لم يَخلُ مجلس حضرته فى الأيام التالية لإعلان نتائج المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية من مُناقشات حارة حول مأزق الاختيار بين مُرشحى الجولة الأخيرة والنهائية: د. محمد مرسى، والفريق أحمد شفيق.
لم يكن لدى أصدقائى من الإخوان مُشكلة اختيار على الإطلاق، فهم مُجمعون، كالعادة، على مُرشح حزبهم د. محمد مُرسى. وهم مُلتزمون بالسمع والطاعة للجماعة، بل إنهم كما يقول الجهاديون من رفاقى فى سجن مزرعة طُرة: «يعبدون الجماعة من دون الله»! فالجماعة عندهم أهم من مصر ذاتها. ولعلنا نذكر عبارة مُرشدهم السابق، الأخ مهدى عاكف، فى معرض المُقارنة بين الوطن والجماعة: «طُظ فى مصر».
ولكن المأزق الحقيقى هو لمن لا يُريدون جماعة الإخوان المسلمين، وكانوا قد أدلوا بأصواتهم ضد مُرشحها، محمد مُرسى لصالح آخرين- مثل حمدين صباحى، وعبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى. ومع ذلك فإن مُعظم هؤلاء لهم أيضاً تحفظات شتى على الفريق أحمد شفيق.
لعل أهم هذه التحفظات علاقاته بالنظام السابق، الذى ثار عليه الشعب المصرى يوم 25 يناير 2011، حتى أسقطه بعد ثمانية عشر يوماً «11 فبراير 2011». ومن سوء حظ الفريق أحمد شفيق أنه قبل أن يكون رئيساً للوزراء أواخر عهد مُبارك، وأن يكون مسؤولاً فى نظر مُعظمهم عن الأحداث الدامية التى وقعت ابتداء من «موقعة الجمل» «2/2/2011».
وبالنسبة لهؤلاء لابد للرجل أن يوجّه عدة رسائل:
الرسالة الأولى، جل من لا يُخطئ: إن هذه المرحلة كانت صعبة على الجميع، أو أنه لم يكن وحده، صاحب القرار. فقد كان هناك وزير داخلية، مسؤولاً عن الأمن الداخلى، وكان هناك وزير دفاع مسؤولاً عن نشر قوات الجيش فى ميدان التحرير، ومن أماكن أخرى فى الأراضى المصرية، كما أن حُسنى مُبارك نفسه، كان لا يزال هو القائد الأعلى للقوات المُسلحة، وهو رئيس المجلس الأعلى للشرطة، ولمجلس الأمن القومى. وأنه كمواطن، وكرجل عسكرى سابق، فقد نشأ على طاعة قياداته الشرعية، وأن الرئيس مُبارك كان ثالث رئيس أعلى خدم معه. فمن قبله، خدم مع الرئيس جمال عبدالناصر، ثم مع الرئيس أنور السادات. وأنه ظل مُلتزماً باحترام الواجب الذى يُمليه عليه شرف العسكرية فى لحظات الانكسار كما فى لحظات الانتصار.
الرسالة الثانية، الاعتذار عما سبق من أخطاء:
إنه رغم هذا الالتزام المبدئى، فكأى بشر، أصاب أحياناً وأخطأ أحياناً أخرى، وأنه لم ينتظر جزاء، ولا شكوراً حينما أصاب. ولكنه يعتذر حينما يُخطئ، وأنه مع امتنانه للملايين التى منحته ثقتها، وصوّتت له، فإنه يعتذر للملايين التى حجبت عنه، تلك الثقة بسبب إخفاقاته فى إدارة الشأن العام، ويُقدم مُجدداً أعمق مواساته لأهالى شُهداء وجرحى ثورة يناير المجيدة. وأنه يعهدهم بالتعويض العادل والرعاية الطبية والاجتماعية الكاملة، وهذا هو أضعف الإيمان.
الرسالة الثالثة، رئيس يخضع للسُّلطة المدنية:
إنه رغم خلفيته العسكرية، التى يعتز بها، إلا أنه يُدرك أن الحياة الديمقراطية السليمة لا تكتمل إلا بخضوع المؤسسة العسكرية للسُلطة المدنية المُنتخبة – والتى هى الرئاسة، ومجلسا الشعب والشورى، والقضاء. وأن أولى مهامه، إذا منحه الشعب ثقته، هى العمل مع المجالس المُنتخبة والجمعية التأسيسية لصياغة دستور ديمقراطى لدولة مدنية حديثة.
