قبل ثلاث سنوات رحل شاعر الثورة الفلسطينية محمود درويش، كتب قصائداً جديدة يومها، ودخل المستشفى للقيام بعملية جراحية في القلب، نام القلب يومها ولم يستيقظ، تاركاً الشاعر جسداً ينتظر الانتقال إلى فلسطين ليسكن قرب ”أبو عمار“ قائد الثورة الفلسطينية الذي كتب معه تاريخ الثورة. كان محمود درويش صورة للفلسطيني الذي يدور الدنيا من أجل قضيته، يكتب قصيدة فتنتشر سريعاً بين الناس، وهو يعتبر حتى اليوم من أفضل من كتبوا الشعر العربي الحديث الذي قرأه الناس وتعرفوا منه على المأساة الفلسطينية التي ولدها الإحتلال الإسرائيلي.
ثلاث سنوات على رحيل الشاعر الذي تحولت قصائده إلى أغنيات للثائرين في العالم العربي، ولرافضي الظلم وللمطالبين بالحرية، غنى فلسطين وبيروت واليمن والياسمين الدمشقي، وكل المدن العربية، فصار الأكثر شهرة بين كل الشعراء العرب، ولكنه كان دائماً يحلم بالعودة إلى حيفا ويافا، ليسكن هناك في منزل العائلة ويأكل خبزاً من يدي أمه ويشرب عندها فنجان قهوة، ويسير في الطرقات التي عشق فيها ريتا وعيونها العسلية.
http://www.youtube.com/watch?v=qPXq2er2-xw
محمود درويش صنع من القصيدة حلماً للثوار، ووضع مع عدد من الموسيقيين مثل أحمد قعبور ومارسيل خليفة وغيرهما هذه القصائد على شفاه الناس، فتحولت هذه الأغنيات إلى ثورة جديدة، تصنع أملاً، وتحولت الأغنية الثورية الفلسطينية اللبنانية إلى مدرسة جديدة في الفن لاقاها من سوريا سميح شقير ومن مصر الشيخ إمام وغيرهم كثر نجحوا في كتابة الموسيقى القريبة من الناس.
وكما الثورة الفلسطينية لها أغانيها أصبح للثورات العربية أيضاً أغانيها، من تونس إلى مصر وحتى اليمن، ولكن الثورة السورية أبدعت أغنيات مع الثورة من فنانين سوريين ولبنانيين، وانطلقت مع أغنية ”يا حيف“ للفنان سميح شقير التي تحدث فيها عن مدينة درعا خلال حصارها. كانت تلك الأغنية الأولى التي فتحت الباب أمام إعلان عدم صحة اتهام النظام السوري للانتفاضة بالسلفية، فشقير يساري ويميز جيداً ثورة أبناء وطنه، أتت أغنيته كصرخة حكى فيها عن القتل الذي يتعرض له المواطنون السوريون من الشبيحة والأمن.
http://www.youtube.com/watch?v=Jytzu7LCJOo
بعد أغنية شقير التي ساهمت في كسر الممنوعات وواجهت الحصار المفروض على الناس، انطلقت الفرق السورية تغني للانتفاضة في وجه الظلم، ولكن الأبرز كان الأغنيات التي أطلقتها أصالة نصري دفاعاً عن شعبها. فتحول الهجوم على أصالة وسماها بعض ”المنحبكجية“ بالخائنة، ولكن أصالة عرفت التمييز بين ما يعانيه شعبها وبين إشاعات النظام فاختارت ان تكون مع هذا الشعب.
http://www.youtube.com/watch?v=K368l5q2yMU
وللثورة السورية أغانيها وفنانوها الذين يصنعون من فنهم نبضاً جديداً في الشارع، وهم كما الشهداء الذين يذهبون إلى الموت مع رفاقهم المشيعين، أو كما الأم التي تنتظر عودة ابنها من الزنزانة حراً أو شهيداً محمولاً على أكف رفاقه، ينتظرون الحرية لبلدهم.
وللحلم السوري كتب أحد اللبنانيين أغنية ”سوريا عم تنبض“ التي تبدأ بمقطع ”ما حدا ينطر، قوموا نغني، للأرض اللي قلبا كبير، شارع شارع، حارة حارة، سوريا قلبا كبير، هالأرض بتضحك للريح بترسم للحب مراجيح… سوريا عمبتنبض“، في واحدة من أجمل الأغاني المرتبطة بالثورة السورية والتي أعطت أيضاً قيمة جديدة للتظاهرة التي يخرج الناس فيها صوب الرصاص وهم يحلمون بالفرح والورد.
http://www.youtube.com/watch?v=yqzgeXrp6As
إلى ”سوريا عمبتنبض“ هناك أعمال ساخرة من القتل أنتجها شبان سوريون مثل أغنية ”بدنا نعبي الزنزانات“ وهي للسخرية من الاعتقالات ومن القتل، كلماتها ترتبط برسوم غرافيكية موضوعة بشكل يساهم في توضيح الحالة التي وصل إليها الشعب السوري خلال انتفاضته، غنتها كما هو مكتوب عليها ”فرقة موسكو الدولية للغناء“ وهم بالتأكيد فرقة سورية أرادوا إخفاء هويتهم حتى لا يتعرضوا لظروف سيئة.
وكما في كل الثورات والانتفاضات الشعبية المسالمة استعمل الفنانون السوريون انواعاً مختلفة من الموسيقى تأييداً للانتفاضة من الألحان الشرقية القديمة والحديثة إلى استعمال الأناشيد الغربية وكذلك حولوا الكثير من الأغاني إلى ”ريميكس“ أي قاموا بتسريعها مع وضع خلفية موسيقية غربية عليها، ومنها أغنية ابراهيم القاشوش ”سوريا بدا حرية“،
http://www.youtube.com/watch?v=-YdvxbGufBY
وغنوا للمندسين والدبابات والزنازين ووصلوا إلى فن الراب، معطين لثورتهم ميزات جديدة غير ميزة صناعة الانتفاضة السلمية.
oharkous@gmail.com
* كاتب لبناني
سوريا تنبض ويا حيف… الثورة السورية في الأغنية كل الكلمات متلمة النصال،وكل الحروف مشرّحة الأكباد..أيها العالم المبتور اليدين المفقوءالعينين الأصمّ الأذنين؛أيها الانسان أين أنت؛لقد احتل الكفر معبد الصبر ومل عرش السكوت فأين أنت،ولقد بلغ اللؤم الشبق عوج القرون في وطني المشنوق ،وضرب السوس رؤوس الملوك فلتسقط تيجان كل الملوك، ولتهدم كل المنابر، ولتحرق كل الكتب، ولترمى كل الأوراق في غور البحر.أيها الضالعون في الحب هبّوا؛ فالشمس تشق عباب الليل الحالك ؛أيها المتألمون المحرومون أوصيكم بشرب الخمر؛ فالبسمة رحلت بمناقيد الغربان الضّالة.يا أبناء بلادي الغرباء؛ تعالوا نفتش عن أمّ شاردة تبيع الحب بطابع البريد؛يا أبناء بلادي المقهورين تعالوا نسكر ونغني لحن… قراءة المزيد ..