لم تسفر الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية عن مفاجأة. فحتى قيادات حزب الرئيس ساركوزي كانت قد سلّمت بنجاح فرنسوا هولاند منذ حوالي الشهرين. وما تسرّب عنها كان يفيد أنه لا بدّ من “معجزة” لنجاح نيقولا ساركوزي، ولكن حتى لو حصلت “المعجزة” فإن الحزب الإشتراكي سيفوز بأغلبية البرلمان المقبل، مما سيفرض تشكيل حكومة “تعايش” برئاسة إشتراكي!
لا مفاجأة إذاَ. الرئيس ساركوزي يدفع ثمن الأزمات المالية العالمية، وخصوصاً أزمات المصارف، ويدفع ثمن الأزمات المالية الأوروبية، وخصوصاً إفلاس اليونان. وقد هالَ “الفرنسي الصغير”، أي المواطن العادي، أن تدفع فرنسا، وأوروبا، “تريليونات” الدولارات لإنقاذ المصارف واليونان، في حين تطالبه هو، “الفرنسي الصغير” بالتقشّف..!
بالمقابل، لا يحصد ساركوزي ثمار “إنتصاره” في ليبيا، حيث لعب دوراً تاريخياً لن ينساه له الشعب الليبي. كما لن يحصد ثمار موقفه المشرّف إلى جانب الشعب السوري، لأن الفرنسيين اختاروا أن يقترعوا على أساس السياسات الداخلية، وليس على أساس السياسات الخارجية.
الأحد المقبل سيكون لفرنسا رئيس جديد، على الأرجح. فرنسوا هولاند لا يتمتع بـ”جاذبية” خاصة على المستوى الشخصي. وهو غير مجرّب سياسياً. فهو “أباراتشيك”، أي “إبن حزب”، أكثر منه رجل سياسي.. حتى الآن.
هل ينبغي لبشار الأسد أن “يطرب” لسقوط ساركوزي؟ لا بأس، فقد “طرب” حينما سقط عدوّه، جاك شيراك، وخلفه “صديقه” نيقولا ساركوزي! الأسد انتهى أياً كانت نتائج إنتخابات فرنسا.
الشفاف
*
افادت التقديرات الاولية التي حصلت عليها وكالة فرانس برس ان المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند حل في طليعة المرشحين للانتخابات الفرنسية، ويبدو في موقع جيد لابعاد نيكولا ساركوزي عن قصر الاليزيه.
وسيتواجه الرجلان بذلك في السادس من ايار/مايو خلال الدورة الثانية من الانتخابات، ويبدو المرشح الاشتراكي قادرا على الاستفادة من تجيير اصوات اليسار الراديكالي وانصار البيئة له، في حين ان تجيير الاصوات اليمينية لساركوزي يبدو اضعف.
وتفيد التقديرات ان هولاند سيحصل على ما بين 28 و30% من الاصوات متقدما على الرئيس المنتهية ولايته الذي سيحصل على ما بين 24 و27,5%، والذي خسر رهانه بالتقدم في الدورة الاولى للحصول على زخم هو بامس الحاجة اليه للفوز بالدورة الثانية.
وستحصل مارين لوبن على ما بين 17 الى 20,7% من الاصوات متقدمة على جان لوك ميلانشون الذي سيحصل على ما بين 10,5 و13%، وعلى المرشح الوسطي فرانسوا بايرو الذي سيحصل على اقل من عشرة بالمئة، وفق تقديرات معاهد سي اس ايه وايبسوس وهاريس انتراكتيف.
وكان الاقبال على التصويت افضل مما كان متوقعا حيث تجاوز الثمانين بالمئة بحسب تقديرات مؤسسات الاستطلاع وهي نسبة تبقى مرتفعة ولو كانت اقل من نسبة ال83,77 بالمئة التي سجلت عام 2007 وكانت استثنائية.
وبددت هذه الارقام المخاوف التي كانت سائدة من ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت.
وقد دعي حوالى 44,5 مليون ناخب الى التصويت لاختيار احد عشر مرشحا في الدورة الاولى التي سيخرج منها مرشحا الدورة الثانية.