الرسالة الرابعة، رئيس بسُلطات محدودة:
إنه لا يُصر، ولا يود أن تكون سُلطات رئيس الجمهورية بنفس الإطلاق الذى كانت عليه فى ظل الجمهورية الأولى «1953-2011». وضمن ذلك التخلى عن رئاسة المجالس المُـخصصة العُليا. فلكل من أعضاء هذه المجالس أن يختاروا رئاستهم. إن مصر مليئة بالكفاءات، ولها أن تفخر برأسمالها البشرى، وهى ليست فى حاجة إلى من يرأس هذه الكفاءات فى كل مجلس مُتخصص.
الرسالة الخامسة، رئيس لفترة محدودة:
إنه سيعمل لا فقط على أن تكون هناك نصوص دستورية قاطعة لتقليص سُلطات الرئيس، ولكن أيضاً للحد من البقاء فى السُلطة لأكثر من فترتين، بحد أقصى لا يتجاوز ثمانى سنوات.
الرسالة السادسة، شبابنا كل حاضرنا ومُستقبلنا:
أى شبابنا الذين فجّروا ثورة سلمية غيّرت تاريخ مصر، وهدمت جدار الخوف إلى الأبد، وأبهرت العالم بشمولها، وسلميتها، وإبداعها يستحقون منا كل إعزاز وتقدير واحترام. وأبسط تعبير عن ذلك هو أن نطالب لهم بدور مرموق فى إدارة الشأن العام. لذلك أدعو بنى وطنى وكل قواه الحية إلى أن ينص الدستور على حد أدنى لتمثيل كل من هم بين الحادى والعشرين والأربعين بنسبة لا تقل عن أربعين فى المائة من أعضاء كل المجالس المُنتخبة. إن ذلك من شأنه أن يحفظ لشباب الأمة ثورتهم، ويُجدد لمجتمعنا حيويته، كما أنه سيضمن تمثيلاً عادلاً لأمهاتنا وبناتنا. وحبذا لو اختار نائباً دون الأربعين.
الرسالة السابعة، ديمقراطية من الجذور إلى السماء:
لقد عرفت مصر فى العهد الليبرالى بين ثورتى 1919 و1952، مُمارسة «المجالس القروية» فى الريف، والمجالس البلدية فى المُدن. وسأقترح على البرلمان وعلى الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور أن تضع من النصوص ما يُعيد إحياء روح هذا التقليد الليبرالى الحميد، وذلك إيماناً منا بأن الديمقراطية هى ثقافة، وأسلوب حياة، وأنها تبدأ من الأسرة، والمدرسة، والقرية، والحى، وتأسيسها من البذور والجذور، هو الذى يضمن لها أن تنمو، وتترسّخ، وتمتد فروعها إلى السماء.
تلكم هى الرسائل السبع الأساسية التى أرادت محافل الأسبوع التالى لجولة الانتخابات الأولى أن ترسلها إلى المُرشح الرئاسى أحمد شفيق.
بالطبع كانت هناك رسائل أخرى ليس عليها نفس إجماع الرسائل السبع. كما كانت هناك تفصيلات عديدة حول كل رسالة. بالقطع سيتلقى الرجل رسائل واقتراحات أخرى مما يضيق المجال عن ذكره. ولعل هذه الرسائل مما يُساعد على إزالة الغُمة عن أبناء الأمة. فكان الله فى عون الفريق أحمد شفيق، وعون مُنافسه الأخ محمد مرسى، وحفظ الله مصر لأبنائها أجمعين.
وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
* القاهرة
رسائل التصالح والتوفيق مع الفريق أحمد شفيق
جاءت ساعة الحقيقة و كشف كل عن اصله و فصله الذي يختبىء خلفه . على العموم من يفز أقول له مبروك عليك . ومن يخسر ، أقول له شد حيلك وتعلم من أخطائك ، فرصة تانية إنشاء الله