تكشف عملية الخطف وما رافقها، تلك التي تعرّض لها مدير معمل “ليبان ليه” اللبناني احمد زيدان في البقاع، حقيقة ان منطقة البقاع عموما وبعلبك – الهرمل تحديدا، لم تزل مسرحا متاحا اكثر من غيره في لبنان لعمليات الابتزاز والخطف، وتظهر ايضا ان الفراغ الامني والانمائي المستفحل فيها جعلها ملاذا ومرتعا لعصابات السلب والتهريب وسوى ذلك من مخالفات.
والرئيس نبيه بري الذي ساهم واحتفى بتحرير رجل الاعمال من ايدي خاطفيه، ناحرا لمقدمه الخراف على باب مقر عين التينة، أكد في المناسبة ان “هناك من يحاول صبغ بعض البلدات الكبيرة والشامخة في البقاع بغطاء إجرامي، رغم ان في هذه البلدات اناس شرفاء وعشائر كريمة، لكن هناك مع الاسف اشخاص معدودون يشوهون البلدة”، ولسان حالنا مع الرئيس بري في هذا التوصيف.
وفيما تردد ان زيدان كان خطف الى محيط بلدة بريتال، فإن رئيس المجلس البلدي فيها الحاج عباس زكي اسماعيل، الذي استنكر بشدة ما جرى ويجري من تجاوزات في عموم المنطقة وفي البلدة، اتهم “الاقطاع السياسي والحزبي الجديد، باستكمال سيرة الاهمال المزمن لهذه المنطقة وترسيخه”.
يصف اسماعيل عملية خطف احمد زيدان بـ”المسيئة والمرفوضة”، محملا الدولة عموما مسؤولية عدم القيام بواجباتها الامنية. وينوه بالجهود التي بذلت لاطلاقه، داعيا الى بذل الجهد والاهتمام نفسهما في مقاربة مشكلات المنطقة، التي هي بسبب مرور الزمن على المطالبة بمعالجتها، صار الجميع يحفظها عن ظهر قلب. وحين سؤاله عن اسباب عدم تنفيذ خطة انمائية طالب بتنفيذ بعض اولوياتها، اي “فرز الملكيات والاراضي وتصنيفها، بسبب ازمة شيوع الملكية المكبل للاستثمار، وهي البديهية والمطلب المزمن غير المنفذ، قبل الحديث عن جذب المستثمرين او تنفيذ المشاريع الاقتصادية”.
يتردد سؤال لدى اسماعيل وسواه من بعض ابناء منطقة البقاع: لماذا الاصرار لدى الدولة ومؤسساتها الامنية على ابقاء هذه المنطقة قيد الامن المتردد والمختل؟ يحيلون ذلك الى قرار بإبقاء المنطقة رهينة الاختلال الامني والسياسي والانمائي. وهو اختلال مقصود وغير عفوي بحسب ما يؤكد رئيس بلدية بريتال، الذي شدد على ان لا احد يرفض ان يحيا ابناؤه واهله واقاربه في أمن وآمان. لافتا الى ان ما لدى الناس من أمن في هذه المنطقة لا يعود فضله الى الدولة الغائبة والمغيبة، بل إلى عادات وتقاليد اجتماعية ايجابية تحكم العلاقة بين الناس وليس اكثر.
ويتخوّف المتابعون من ابناء البقاع، خصوصا محافظة بعلبك الهرمل (افتراضيا محافظة) ان المنطقة مرشحة لان تكون مسرحا لعمليات امنية متزايدة في المرحلة المقبلة، وما يعزز من هذه المخاوف ان المنطقة تدفع، بحكم الموقع والخلل المشار اليه، إلى أن تكون مسرحا لانعكاسات المشهد السوري المتردّي. يرجّح هذا المنحى المقلق ما يسميه رئيس بلدية بريتال “تقاطع مصالح قديم ومستمر بين القوة الحزبية الفاعلة ومؤسسات الدولة، على ابقاء هذه المنطقة فالتة من عقالها، لتبقى مساحة للاستثمار الامني – السياسي”.
وما يلفت في هذا السياق ما يجري تناقله علنا وسرا، حول نشاط متزايد في تجارة السلاح ضمن هذه المنطقة، ومرشح للتزايد في المرحلة المقبلة، وهي تجارة باتت تجذب اليها الكثيرين من الطامحين والطامعين والعاطلين عن العمل.
ومع تزايد الاحتقان السياسي في البقاع، المتنوّع مذهبيا وطائفيا، والقائم على التأييد والرفض، في وقت واحد، للثورة السورية، يؤكد بعض المطلعين على احوال هذه المنطقة انها دخلت في المشهد السوري سياسيا وجغرافيا وهي لن تكون بمنأى عنه في ظل استمرار انكفاء الدولة امنيا وانمائيا…
حادثة خطف زيدان، على أهميتها، تبدو تفصيلا في سهل البقاع الاسير بين سلسلتين من حصار انمائي وفراغ امني مريب، وما أفرج عنه من ترتيبات الإفراج عن المخطوف لا تفعل سوى زيادة أسباب القلق من غياب الدولة وحضور الوساطات الحزبية بدلا منها… وثمة من قال أكثر.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد