من طبيعة الاشياء أن يحتوى الشيء على نقيضه. ثم يتفاعلا معا لينتجا شيئا جديدا يحمل نقيضا جديدا ينتج هو الاخر شيئا جديدا. وهكذا تستمر الحياة وتتطور الدنيا.
ما يحدث فى مصر الآن هو تطبيق لهذه القاعدة. انتهى نظام مبارك بسبب تناقضاته، وأفرز نظاما جديدا يتشكل الآن، وسيطير النسر المصرى بجناحين أحدهما قديم والاخر جديد لكنهما سيخفقان معا إلى أن يفرز تناقضاته. بعد أن أثبتت الاحكام التى صدرت يوم السبت فى قضية القرن برءتهم مما نسب إليه،م أى أنها برأت جميع أركان النظام المتهمين بالقتل ونفت عن مبارك وأبنائه وأعوانه كل إتهامات بالاختلاس أو سؤ استخدام السلطة وإن كانت د إختصته مع وزير داخليته بحكم يبدو فى الظاهر قاسيا لكنه جاء، عن قصد، مليئا بالعيوب قاصرا فى التسبب وسيتم نقضه فى المرحلة التالية ليسفر عن تخفيف فى العقوبة يعقبها عفو.
وهكذا امتص النظام صدمة الغضب وطوّر نفسه، وبقى الوضع على ما هو عليه حتى وإن تغيرت المظاهر. وسيتقاسم النظام القديم السلطة مع أعدائه السابقين، الاخوان المسلمين والسلفيين. ويبقى المصريون بين المطرقة والسندان: فاشية النظام السابق وفاشية الاسلاميين. وسبب بقائهما أنهما يتمتعان بانتهازية ووصولية عجيبة مكّنتهما من التألف للوصول إلى سدة الرئاسة، وهكذا يقول لهم القضاء أن الثورة عمل لا معنى له، وعلى الانتفاضة المصرية أن تعتذر وأن تعلن عجزها عن المضي قدما وتتحول فى توصيفها الحقيقى إلى مظاهرات أدت إلى تغيير رئيس بنائبه أو رئيس وزرائه دون أن تحل للشعب المصري مشكلة واحدة، ودون أن يمس كيان الدولة القديم وأجهزتها القمعية الممثلة فى الجيش والاستخبارات العامة والقيادات الهامة فى وزارة الداخلية إى سؤ، “وكأنك يابوزيد ماغزيت”.
لكن ما الذي يعنينا فى شأن مصر، ولماذا نشغل أنفسنا به؟
الذى يعنينا أن هناك محاولة واضحة لنقل التجربة إلى ليبيا، كما اتضح أخيرا فى المحاولة السافرة من شيخ يتكلم بالقرأن ولا ينطق عن الهوى، ويعد نفسه قدسا من الاقداس ويحسب أنه صانع الثورة ومرشدها القادم. يتميز بالانتهازية والنفاق، ويملك قدرة لاعب السيرك المحترف على التلون والانتقال ببساطة وسلاسة من حبل إلى حبل ومن فريق إلى فريق.
وينقلون عنه قبل قيام الثورة فى مدح سيف القذافى القول بأنه ( لو حكم عمر بن الخطاب ليبيا فلن يحكمها بعدل الدكتور سيف وحكمته). ثم، وبعد نجاح الاخوان المسلمين والتيار السلفي فى إنتخابات مجلس الشعب المصري، انقلب فجأة إلى داعية إسلامى متشدد ودعا إلى اتحاد القوى الاسلامية فى تيار واحد لاكتساح الانتخابات الليبية وتأسيس الدولة المسلمة التى يحكمها العلماء الربانيون- وهو إعلاهم ربانية ولا شك– وطرد جميع الليبراليين والعلمانيين منها. ثم تكوين الدولة المسلمة الكبرى من المحيط إلى حدود إسرائيل، ووضع الدستور والقوانين. وحدد لكل شخص موقعه ومكانه، وبقي له شئ واحد فقط عاش طوال حياته ينتظره ويخطط له، هو الوصول إلى الحكم.
