تحقيق: أحمد مولود الطيار
على صفحتي في “فيس بوك” طرحت سؤالا قارب في شكله الاستفزاز، يقينا مني في قدرة الاستفزاز على اثارة المبدع لما له من قدرة تحريضية لاخراج كثير من الطاقات والملكات الكامنة، خاصة عندما يكون الموضوع المطروق بات يشكل “ايقونة” اكتست كثير من القداسة، وباتت مقاربتها خارج سياق ونص أدبيات المعارضة السورية عملا غير مرحب به كثيرا. هل نجحت في ذلك؟ كيف قارب ضيوفي سؤالي؟ هل اخترت الزمن الملائم لطرح هكذا موضوع؟ بمعنى هل الظرف الموضوعي مناسب؟ هل الشرط الذاتي وخاصة لدى معتقلي الرأي ناضج لتقبل النقد خاصة في ظل معرفة كم الألم الهائل لديهم جرّاء تجربتهم المرة وظروف الاعتقال غير الأدمية بالمطلق؟ بالتأكيد كلّ الاجابات عن تلك الأسئلة وغيرها متروك لكم وربما لزمن قادم يعاد فيه فتح كل الملفات.
كان سؤال التحقيق الصحفي الذي توجهت به الى عدد كبير من معتقلي الرأي سابقا و كتاب ونشطاء وباحثين وسينمائيين وصحفيين التالي:
“الى بعض معتقلي الرأي سابقا:
عزيزي المعتقل السياسي سنوات اعتقالك “على الراس والعين”، ولكن يجب أن تدرك أن “سنوات الجمر” تلك لم تعد ملكك. هي رأسمال رمزي وثروة وطنية لكل الشعب السوري وليست بضاعة تباع وتشرى وليست مادة خصبة لاستدرار عطف الآخرين وليست منّة منك على أحد،ولست بسببها الفهيم العليم القادر على كل شئ، فكفى عبثا بتلك الثروة”
افتتح الحوار الشاب والناشط المعارض عهد الهندي المقيم في أمريكا الذي لخص رأيّه بالموضوع قائلا: “تجربة الإعتقال هي تجربة شخصية بحتة ينظر لها بعين الإحترام، هي ملك لصاحبها وحده دون غيره. كما أن هذا المعتقل لم يعتقل لأجل “الشعب” بل اعتقل لأجل فكرة تناسب ما يؤمن به شخصيا”. ومن زاوية أخرى يؤكد عهد على امتعاضه من المتاجرة التي شاهدها بأم عينه من بعض المعتقلين حيث قال: “تجربة الإعتقال ليست بضاعة للبيع والشراء والترزق. رأيت الكثير من المعتقلين السابقين من استخدموا تجاربهم لأجل الإرتزاق وبعضهم يضع اللوم والمسؤولية على الجميع في موضوعة إعتقاله وبان على “المجتمع” ان يتحمل هذه المسؤولية”.
نقولا الزهر الكاتب والناشط السياسي المقيم في دمشق يرى أن الاعتقال “تجربة شخصية تماما” وهي تشكل أحيانا حسب وجهة نظره “رأسمالاً رمزياً للمعتقل ذاته وللحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها”. أما في موضوع المتاجرة فيقول: “التضحية تفقد قيمتها الرمزية منذ اللحظة الذي يبدأ صاحبها بتمنين الآخرين بها أو أن يتاجر ويستدر العطف عن طريقها.فهذا الخيار يجب ان يتحمل مسؤوليته صاحبه.وطبعا هذا الكلام لا يتعارض مع الكتابة الأدبية عن تجربته وتوثيقها”.
الكاتب والشاعرالشاب عمر الأسعد يرى أن سنوات الاعتقال “تترك أثراً كبيراً فكرياً ونفسياً وحتى جسدياً على المعتقل” ويعتبر أن لاملامة على أحد منهم “على بعض ما يصرح به” وفي المقابل يشير عمر الى “تجارب جدا ناجحة في المتابعة لكثير من المعتقلين” ويوضح معنى (متابعة): “لا أقتصر الكلمة على النشاط أو العمل السياسي بل على كل أشكال الحياة لأي إنسان عادي”. ويرى عمر أن “الكتابة التي ينجزها بعضهم عن سنوات الاعتقال أفضل تعبير عن التجربة التي مروا بها والتي تستحق الوقوف عندها بكل احترام، بعيداً عن فكرة ( البطولات الرمزية) التي تنجزها بعض العقول سواء ممن كانت في المعتقل أو ممن خارجه”.
