخاصة حول كيفية وقف إراقة الدماء مع تجنب التدخل العسكري أو التغيير الفوري للنظام أو التصورات بأن لها علاقات وثيقة بالنظام. وبقيامها بذلك، تُطارد الحكومة – إلى حد ما – أشباح المجازر المدنية الماضية وتجربة روسيا مع نظم أخرى غير جديرة بالثقة.
أشباح كراسوها وخاتين
تعمل مقاطع الفيديو لحالات وفاة المدنيين على تذكير الروس بالعديد من المجازر النازية في بلادهم أثناء الحرب العالمية الثانية – لا سيما، في قريتي كراسوها وخاتين، حيث حرق الألمان السكان أحياء. ولا تزال هذه الجراح حية إلى حد ما في عقول السلطات الروسية التي تتسم ردود أفعالها تجاه أي جرائم حرب مؤكدة ضد المدنيين بالصرامة والخشونة. فعلى سبيل المثال، أعربت موسكو عن مخاوفها بشأن المحاولات الدورية من قبل الألبان في كوسوفو لشن حملات تطهير ضد معاقل الصرب، واعترفت بجرائم ستالين ضد البولنديين في خاتين، وأدانت فظائع جورجيا في تسخينفال.
ومن ثم، ورغم شكوك روسيا بشأن من قام بتنفيذ تلك المجازر في سوريا، إلا أن حقيقة أن دمشق لم تُحرك ساكناً للحيلولة دون وقوع تلك الأحداث تجعلها مسؤولة وإن جزئياً على الأقل. كما أن وجود أدلة على قصف الدبابات والمدفعية في منطقة الحولة سيؤدي أيضاً على الأرجح إلى تبني موسكو لموقف أكثر صرامة مع النظام.
شبح السادات
لم يكن بشار الأسد يوماً ما محل ثقة مطلقة من موسكو. فلا تستطيع السلطات الروسية أن تنسى أن الأسد حاول – في البداية بعد انتخابه – رأب العلاقات مع أوروبا؛ ولم يوجّه اهتمامه إلى روسيا إلا بعد فشل تلك المحاولة. وهذه الحقيقة تجعل موسكو حذرة بشأن احتضان دمشق باعتبارها حليفاً استراتيجياً. ففي خطاب للرئيس فلاديمير بوتين على سبيل المثال، ذكر أنه لم يرغب في تكرار الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد السوفييتي مع مصر من خلال ثقته بالنظام السوري الذي يمكن أن يغير ولاءه على الفور مثلما فعل أنور السادات مع موسكو في سبعينيات القرن الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، لدى روسيا أسئلة للأسد بشأن المنشأة النووية في موقع “الكبر” الذي دمرته إسرائيل في عام 2007، فضلاً عن طبيعة كون الذخائر الروسية التي تباع إلى سوريا ينتهي بها المطاف من وقت لآخر في أيدي «حزب الله».
أشباح بيسلان وكيزليار
على الرغم من هذه المخاوف فإن موسكو لا ترغب في اتخاذ تدابير مفاجئة. فجوانب كثيرة من المجازر تثير تساؤلات بين السياسيين والمحللين والخبراء الروس بشأن من الذي نفذ فعلياً عمليات إطلاق النار على المدنيين وطعنهم. ويرى الروس بقوة استناداً إلى خبراتهم في الشيشان أن الإسلاميين المتطرفين والمتمردين الغاضبين هم أكثر قدرة على تنفيذ تلك الفظائع من أجهزة أمن الدولة التابعة للنظام أو الجيش. وللأسف، يفهم القليل من الروس – حتى على مستوى الخبراء – أن الأسد يكمل هذه القوات النظامية بوحدات شبه عسكرية (الشبيحة)، التي هي بطبيعة الحال قادرة بشكل مثالي على ارتكاب مثل تلك الأفعال ضد أنصار المعارضة. وعلى أي حال، فإن صور المجازر تذكر الروس بمشاهد مماثلة في قريتي بيسلان (في 2004) وكيزليار (في 1996)، حينما استخدم “مقاتلو الحرية” الإسلاميون الأطفال والنساء الحوامل على التوالي كدروع بشرية. وهذا هو سبب تحذير موسكو للمجتمع الدولي حول التحقيق في هذه الحوادث السورية بعناية قبل اتخاذ أي إجراء.
إن أي تورط للمتشددين في هذه الفظائع من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بالموقف الروسي تجاه المعارضة السورية. كما أن موسكو قلقة للغاية من بزوغ نجم الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الجهود التي تبذلها قطر والمملكة العربية السعودية لدعم الفصائل الأكثر راديكالية في ليبيا ومصر وسوريا. ويعتقد المسؤولون أن الوضع الراهن في المنطقة يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الداخلي من خلال إثارة المتطرفين الإسلاميين في روسيا لاتخاذ مزيد من الإجراءات العدوانية المناهضة للحكومة؛ والحقيقة هي أن الأجهزة الأمنية في موسكو لاحظت زيادة حجم المساعدات المالية القطرية والسعودية للإسلاميين في روسيا. ومن ثم فمما لا يثير الدهشة أن موسكو لا تريد زيادة نفوذ الإسلاميين في سوريا.