والرجل فى الحقيقة لا يستحى من هذا التلون وهذا النفاق. ولديه فيما يقرأ ما يدله على أن من واجب المسلم الوصول إلى الحكم بأى طريق وبأى ثمن.( راجع: محمود الصباغ، التنظيم الخاص) وخصص مباحثه الشرعية فيما سماه “فقه التمكين” أي فقه الوصول إلى الولاية. ولما فشل توجهه الاسلامي الصرف، ارتدى زي الواقع وأنشأ مع شركائه حزبا ذا توجهات ليبرالية وضع على رأس قائمة مرشحيه سيدة كاشفة – لو كانوا صادقين لكشفوا عن وجوه نسائهم – وأعلن أن الشريعة هى مصدر من مصادر التشريع لكنها ليست المصدر الوحيد. وأرسلوا بعض الشباب إلى البرازيل للتدرب على نفقتهم فى رياضة كرة القدم. وسيفعلون كل ما يستطيعون للوصول إلى سدة الحكم لكن إن جلسوا على الكرسى مرة فليس لهم ان يتركوه إلى الاخرين. إذ لا يجوز أن يتولى حكم المسلم إلا من هو أكثر إسلاما. والتفريط فى الولاية أمر محرم شرعا وأستمرارهم فيها أداء لواجب شرعى وليس بسبب رغبتهم فى الحكم.
وسوف لن تسرى علينا ألاعيبهم المكشوفة، كما أننا لن نسألهم عن مصادر تمويلهم لانها معروفة للجميع.
وحبث أن هذا الشيخ ما تدخل فى أمر إلا أفسده. وما تحدث إلا جر عليه النقمة وأثار الغضب بعد أن انكشفت كل حيله وإلاعيبه كساحر عجوز– إقرأوا تعليقات القراء حيثما ورد إسمه – كما أنه يخشى أن يتحول الراعى الرسمي عنه ويراهن على خيول جديدة، ذلك أن هذه الامارة التى ترعاه لا يعنيها شأن الاسلام أو إنتصار مؤيديه إنما تعنيها مصالح تحب أن تحميها فى ليبيا وتبحث عن طرف قوي يكون لها دعماً وسندا. والشيخ يعرف أنه لم يعد هو الدعم أو السند لانه ليس الشخص القوي.
فماذا يفعل الشيخ وجماعته؟
لجأوا لتكرار التجربة المصرية ومحاولة الاستفادة منها فى ليبيا. وكما أن التاجر المفلس يبحث فى دفاتره القديمة، رأى أن أصدقاءه القدامى بقايا نظام العقيد الهالك، يمكن أن يكونوا دعما إنتخابيا له. يفسر ذلك الارقام الخيالية التى أحصاها لعدد الليبيين المقمين بمصر والتى قدرها بسبع مئه ألف شخص. يحسبهم كتلة إنتخابية ضخمة، وطلب لهم حق التصويت معتقدا أن أصواتهم ستكون لصالحه وسترفعه بالتأكيد إلى ولاية الامر. كما وأن الشخوص الكبيرة فيهم يمكن أن يشكلوا بأموالهم مصدر تهديد للدولة الليبية فى وضعها الهش الحالي. ولو تمكن من الكلام باسمهم، لأصبح مصدر تهديد وقوة قد تعيده إلى أحضان إمارته الحبيبة.
ثم تتمادى به الحقارة إلى القبول بطلب استعادة جثة القدافى ودفنها فى جنازة رسمية. ومعاملتهم مع قلتهم وتفاهة عددهم معاملة الند للند وكأنهم شركاء فى الحكم لهم نصف المقاعد ونصف الوزارات. ويطالب الشيخ الحامل لكتاب الله والعامل بسنة رسوله، بمعامله هؤلاء المجرمين والقتلة كأنهم فرقاء فى حرب وقعت بينهم هدنة أو كأنهما طائفتان من المؤمنين اقتتلتا فعليه أن يصلح بينهما. ألا يؤيد ذلك ما أقول حول نقل التجربة المصرية؟
سيحاول ويحاول وسيخرج كل مرة بألاعيب جديدة ليسرق الكاميرا ويبقى فى الكادر، لكن لا بأس! فعندما يختل عقل رجل عالم تقول عنه العامة ( الكتب تكسرت عليه)، ويبدو أن هذا تشخيص دقيق لحاله؟ فأمسى واهما أو مخبولا يظن أنه يمكن الوصول إلى سلام يجمع الفرقاء ويسمى نفسه بـ”لجنة المصالحة”، مهمتها أن تقوم بجهد لتقريب وجهتى نظر بين صديقين كلاهما على حق حدث بينهما سؤ تفاهم.