فاضل الخطيب الكاتب المقيم في المجر يرى أن الموضوع “مهم ويستحق الاهتمام ليس لأنه يلامس قضية أخلاقية ومعاناة أفراد، بل لأنه قضية تلامس واقع وتاريخ وطننا” حسب تعبيره. ويرى الخطيب أنه “لابد من الانحناء أمام معاناة كل معتقلي الرأي، الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، الذين أتفق مع أفكارهم أو أجد قواسم مشتركة معهم أم الذين لا أتفق مع إيديولوجيتهم..” ويتابع بالقول: ” سيأتي الوقت الذي يُنصفهم من جانب الوطن ودولة القانون” لكن الخطيب يشدد على مسألة مهمة هنا ويستحضر مقولة الفنان ناجي العلي: “”على المناضل ألاّ يركب على ظهرنا”ويقترح ضمن هذا الملف ” تشكيل رابطة ما تجمع همومهم سابقاً، وتكون إطاراً ربما يساعدهم على الحفاظ على تلك الثروة الأخلاقية وتوثيقها وجعلها دروساً وأمثلة لنا ولغيرنا”. يؤيده في مقترحه ذلك الشاب ياسر الأحمد.
الكاتبة والناشطة هيام جميل تؤيد من أكد على عدم المتاجرة بسنوات السجن والمواقف المترتبة على تلك السنوات معللة ذلك ” أن الناس العاديين في سورية ينظرون بعين المتابع لما يفعله كل من المعارضين والسجناء والكتاب، وان أخطأ أحدهم فإن هنالك كثر سيقومون بتعميم تقييمه على من هم في مثل موقفه”
الكاتبة فلورانس غزلان ترى “أن الاعتقال حالة شخصية ونتيجة لموقف فكري” لكنها ترى أن المتاجرة والنق حسب تعبيرها “نوع من الانقلاب على الذات وجلدها لأنها قدمت وتريد أن تحصل على نتيجة فورية وتقديس وتكريم تمنته في نفسها ” لكنها تؤكد بأن “نسبة تفوق ال 95 بالمية تجاوزوا محنتهم وأثبتوا بجدارة القدرة على الإنخراط مجدداً الحياة العامة والمنتجة..”
وتدعو في ختام مداخلتها ” اتركوا من يتاجر يفعل مايشاء، في النهاية لايخسر سوى تاريخه النضالي ولا يسيء إلا إلى نفسه ولمن حوله وعليه أن يفكر ملياً قبل أن يرمي بكل هذا الإرث في أحضان تجار السياسة وتجار السلطة”.
الكاتب ياسين الحاج صالح اعتبربأن اسلوب “التلميح والتلطيش” غير مفيد معتقدا أن معد التقرير يقصد أحدا محدد وربما استند ياسين هنا الى معلومة قدمتها احدى المتداخلات، لم ينفها المعد أنما أكد انها جزئية في هذا الملف المطروح . ثم يدلي ياسين بملاحظة فحواها: ” العلاقة بين المعتقلين وغير المعتقلين تتصف بالحساسية عموما ومن السهل أنو تتعرض لأشكال مختلفة من سوء التفاهم” ومعرضة الى “سوء فهم اكثر خاصة بين من هم داخل البلد وخارجه” و”هذا يتطلب جهودا واعية من الناس لتجنب هالشي” كما يرى ياسين.