وفي الوقت نفسه، غيرت روسيا تدريجياً من موقفها تجاه المعارضة داخل سوريا باعترافها بأن العديد من المجموعات تنتقد الإسلاميين بشكل حاد. وبناءً على ذلك، أبدت موسكو موقفاً إيجابياً تجاه استقالة رئيس “المجلس الوطني السوري” برهان غليون، الذي مع يعتقد الخبراء الروس أنه يرتبط بشكل وثيق مع جماعة «الإخوان المسلمين». كما صرح الدبلوماسيون الروس خلال الشهر الماضي من حين لآخر بأنهم يسعون للتواصل مع المزيد من مجموعات المعارضة داخل سوريا. بيد أن هذا التواصل الوليد يمكن أن ينتهي سريعاً إذا ما اقتنعت موسكو بتورط المتطرفين في هذه المجازر.
أشباح يوغوسلافيا
وأخيراً وليس آخراً، تخشى روسيا من تكرار ما حدث مع يوغوسلافيا في عام 1999، عندما استغل حلف شمال الأطلسي اكتشاف العديد من المقابر الجماعية – والتي لا تزال أصولها غير واضحة – في قرية راتشاك لتبرير تجاوز الأمم المتحدة والقيام بعمليات عسكرية هناك. ولذلك، صرح لافروف مباشرة بعد المذبحة التي ارتكبت في منطقة الحولة بأن روسيا سوف تحول دون محاولة دول أخرى من أن تجعل تلدو (القرية التي حدثت فيها المذبحة) راتشاك أخرى. كما أن موسكو ليست قلقة إزاء زعزعة الاستقرار في سوريا في أعقاب التدخل العسكري، ولكنها قلقة من احتمالية قيام الولايات المتحدة وشركاؤها بمهاجمة سوريا دون موافقة مجلس الأمن الدولي. فمثل هذا التطور من شأنه أن يقوض الأمم المتحدة والتي لا تزال إحدى الأدوات الرئيسية التي تستخدمها روسيا لفرض النفوذ وتذكير الآخرين بدورها الفاعل في العالم.
ماذا بعد؟
تسعى موسكو كما ذُكر سابقاً إلى كسب المزيد من الوقت من أجل إقناع المجتمع الدولي بعدم اتخاذ خطوات متسرعة مثل التدخل العسكري. ففي الأسبوعين الماضيين فقط، ناقش المسؤولون الروس الوضع الراهن مع نظرائهم في الجزائر والصين وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والعراق والولايات المتحدة وبريطانيا. والرسالة التي يبعثونها لا تتغير: اتباع نهج متوازن ومعقول لحل هذه الأزمة هو الطريق الوحيد للمساعدة في إحلال السلام والاستقرار في سوريا.
وخلال زيارة قام بها الى بكين في 6 حزيران/يونيو دعا لافروف إلى عقد اجتماع يضم جميع البلدان والمنظمات الدولية القادرة على التأثير على الوضع الراهن في سوريا، بهدف تنسيق الجهود المبذولة لتنفيذ خطة عنان. ويرى لافروف أن هذه المجموعة تضم إيران وتركيا وأعضاء مجلس الأمن الدائمين والسلطات العليا في الاتحاد الأوروبي و”منظمة التعاون الإسلامي” وجامعة الدول العربية. وليس من قبيل المصادفة أن يكون جزء كبير من الأفكار الروسية حيال سوريا مماثلاً لما ورد في النسخة المنقحة مؤخراً من خطة عنان.
نيكولاي كوزهانوف خبير في معهد الشرق الأوسط في موسكو. وقد شغل منصب ملحق في السفارة الروسية في طهران في الفترة 2006 – 2009.
رد روسيا على المجازر في سوريا مذبحة الحولة كنا نسمع عن مجازر دير ياسين فتخرج المظاهرات. كنت طالبا صغيرا فوق الست سنوات ونحن نهتف: بن غوريون مثل القط هو ودالاس صار ينط! أنا الآن رجل تجاوز الستين، فأرى عمق الأزمة الداخلية؛ فقد كانت المذبحة في الحولة مع نهاية ماي 2012م في سوريا تنسي كل مجازر بني صهيون. ويتفرج بنو صهيون على العرب وهم يقتتلون ويفتكون ببعضهم بما لا تفعله الضواري في الغابات. فعلا، يمكن ضغط سوريا في ثلاث كلمات: أسد وغابة وعصابة. غابة تسرح فيها الضواري تفترس الضعاف بدون قانون وحرمة، ومتى كان قانون الغابة غير أن القوي يفترس الضعيف!… قراءة المزيد ..