لا يسع بعض المسؤولين السياسيين في الطائفة الشيعية، الا تحميل الآخرين من عرب وعجم مسؤولية المؤامرة في تفجير الفتنة السنية – الشيعية على صعيد لبنان والمنطقة المحيطة به عموما خلال السنوات القليلة الماضية.
وبطبيعة الحال تنزيه الذات عن التورط في مسؤولية الانجرار الى هذه الفتنة امر أساسي لديهم، فهم لا يريدون من هذه الدنيا الا مقاتلة العدو الاسرائيلي وتحرير فلسطين فيما الآخرون متآمرون مع الاعداء والاستخبارات الدولية للقضاء على المقاومة، وبتعبير ادق على الشيعة، بعدما صاروا (الشيعة) مصطلحا متطابقا مع المقاومة كما ينضح الجمهور ورموزه والشارع وتعبيراته.
ما تقدم كان لا بدّ منه للاطلالة على قضية تزداد غموضا كلما زاد الحديث عنها، عنيت قضية المخطوفين اللبنانيين الـ11 في سورية، وما رافق هذه القضية منذ عملية الخطف المدانة والمستنكرة (حتى من مرتكبيها) وإعلان الافراج عنهم والرجوع عنه، الى عشرات التصريحات والمواقف اللبنانية والتركية والسورية التي تثير القلق رغم السعي الى بثّ الاطمئنان في قلوب اهاليهم المنكوبين. القلق مصدره ما اشيع عن وجود منتسبين لـ”حزب الله” بين المخطوفين كان نفاه الحزب، لكنّ تكرار هذه المقولة ينذر بتحول المخطوفين الى رهائن.
مسؤولية افشال عملية الافراج حاول البعض تحميلها إلى شكر السيد حسن نصرالله للرئيس بشار الاسد في خطاب التحرير الاخير ببنت جبيل. لكنّ الأرجح انه لو لم يشكر الاسد لكان الخاطفون اختلقوا ذريعة اخرى لعدم اطلاقهم. ولا شك ان هذه العملية فتحت شهية الكثيرين دولا وجماعات، للتدخل سلبا وايجابا.
في كل الاحوال لا يقلل ذلك من شأن الاضاءة على تحول غير بسيط في المشهد الشيعي اللبناني. إذ اظهرت هذه العملية المدانة، ومقتل 3 لبنانيات شيعيات وجرح اكثر من عشرة في العراق خلال قيامهم بزيارة مراقد الائمة، ان الاحزاب الشيعية التي تبنت دعم النظام السوري ، بات جمهورها اليوم يتلمس كلفة هذا الموقف كما لم يقدر ويتوقع.
من نتائج “مقتلة العراق “وعملية الخطف في سورية ان مكانين كانا يعتبران من مناطق الاسناد للشيعة اللبنانيين وبيئة حاضنة لهم، صارا اليوم شبه محرمين عليهما، او في الحد الادنى مكانين خطرين. ليس بسيطا ان يقف هذا الجمهور الشيعي في مطار رفيق الحريري مستقبلا من اهله جثثا وجرحى وناجين من العراق، وينتظر طائرة تقل المخطوفين من تركيا او من مكان اخر. ويراقب كيف ان الفضاء بات السبيل الوحيد للانتقال الى خارج لبنان حتى الى ايران.
الشيعة اللبنانيون اليوم يدفعون ثمن التزام “الشيعية السياسية” بدعم نظام الاسد، وهو ثمن مرشح للازدياد اذا لم يترافق مع مواقف تدفع سلطتهم السياسية والدينية الى التراجع عن هذا التأييد والنأي بالنفس، وهو اضعف الايمان. وان كان المطلوب هو الانحياز الى الشعب السوري وثورته ليس لحسابات اخلاقية ومبدئية ودينية فحسب، بل لحسابات مصلحية. لأن الشيعة لا يريدون ولا يستطيعون تحمل وزر هذه الدماء التي تراق باسم المقاومة والممانعة وبزج الطائفة الشيعية في ما لا يليق بها. واذا كان الخيار بين الانجرار للفتنة المذهبية او وقف دعم النظام السوري، فالأَولى بمنطق العقل والدين والمصلحة، منع الفتنة لانها اولى من كل شيىء.
لم يعد الخطر اليوم على خط إمداد “حزب الله” العسكري في سورية. وهذه الذريعة التي تساق لتبرير الموقف من النظام السوري ما عادت مقنعة. الخطر هو على شرخ يجري تثبيته باسم المقاومة والممانعة والطائفة، بين السنة والشيعة، وتحويل الشيعة الى طائفة تستشعر القلق ممن حولها وتخيف من حولها في الوقت عينه. هذه نتيجة من السهل تحميلها إلى الآخر. لكن من الانصاف ان يبحث كل مخلص عن مسؤوليته قبل ان تجرف الاوضاع السورية فرص التصحيح واعادة النظر بمواقف قاصرة عن احترام ارادة الشعوب، ومصابة بتبرير الاستبداد والقتل بذريعة الممانعة والمقاومة.
التلطي بالمؤامرة لاخفاء الخطايا والاخطاء لم يعد مجديا لدى الشيعية السياسية، في ظل تنامي روح العداء لدى دوائر واسعة من الشعب السوري ولدى العرب تجاه الشيعة. وبعض المعارضة السورية تساءل عن معنى هذا الاهتمام الاقليمي حيال 11 لبنانيا مختطفا، فيما اكثر من مئة مدني سوري قتلوا في الحولة ونصفهم من الاطفال لم يلقوا استنكارا واهتماما مماثلا.
أيها المفوّهون في الطائفة الشيعية والقادة الاستثنائيين، والذين حققتم الانتصار على العدو واسقطتم المؤمرات فيما العرب او بعضهم غافلون او متورطون، ثمة ما يتطلب التواضع والنظر بهدوء وروية واكتشاف حرفة كسب الاصدقاء والحد من تكاثر الاعداء… والا سيخرج علينا احدكم يوما ليقول ان الشعب السوري والشعوب العربية خرجت عن خط المقاومة والدين ولم يبق فيهما الا نحن ونظام الاسد…فتأملوا.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد