حتى السكاكين التي ذبحتكم بكت عليكم..!
منذ تلك الليلة السوداء التي فجعنا فيها برؤية صور أطفال الحولة المذبوحين، وأنا أقف عاجزة أمام الحرف. أحاول ان أكتب فأشعر بالشلل في يدي وبالاختناق وكأني أغص بدمائهم في حلقي. أرى عيونهم البريئة تنظر إلي، وأيديهم ترتفع طلبا للنجدة. أحاول استعادة ما جرى تلك الليلة الشرسة، كيف استغاث الصغار بالجزارين، وكيف سالت دموعهم طلباً للرحمة، وأي خوف حل بهم متوسلين الشفقة! اتخيل من يمسك بالسكين، ترى هل كانت حادة بما يكفي لتخفف عنهم الألم؟
من منا يستطيع ان يتخيل حال هؤلاء الأبرياء؟ أكثر من خمسين طفلا نحروا بطريقة بربرية. أي ذنب اقترفوه لكي يقدموا لنا هذا المشهد المرّوع؟ هل اوقفوهم بالدور كما لو كانوا في طابور المدرسة، هل انتظروا دورهم للذبح؟ هل قيدوهم واتاحوا لهم أن يروا رفاقهم تحت حد السكين؟ هل رأوا الدم ينفر من رقاب أصدقائهم؟ هل سمع أحدكم طفلا يتضرع: «لا عمو.. مشان الله.. السكينة بتوجعني»؟
وتلك الرضيعة المرمية على الأرض الباردة.. كلما نظرت الى ثوبها المزركش الصغير، وابتسامتها التي احتفظت بها قبل رحيلها، لا أرى إلا لوحة الدم. أتساءل.. حين حملها ليذبحها، هل كان رقيقا؟ هل هدهدها وهو يسن السكين؟ هل غنى لها قبل أن يغز حقده في رقبتها: «يلا تنام..يلا تنام لادبحلا طير الحمام، روح يا حمام لا تصدق بضحك على بنتي لتنام». هل ضحك عليها وذبحها؟
بقدر ما يؤلمني ما يحصل يوميا في سوريا، تزكم انفي الروائح الطائفية في كل تحليل يصاحب مجزرة جديدة، فما زلت أرفض مفرداتها، بل حتى كرهت الأحرف التي تتكون منها هذه الكلمة البغيضة. وكجزء من الحل، لا ينبغي أن نرد على الطائفية بأشنع منها، وأن نأخذ فئة معينة بجريرة ثلة من القتلة المنحرفين. صحيح أن العامل الطائفي يحوم حول المجزرة، إلا أنها ما كانت لتقع لولا تحريض النظام وتغاضيه ومهادنته، فإن كان مصرا على البقاء كحامي الحمى (كما يقول) منذ نصف قرن، فأقل ما يمكن فعله هو حماية شعبه بكل مللهم وعقائدهم.
وإلى الذين يريدون جر الكويت إلى تلك الفتنة الطائفية، نقول: كفوا.. فليس هناك إنسان على وجه الأرض يمكن أن يتقبل ما حصل لأطفال الحولة، الشعب الكويتي يساند الشعب السوري، والأمر لا يقتصر على طائفة بذاتها، فما من ملة أو دين او مذهب يمكن أن تناصر مثل هذه الأفعال الشاذة. الانسانية لا مذهب لها.
وإلى عصافير الجنة.. وانتم تصعدون من ارض سوريا الى سمائها، اركضوا في رحابها، حيوا مياهها وسواقيها، ودّعوا أشجارها وبساتينها، قبلوا ترابها وتعطروا به، وألقوا النظرة الأولى والأخيرة لتعرفوا كم كانت بلادكم جميلة، وان حرمتم من التمتع بروعتها. انطلقوا الى الأعالي لتحلقوا هناك بسلام، حيث لا تؤذى العصافير.
d.moufti@gmail.com
dalaaalmoufti@
كاتبة كويتية
القبس