أصبح 24 آذار/مارس اليوم السادس على التوالي الذي حدثت خلاله احتجاجات ضد نظام بشار الأسد في سوريا، داخل مدينة درعا الجنوبية وحولها. إن حملة القمع التي قام بها النظام قد أودت حتى الآن بحياة ستة عشر شخصاً على الأقل، مع ورود تقارير غير مؤكدة بأن العدد هو أكبر من ذلك بكثير. وبينما يتزايد عدد القتلى فإن الموضوع المهم في هذه اللحظة هو ما إذا كان بإمكان الاحتجاجات — التي لم يسبق لها مثيل في ظل نظام الأسد، والأكبر منذ المطاهرات التي أثارت مذبحة حماة عام 1982 — أن تنتشر إلى أجزاء أخرى من سوريا، وذلك يوم الجمعة 25 آذار/مارس حيث دعا المنشقون إلى اعتباره “يوم الغضب.”
وحتى الآن لم تقم واشنطن [بعمل شئ] سوى بإدانة الاحتجاجات المستمرة والقمع الوحشي. ومع ذلك، فبالنظر لسجل سوريا السيئ في مجال الإصلاح الداخلي، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع معايير قياسية وجداول زمنية واضحة للقيام بإصلاحات داخلية، تستكملها بعواقب سلبية، إذا كانت تريد واشنطن أن تأمل في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية حول منح السوريين الحقوق المعروفة عالمياً، والتوصل في نهاية المطاف إلى معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل.
الخلفية
إن سكان درعا — التي هي جزء من الدائرة السنية الرئيسية التي تدين بالولاء تقليدياً لنظام الأسد — كانوا قد شاركوا في الاحتجاجات منذ 15 آذار/مارس. وقد أثيرت المظاهرات عندما ألقى ضباط الأمن القبض على مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين عشر سنوات إلى أربع عشرة سنة لأنهم كتبوا على حائط: “الشعب يريد إسقاط النظام” — وهو الشعار الذي شوهد بكثرة في “ميدان التحرير” في القاهرة. وبعد أن فشلت أسرهم في إقناع النظام بإطلاق سراح الأطفال، اندفعت تلك العوائل إلى شوارع درعا للمطالبة بإطلاق سراحهم. لكن في 18 آذار/مارس، رد النظام بقوة مما أدى إلى مقتل ستة أشخاص وإصابة عشرات آخرين بجروح.
وفي 21 آذار/مارس أرسل النظام وفداً يتكون من مسؤولين رفيعي المستوى جميعهم من السكان الأصليين من أبناء درعا ومنهم نائب وزير الخارجية فيصل المقداد للتعاطي مع زعماء القبائل المحليين وتهدئة العنف. وفي حين تم إطلاق سراح الأطفال وإقالة محافظ درعا استمر النظام في استخدام العنف لتفريق المتظاهرين كما حدث في 22 آذار/مارس، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص آخرين. إن أعداد كبيرة من حالات الوفيات غير المؤكدة التي تتراوح بين ثلاثين إلى مائة، ربما تعود إلى رفض النظام [إتاحة] المعالجة الطبية للمحتجين الذين أصيبوا بجروح ولجأوا إلى المسجد العمري في درعا. وبينما لم يكن المحتجون ذوي طبيعة إسلاموية، إلا أن المتظاهرين رددوا في 23 آذار/مارس: “لا لإيران ولا حزب الله — نريد قائداً يخاف الله!” ويشكل الشعار الأخير إشارة إلى جذور عائلة الأسد في العقيدة العلوية، وهي فرع بدعي من الإسلام الشيعي يهيمن على النظام السوري.
وربما النقطة الأكثر ملاحظة من حجم الاحتجاجات هي القاعدة الديموغرافية للمتظاهرين. فقد اندلعت احتجاجات هذا الشهر في منطقة حوران الجنوبية في سوريا التي كان سكانها القبليون السنة — كما هو الحال في مدينة درعا — موالون تقليدياً لنظام الأسد. وفي أماكن أخرى من البلاد ولمئات السنين، زادت حدة التوتر بين الطائفة العلوية في سوريا والأغلبية السنية في البلاد. وقد حدثت نقطة الوميض لهذا الصراع المتقد في شباط/فبراير 1982 عندما طردت جماعة «الإخوان المسلمين» السنية قوات أمن نظام الأسد خارج مدينة حماة شمال سوريا، ورد النظام بقصف المدينة مما أدى إلى مقتل حوالي 30000 شخص واعتقال الآلاف من المشتبه بكونهم من أنصار «الإخوان المسلمين» في مختلف أنحاء سوريا، والذين لا تُُعرف أماكن وجودهم حتى هذا اليوم.
