ربما بدأ حزب الله بعد الاحداث الاخيرة في الشمال وتداعياته يعيد قراءة ما يجري في ساحته اللبنانية. وتنبّه إلى ان ثمة انتفاضة فعلية في المزاج السني العام، لا تقتصر على “المتآمرين” في تيار المستقبل فحسب، بل تعدتها الى التيارات الاسلامية السياسية والسلفية، بل لم يعد الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي في مكان مختلف. ولعل اشارة اخراج شاكر البرجاوي من طريق الجديدة كانت رسالة عسكرية واضحة، مفادها ان قصة الاختراقات السياسية او الامنية للساحة السنية من حزب الله او حلفائه ليست بمنأى عن هذه الانتفاضة، وان السلاح بات عنصرًا حاضرًا ولا حياء في اقتنائه واستخدامه دفاعا او هجوما.
وجاءت حادثة اختطاف اللبنانيين الشيعة في سورية، ورمزية استهداف شيعة لبنانيين في سورية والعراق والهدوء والتروي وضبط الشارع الذي بدر من قيادة حزب الله وحركة امل ، تعبيرًا عن تحسس وتمنع عن الاستجابة لدعوة صارخة إلى التوجه نحو الشارع. ولعلها من المرات القليلة في مثل احداث مشابهة حين بدت لغة السيد حسن نصرالله خالية من اي تهديد او وعيد ولو مبطن. كان يبدو كرجل يتمنع عن تلبية دعوة توجه اليه للتورط في رد فعل عنيف بالشارع او تغطيته. فحزب الله، ب”التضامن والتكافل” مع حركة امل، يدعمان النظام السوري لكن لا يبدوان متحمسين للاستجابة او التورط اكثر الى حد الانخراط الكامل في المسألة السورية، ولا التورط اكثر مع النظام، خصوصًا أن المعطى السني في الثورة السورية وفي المنطقة لم يعد لبنان في منأى عن تأثيراته وامتداداته، فيما النظام السوري في تقهقر مستمر و”السنية اللبنانية” لا يمكن ان تكون خارج هذا السياق وهذا التحول.
الجديد ان حزب الله لا يريد التورط اكثر ونقل الازمة السورية الى لبنان، فهو الذي يحامي عن مشروعية سلاحه سياسيا، حريص على استمرار ما تبقى من الغطاء السياسي، فيما التفجير الامني كفيل بأن يلغي نهائيا هذه المشروعية السياسية. خصوصًا انه لا يعاني من نقص في نفوذه الامني والعسكري، ان لم نقل انه يعاني من فائض القوة على هذا الصعيد. وتكرار عملية امنية شبيهة بـ “7 ايار” بات مستحيلا في معطيات اليوم.
الخصم هو المزاج السني اليوم، والمثير للاسف هو ان بعض الدوائر الشيعية والقريبة من القرار تظهر انها متفاجئة، وكأن الخطر الذي تحذر منه اليوم لم تساهم هي وسواها في زرع بذرته منذ سنوات، وتم سقيُها بتعبئة ايديولوجية وثقافة مذهبية تضج بها الشوارع والحواضر الدينية، الى الدوائر الحزبية طبعًا. وهي تعبئة وصلت حد فقدان الكثيرين حسّ التمييز بين الظالم والمظلوم. وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح حيال الموقف العصبي من مظلومية الشعب السوري. تمت المساهمة في بناء هذا الواقع عبر الاستقواء في الداخل بترجمة تستند الى موازين القوة العسكرية والامنية للواقع السياسي الداخلي، على حساب السياق الاجتماعي وتوازناته.
الغريب ان الظاهرة السلفية كما يتم تقديمها في السياسة والاعلام وكما تقدم نفسها احيانا، بدأت تفاجىء مناصري حزب الله، ويكاد البعض منهم ينتقد طول اللحى او الزيّ الذي يلتزمون به، لكن الغريب ان احدا من هؤلاء ومن يوجههم لم ينتبه الى المدى غير المسبوق الذي وصلت اليه التعبئة المذهبية في بعض الاوساط الشيعية، وتراجع الخطاب الوحدوي لحساب الاعلاء من الرموز المذهبية والقضايا الخلافية بين المذاهب الاسلامية. وكلها تتم وتنمو تحت نظر حزب الله وتحت راية وحدة الطائفة واحاديتها … ويتفاجأون؟ أحداث الشمال بدأت برسالة سورية تنطوي على تفجير او تعطيل الحاضنة الشمالية للثورة السورية. السلوك الامني والعسكري اللبناني اعطى نتائج مغايرة ليس بسبب خطأ تقني بل كما يرجح مراقبون، لأن حزب الله فوجىء بحجم الجرعة الأمنية للنظام السوري. جرعة لا يحتمل نتائجها. وبعد كل ما جرى يمكن القول إن الحاضنة السنية للثورة السورية باتت اكثر حضورا وان المزاج السني لم يعد قلقاً من وجود تيارات سلفية رغم تحذيرات اللواء عباس ابراهيم من ان “الارهاب توأم الاحتلال”.
حزب الله يبدو هذه الأيام مربكا بخياراته، والمارد الذي كان محط سخرية بدأ يقلق الساخرين.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد