تونس – من رشيد خشانة –
بعد اندلاع مواجهات عنيفة ليلة أمس بين متظاهرين وقوات الأمن التي كان أفرادها يرتدون الزيين المدني والرسمي، تسير ليبيا بخطى حثيثة نحو اختبار قوة بين الشباب المفتونين بزخم الثورتين التونسية والمصرية ونظام العقيد معمر القذافي، مع اقتراب ميقات الإحتجاج المقرر ليوم الخميس. وواضح أن الزعيم الليبي، الذي شارف على السبعين، لا يعتزم التجاوب مع مطالب الشباب المنادية بالحرية، لا بل أظهر مخاوف غير خفية من احتمال وصول الحريقين التونسي والمصري إلى بلده، للطعن في أحقيته بالإستمرار في الحكم، الذي وصل إلى سدته في العام 1969.
وفي هذا السياق سارعت السلطات الليبية لغلق مواقع المعارضة في الخارج منعا لوصول “العدوى” إلى البلد قبل 17 الجاري. وأتى اختيار هذا اليوم إحياء للذكرى الخامسة لمجزرة تعرض لها شباب بنغازي في مثل ذلك اليوم، أمام القنصلية الإٌيطالية أثناء الإحتجاج على تصريحات للوزير الإيطالي المتطرف كالدروني حض خلالها على استخدام العنف ضد المسلمين. وعلى رغم أن المظاهرة كان مرخصا لها فقد واجهتها “اللجان الثورية” والأجهزة الأمنية بالرصاص ما أدى إلى مقتل 17 شابا وجرح عشرات توفي منهم لاحقا عشرة متأثرين بجراحهم.
وسعيا لمواجهة احتمال اندلاع ثورة في ليبيا استدعى القذافي رؤساء تحرير الصحف المحلية وقرر مناقلات مفاجئة في بعض المؤسسات الإعلامية، فعين عبد اللطيف الزروق مديرا تنفيذياَ لقناة “البديل” بعدما كان يشغل منصب أمين الإعلام في شعبية (بلدية) العاصمة طرابلس. وعين أيضا صالح الزوبيك مسؤولا عن صحيفة “الزحف الأخضر” لسان حال “اللجان الثورية” (الحزب الحاكم) بدلا من رشيد الشويخ، من دون شرح أسباب المناقلات. كما حرص القذافي على الإجتماع بالصحفيين من منطلق دور الإعلام في الثورتين التونسية والمصرية، لكن لتبليغهم رسالة تهديد شديدة اللهجة منعا لأي تفاعل مع ثورة الشباب. وأجرى أيضا لقاء منفصلا مع محامين ونشطاء حقوقيين، وهي المرة الأولى منذ فترة طويلة التي ناقش فيها الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في ليبيا مع نشطاء من المجتمع المدني غالبيتهم موالون للحكم. وقال أحد الحضور لـ إن القذافي لوح خلال هذين اللقاءين بإمكان إجراء تعديلات على نظام “السلطة الشعبية” ونظام إدارة الدولة والحكم المحلي.
برلمان ونقابات
وشكل الحوار فرصة للغاضبين لكي يحملوا على محمد جبريل المقرب من القذافي والذي يشغل منصب أمين شؤون النقابات في “مؤتمر الشعب العام” (البرلمان).
وشكا نقيب المحامين عبد الحفيظ غوقة من استمرار “أزمة” نقابة محاميي بنغازي، التي افتعلتها السلطات لمنع النقابة من القيام بدورها في الدفاع عن الحريات، تاركة الهيئة التي انتهت ولايتها على رأس النقابة لمنع إجراء انتخابات حرة. وكان مكتب شؤون النقابات في البرلمان نزع الشرعية القانونية عن أي مبادرة من القاعدة، وأصدر قرارا يقضي باستمرار النقابة المعينة من الحكم استنادا لما سُمي “الشرعية الثورية”.
وسمع القذافي من محاوريه انتقادات غير مسبوقة للأوضاع التنموية وخاصة انتشار البطالة التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 20 في المئة من قوى العمل في البلد، وتدهور البنية التحية وتردي القطاعين الصحي والسكني. وحضوه على الإهتمام بتطوير الصناعة واستثمار الأراضي الزراعية الشاسعة والمُهملة حاليا. وكان لافتا أن القذافي أعاد استخدام الأسطوانة التي لجأ إليها الرئيسان المخلوعان زين العابدين بن علي وحسني مبارك، فأكد أن هناك “أطرافا خارجية” تعمل على زعزعة الإستقرار في ليبيا وتقويض أركان الحكم، متناسيا الدور الذي يلعبه شباب الداخل الليبي في الإحتجاجات الإجتماعية والسياسية المتصاعدة.
مُدونون ومُحتجون
غير أن الساحة الأهم في المعركة الإستباقية التي يقودها الزعيم الليبي وأبناؤه على المنتقدين الشباب هي ساحة الإعلام الجديد، إذ تحدثت مصادر ليبية عن حملات واسعة تشنها الحكومة على المواقع الاجتماعية مثل “تويتر” و”فيس بوك” هذه الأيام، بعنوان “التصدي للفتنة بجميع الطرق”. وتمثل أحد أوجه هذه الحملات في تأسيس عدد من الصفحات المضادة التي حملت عناوين مختلفة مثل “ليبيون ضد الخونة” و”ليبيا بلد الأمن والأمان” وغيرها، وهو الأسلوب الذي انتهجه الرئيسان المخلوعان بن علي ومبارك ضد محاربي نظاميهما. وتعتمد هذه العناصر الشبابية المقربة من الأجهزة على توزيع رسائل سريعة تصل إلى عشرات الآلاف من الرسائل الإلكترونية حملت عناوين مختلفة منها “لا للفتنة في ليبيا”.. “سنتصدى للخونة والغوغائيين”.. “ليبيا بلد الأمن والأمان”.
وفي هذه الأثناء قام نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام المُرشح الأقوى بين أبنائه لخلافته بتوزيع مليون حاسوب على الشباب بسعر 300 دينار فقط للجهاز الواحد من أجل التقرب إليهم. وارتدت الحملة عنوان حملة لمكافحة الأمية تقوم بها “اللجنة الوطنية الليبية للعمل التطوعي الشبابي” وهي تابعة لمجلس الشباب الذي يرأسه سيف الإسلام.
وفي خط مواز أفادت مصادر مطلعة أن القذافي الأب يمهد لعودة صدور صحيفة “قورينا” اليومية التي كانت تصدر في بنغازي (شرق) المدينة الثانية في ليبيا والتي كانت تصدرها مجموعة “الغد” الإعلامية التي يرأسها سيف الإسلام.
وتقرر حجبها في وقت سابق بسبب تجاوزها الخطوط الحمر المرسومة لها. وأفيد أنه أعطى موافقته كذلك على استئناف بث برنامج “مساء الخير بنغازي” الذي كان يبث عبر إذاعة بنغازي المحلية، والذي تم إيقافه والاستغناء عن خدمات طاقمه مطلع العام الماضي، لأنه كان ينتقد أداء المسؤولين.
وتُعتبر الفكرة المركزية التي يروج لها القذافي الأب لمواجهة الإحتجاجات الشبابية هي أن ليبيا “تتفرد بنظام سلطة الشعب الذي يتيح لمواطنيها العيش بكل كرامة وحرية” على حد قوله، وهي شعارات يبدو أنها لم تعد تُقنع الليبيين، أو هي تُعطي نتائج عكسية مثل شعار “البيت لساكنه” الذي شجع مواطنين لا يملكون بيوتا تأويهم على اقتحام وحدات سكنية، ما أدى إلى “زعزعة الثقة بالشركات العاملة في ليبيا” على ما قال الزعيم الليبي في أحد الحوارات الأخيرة. وهكذا فإن خطة الحكم لمواجهة احتجاجات الشباب تتحرك على محاور عدة تجمع بين الترغيب والترهيب، لكن إلى أي مدى ستقف تلك الخطة
في وجه موجات الغضب الشبابي إذا ما تفجرت الخميس … أو بعده؟