ومن أجل تحقيق الاستقرار للنظام، سنّ حافظ الأسد، والد بشار، إجراءين رئيسيين. أولاً، غيَّر مسوغات قانون الطوارئ في البلاد — الذي تم سنه في آذار/مارس 1963 بسبب عدم الاستقرار الداخلي — بحيث يكون السبب حالة الحرب التي تواجهها سوريا مع إسرائيل. وقد عزز هذا التفكير الدعم للنظام بين الأغلبية السنية من سكان البلاد الذين انحازوا تقليدياً إلى جانب القضية الفلسطينية. ثانياً، أعطى الأسد نظامه غطاءاً خادعاً من الشرعية السنية باستمالة السنة القبليين من منطقة حوران ومنطقة الجزيرة في شرق سوريا للانضمام إلى جوهر النظام المكون من العلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين، وهذه الجماعات الأربع تشكل معاً حوالي ربع مجموع سكان سوريا.
إن احتجاجات هذا الأسبوع في درعا تهدد بخلع هذا الغطاء السني. وثمة إشارات بأن أهل الجزيرة ربما ينضمون إلى النزاع أيضاً. وفي أعقاب الاحتجاجات المتفرقة التي حدثت في دير الزور — المدينة الرئيسية في المنطقة — في الأسبوع الماضي، أعلن علي عيسى عبادي — الذي يدّعي أنه يمثل ستين قبيلة — في 22 آذار/مارس “التمرد ضد نظام (الأسد)”.
هل ستنتشر؟
ومع قيام النظام بإعادة جثث الموتى إلى ذويهم لدفنها، توجد تكهنات قوية حول ما إذا كانت ستتصاعد الاحتجاجات الدائرة في درعا وحولها. فمع كل جنازة تتزايد خطورة العنف ضد النظام مما يهدد بإشعال منطقة حوران، ويُحدث المزيد من التآكل لقاعدة الدعم الرئيسية للنظام بين سكان الأغلبية السنية في البلاد.
وتشتد التكهنات أيضاً بأن الاحتجاجات يمكن أن تنتشر إلى أجزاء أخرى من سوريا بعد صلاة الجمعة في 25 آذار/مارس، وتشمل مدناً رئيسية في غرب البلاد. وفي 22-24 آذار/مارس، وقعت احتجاجات متقطعة لكن صغيرة في بانياس ودمشق وحمص لكنها لم تؤد حتى الآن إلى نفس ذلك النوع من العنف الدائر حالياً في درعا. إن التكهنات — التي أُثيرت بأن السكان الأكراد المضطهدين تاريخياً في سوريا الذين يكنون العداء للنظام، سوف يثورون في 21 آذار/مارس خلال الاحتفال بعيد النوروز، العام الكردي الجديد — قد أثبتت أنه ليس لها أساس.
وفي محاولة لقمع الانتفاضة أعلنت المستشارة السياسية الرئيسية للرئيس الأسد، بثينة شعبان، في 24 آذار/مارس، أن النظام سوف يشكل لجنة لـ “دراسة” إنهاء قانون الطوارئ القائم منذ سبعة وأربعين عاماً في سوريا — وهو مطلب رئيسي للمحتجين في درعا وجميع أنحاء سوريا. وقد أعلنت شعبان أيضاً أن النظام سوف يصدر قريباً مسودة لقانون الأحزاب السياسية، ويزيد رواتب العاملين، ويتخذ إجراءات للتخفيف من البطالة في سوريا.
لكن يبقى من غير الواضح فيما إذا ستكون تلك الخطوات كافية لإرضاء المحتجين في درعا أو الشعب في مختلف أنحاء سوريا. إن أحد الأسباب الذي يشير عكس ذلك هو أن الشعب السوري ربما لا يصدق بثينة شعبان، خاصة لأن وعود النظام السابقة لسن الإصلاحات نفسها لم يتم الوفاء بها. وأثناء المؤتمر الأخير لحزب البعث الذي عقد في حزيران/يونيو 2005، وعدت شعبان — التي كانت حينئذ وزيرة المغتربين والمتحدثة باسم المؤتمر — بإعادة النظر بالإجراءات ذاتها، لكن دون جدوى.