ووجد الهاربون أنفسهم موضع إهتمام فاستشعروا القوة ودبت فىهم روح قدافية جديدة. وتعلن “الاخت أحمد قداف الدم” (هكذا كان يناديه أبناء القدافى، راجع كتاب شلقم: أشخاص حول القدافى، الجزء الخاص به) أن الليبى لن ينحني لليبي آخر. لكن هذا الكائن سينحني حتى يلعق أسفل الحذاء بعـد أن لعق أعلاه ثم لن يرأف به أحد ولن يقبل توبته أحد وستمتص مصر أمواله كلها ثم تلقيه كأخسّ حشرة ملوثة بالدم قاتلة لشعبها خائنة لوطنها..
وفى تاريخ الشيخ وكتابه الذى يقرأه هل يستوى المؤمنون والظالمون؟ وهل الجرائم التى ارتكبوها وحرب الابادة التى شنوها والحقد والكره الذي جابهونا به تبرر لأي شخص مهما كان محايدا أن يتقرب إليهم أو يحاول الصلح معهم؟ إن بيننا وبينهم دم مسفوح وأعراض مستباحة ووجود أحدنا لا بد أن يلغى وجود الاخر. والكراهة بيننا عميقة لن يجدى معها الصلح ولا الحديث عنه. المضحك فى ألامر أن بعضاً من هؤلاء الحقراء قد احتقروه ورفضوا الجلوس معه، كما أن أعضاء المجلس الانتقالى تنصلوا منه ولم يعترفوا بمهمته. (قال إبن الاثير فى النهاية’ إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى) والمنبت هو من انقطع به سفره وتعطلت راحلته. وهذا حديث ضعيف لكنه يليق بالشيخ ويصف حاله.
الذى جعل أجهزة الاستخبارات المصرية تهيئ له اللقاء وتتدخل للجمع بينه وبين العصابة الليبية المارقة فى تحالف واحد هو أن مصالحه هنا تتفق مع مصالح الدولة المصرية وجماعة الاخوان المسلمون الحاكمة. لان إستقرار هؤلاء الهاربين فى مصر يشكل تهديدا للمصالح المصرية فى ليبيا. لكنها ورقة اللعب الاخيرة فى يد المقامر المصرى. وبرغم أنه سيلجأ لحيل كثيرة ولن يستسلم بسهولة ولا يرغب فى الخسارة، فأنه يوشك على مغادرة المائدة. لذا يكون الحل الاخير أمامه هو الجمع بين النقيضين فى شئ تدفعه تناقضاته لينتج شيئا جديدا يكمن فبه الحل الكامل للمشاكل المصرية المعقدة. وبثبت للدولة الليبية جناحان خفاقان كجناحى الطائر المصرى. وحيث أن الطيور على أشكالها تقع، فسيقع علينا النسر المصرى لنبنى له عشا وننتج له بيضا وفراخا ثم لن يترك ظهرنا بعد ذلك.
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري شرح الاربعين النووية.
magedswehli@gmail.com
كاتب ليبي – طرابلس
إقرأ أيضاً في “الشروق”:
اجتماعات سرية في القاهرة بين المجلس الانتقالي ورموز نظام القذافي
في ليبيا، إذا لم تستَحٍ…الصلابي عند سواله مرة خلال الثورة من المذيع باحد المحطات التلفزيونية عن المصالحة التي اجراها بين الاخوان و الليبية المقاتلة ونظام القذافي وسيف القذافي سأله المذيع لماذا لم تلتزموا بما وعدتموه اي سيف حيث انه اطلق سراح مجموعات من الاخوان وتنظيمات اخرى. اجاب الصلابي ضحكنا عليه اي يقصد سيف القذافي. هذا هو الصلابي الذي يدعي التدين ويتبع تعاليم الاسلام السمحة . يكذب على الناس لقد كذب على سيف وسيستمر في الكذب على جميع الناس هذا هو ديدنه في سبيل الوصول الى السلطة هو ومن على شاكلته الذين يريدون ان يحكمونا باس الدين وهم منهم براء. ذكر… قراءة المزيد ..