وبعد اسبوعين، سيختار الناخبون الفرنسيون المرشح الذي سيقود لخمس سنوات هذه القوة العالمية الكبرى والعضو الدائم في مجلس الامن الدولي والتي تملك نفوذا خاصا قل نظيره في العالم.
وترجح استطلاعات الراي منذ اشهر عدة فوز فرانسوا هولاند في الدورة الثانية بمعدل 55 بالمئة من الاصوات، وبذلك ينطلق المرشح الاشتراكي من موقع قوة في طريقه ليكون اول رئيس يساري لفرنسا منذ فرانسوا ميتران (1981-1995).
وقال عند ادلائه بصوته الاحد مع صديقته الصحافية فاليري تريرويلر في معقله تول ان كوريز (وسط) “ان اختبار الرئيس المقبل ليس انتخابات وسطنية فحسب، بل هي انتخابات ستلقي بثقلها على مسار اوروبا”.
وكان هولاند قال في اخر اسبوع من حملته “لا شيء محسوما” بعد، داعيا الى التعبئة لحشد الاصوات له خلال الدورة الاولى.
وخلال حملته الانتخابية منذ اكثر من سنة، شدد فرنسوا هولاند على اولوياته مثل ايجاد الوظائف للشبان، وتحقيق النمو، مؤكدا تصميمه على اعادة توازن الميزانية في العام 2017.
وقد نجح الرئيس السابق للحزب الاشتراكي (1997-2008) في حجب غياب خبرته الحكومية وتحويل الانتخاب الى استفتاء ضد الرئيس المنتهية ولايته.
اما نيكولا ساركوزي وعلى الرغم من اعترافاته العديدة باخطائه فلم يتمكن من جهته من محو تدهور شعبيته وصورته ك”رئيس للاغنياء”.
وكثف نداءاته الى “شعب فرنسا” وركز حملته الانتخابية على الامن والهجرة مقدما نفسه على انه الرئيس الذي جنب فرنسا الغرق في ازمة اقتصادية مثلما حدث لليونان.
وتعتبر نتيجة مارين لوبن جيدة في حال تاكد انها ستتجاوز نسبة العشرين بالمئة، الا ان الاكيد انها لن تحقق الانجاز الذي تم مع والدها جان ماري لوبن الذي وصل الى الدورة الثانية قبل ان ينهزم امام جاك شيراك.
ولم يتمكن ميلانشون من احتلال المرتبة الثالثة كما كان يأمل رغم النتيجة الجيدة التي حققها.
وقد طغى بالفعل الوضع الاقتصادي على الحملة الانتخابية مع الارتفاع الكبير في معدلات العجز والبطالة (اكثر من 10 بالمئة)، وسط استحضار لشعارات الابتعاد عن الانشطة الصناعية والحمائية الاوروبية او العدالة الضريبية.
ودعت الصحف الفرنسية الاحد الناخبين الى ممارسة حقهم في التصويت بدون ان تعبر عن ميلها لاي من المرشحين، وتنتظر بفارغ الصبر نتيجة الاقتراع.
وتساءلت صحيفة “جورنال دو ديمانش” اليوم “لمن نصوت؟”، ونشرت صورا بالابيض والاسود للمرشحين العشرة مع معلومات عن كل منهم، مشيرة الى ان “المساومات للدورة الثانية ستبدأ اعتبارا من الساعة 20,00”.
اما صحيفة لوموند فارادت مساعدة قرائها على “فهم رهانات الدورة الاولى (…) بانتظار المواجهة المعلنة بين ساركوزي وهولاند”
هولاند أولا، ساركوزي ثانياً، و20 بالمئة “تاريخية” لـ”مارين لوبين”
الجميل في ديمقراطيتهم ان امورهم الداخلية هي المفصل والمحك في حين ان مايسمى بديمقراطية الدول التي اسقطت انظمتها الطاغية انتجت انظمة اكثر طغيانا ترفض تسليم المسؤولية للفريق الفائز كما حصل في انتخابات العراق ((الانجلوامريكايرانية)) حيث انهزم رئيس الوزراء الهالكي وتمدد له طهران بموافقة البريطان والامريكان!! انظروا كيف افرغوا الديمقراطية من معناها لصالح الطائفية كما سبق وان حصل في لبنان.