إن الاحتجاجات المتواصلة قد تضعف استقرار نظام الأسد رغم أن الاحتجاجات العنيفة ربما لا تسقطه تماماً. وبخلاف ما حدث في مصر وتونس، حيث توجد للقوات العسكرية درجة ما من الاستقلالية عن النظام، تتداخل شبكات الأقلية حول نظام الأسد بين الجيش والأجهزة الأمنية. وينحدر عدد من ضباط الجيش السوري من منطقة حوران مما يمكن أن يهدد التمثيل السني في الجيش. لكن خوف العلويين وغيرهم من الأقليات من أن سقوط نظام الأسد سوف يؤدي إلى مذبحة على يد السنة الانتقاميين يمكن أن يحمي نظام الأسد من الانشقاقات العسكرية التي كانت ضرورية لإنهاء حكم النظام في تونس ومصر.
دلالات للسياسة الأمريكية
هناك دلالات عميقة للاضطرابات على السياسة الأمريكية. فقد بنت إدارة أوباما سياستها تجاه سوريا على أساس تسهيل محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. وكان عاملاً رئيسياً في ذلك هو أن جزءاً كبيراً من شرعية الأسد ارتكز على جهده التدريجي لـ “إصلاح” سوريا. وقد وضعت احتجاجات هذا الأسبوع هذه الشرعية في موضع شك خطير. ويبقى السؤال الآن هو كيف سيكون– أو ما إذا كان — زعيم أقلية له قاعدة محلية ضيقة وشرعية محلية محل شك ومتجذرة في عجزٍ ظاهرٍ عن إطلاق إصلاحات حقيقية، قادراً على التخلي عن حالة الحرب بين سوريا وإسرائيل.
وعلى مدار العامين الماضيين أبقت إدارة أوباما العقوبات الأمريكية سارية على سوريا لكنها لم تقدم “حوافز سلبية” جديدة أو ضغوطاً لإقناع الأسد على تغيير سياساته. لقد كان الأمل وراء هذا الموقف هو أن محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل كانت وشيكة. ورغم أن هذه الجهود مخلصة إلا أنها لم تؤت ثمارها حتى الآن. وبينما لا ينبغي التخلي عن محاولات التركيز على المسار السوري إلا أنه حان الوقت بالنسبة لواشنطن لكي تطور سياسة مركبة بمعنيين: أولاً، إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، فضلاً عن تعزيز عملية السلام، وثانياً، تقديم حوافز سلبية داخل المزيج الذي يتضمن إشراك سوريا في عملية السلام. وتُظهر احتجاجات هذا الأسبوع أكثر من أي شيء آخر أن الأسد يغير موقفه حقاً، فقط عندما يكون تحت الضغط ويواجه المعضلات.
وقد رفض نظام الأسد حتى الآن قبول انتقادات واشنطن لسجله في حقوق الإنسان والديمقراطية. وتوفر احتجاجات هذا الشهر الفرصة لواشنطن لتكرار دعوات الحريات العالمية — سواء يروق ذلك لدمشق أم لا. وفي 24 آذار/مارس أدانت وزارة الخارجية “القمع الوحشي للمظاهرات من قبل الحكومة السورية، وخاصة العنف وقتل المدنيين على أيدي قوات الأمن”، وقالت أيضاً “يجب محاسبة أولئك المسؤولين عن العنف.” ولتحقيق ذلك، ولضمان قيام الأسد بتنفيذ وعوده بسن إصلاحات داخلية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط علناً لاحترام حقوق الإنسان والحريات السياسية وإعداد إطار مؤسسي لسيادة القانون في البلاد. إن أفضل الوسائل المتاحة لواشنطن للضغط على دمشق هي العقوبات الأمريكية، وعلى وجه التحديد فرضها على أعضاء النظام المدرجين على قائمة وزارة الخزانة الأمريكية والذين ثبُتت مسؤوليتهم عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال حملة القمع التي قام بها النظام. ينبغي على واشنطن أن تعمل أيضاً مع حلفاء من الدول الغربية وتركيا للضغط على الأسد دبلوماسياً لكي يقوم بإعداد إطار مؤسسي للإصلاحات الداخلية مع وضع معايير قياسية واضحة وجداول زمنية كمسار سلمي للخروج من الأزمة. إن قيام الولايات المتحدة بجعل نظام الأسد يتحمل مسؤولية التزاماته، هو أفضل أمل لواشنطن للتأثير على السياسات المحلية للرئيس الأسد من أجل إحداث [تغيير] نحو الأفضل، وتجنب المزيد من إراقة الدماء، وتعزيز قيام سلام حقيقي بين سوريا وإسرائيل.
أندرو جيه. تابلر هو زميل الجيل القادم في برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب القادم “في عرين الأسد: شاهد عيان يروي معركة واشنطن مع سوريا” ( كتب لورينس هيل 2011).