الناشط الطلابي سابقا والمقيم في كوردستان العراق حاليا برادؤست آزيزي يرى” الاعتقال بسبب الرأي جزء من معاناة الفرد، تخصه بشكل مباشر و لا علاقة هذا الشئ بالثروة الوطنية” ثم يتساءل باستنكار: ” كيف تاجروا؟؟ أين الأدلة و الإثباتات؟” ويتابع: ” أرى من الأجدر ألا نظلم الذين دفعوا ضريبة ارائهم و نعمم في حديثنا”. ويطرق برادؤست مسألة مهمة هنا ألقت بظلالها سلبا على معاناة وملف المعتقلين حيث يؤكد” هناك أناس لم يدخلوا السجون و لم يكونوا معارضين أصلاً و لا علاقة لهم بالمعارضة ، ظهروا كأشخاص في الفترة السابقة و أدعوا أنهم كانوا معتقلي الرأي و صرحوا لوسائل الاعلام و عملوا ضجة من فراغ و كان لهم تأثير سلبي على باقي نشطاء الرأي، كانوا أداة تشويش على قضايانا و يجب أن نتحدث عن هؤلاء”.
معتقل الرأي السابق مصطفى الحاج صالح يرى أن “أي نوع من المتاجرة فهي تهم التاجر نفسه” والقضية برمتها كما يقول “ليست كذلك” ويطالب معد التقريربألا يورط نفسه ولا يسئ الى الناس.
المعارض السوري ومدير مؤسسة “ثروة”، عمار عبد الحميد، يرى أن “التجارب الصعبة التي يمر بها الإنسان من اعتقال ونفي وتعذيب وماشابه، لاتجعل من المرء قديساً” ويؤكد “إن الاستناد إلى تجربة معينة كالاعتقال أو النفي أو التعرّض للتعذيب كوسيلة لخلق مصداقية ما أمر مشروع في حدود معينة كجزء من آليات التواصل والتحاور والانفتاح، لكن تجارب من هذا النوع لاتكفي ليتبوّأ المرء مناصب قيادية، وإن كانت رمزية، ولأن تجعله بمنأى عن النقد والانتقاد “ويؤكد عماراتفاقه مع ياسين الحاج صالح: ” هذه القضايا تبقى حسّاسة وقد تفتح الأبواب على مصاريعها للدخول في سجالات مجانية نحن بغنى عنها”.
الناشطة السياسية والمقيمة في دمشق ندى الخش ترى في” استمرار حالة الطوارئ واستمرار الاعتقال التعسفي واشاعة اجواء الخوف والسلبية تزيد تعقيد تقييم تجربة الاخوة الذين عانوا تجربة سجن لاعوام طويلة غيرت مجرى حياتهم بشكل لايحسدون عليها” لكن ندى ترى ” ان مواقف بعضهم موتورة جدا دافعها في المعارضة هو النيل من الاخرين وتخوينهم كلغة اهل النظام وقد شهدت حورات لبعضهم كانت كلها ردة فعل سلبية” وتختم بأن “موضوع الاعتقال معقد بسبب استمرار الحالة “.
بسام الفرحة يرى بأنه “لا يجوز ظلم المجموع من خلال الفرد” واللي ياكل العصي مو مثل اللي يعدها حسب تعبيره.
الصحفية السورية خولة غازي تميز في نظرتها الى المعتقلين حيث تقول: “افرق بين المعتقل الذي اخذ على الشبهة والمعتقل الذي كانت لديه مواقف عملية” وتؤكد أنها تقف بكثير من الاحترام لكثير من أولئك المعتقلين . لكنها تتساءل ان كان من المفيد فتح هذا الملف أو “يصحح من مسيرة عمل منظم” لأنه برأيها “المعتقل بشر ، وليس نبي ، قد يكون لديه نوازع سلبية بشخصيته لا تطاق ، بالرغم من ان موقفه السياسي لا غبار عليه..” وفي مكان اخر تكمل غازي في معرض الرد على معد الحوار استغرابها أن “الاعتقال ثروة وطنية”، هو “ثروة لصاحبها” ثم توغل غازي في فتح الملف الى نهايته حيث تقول: ” افرق هنا بين معتقلي الاخوان المسلمين ومعتقلي اليسار ، شخصيا انا ضد اي احد يريد ان يجعل من سوريا طالبان ، واراه بنفس النظرةالتي انظر بها للنظام ولا انظر لأي تجربة له باحترام “.
أحد المتداخلين ويوقع باسم “محامي سوريا” حيث يرى أن ما يصدر عن المعتقل يبقى “تجربة شخصية تختلف من معتقل الى اخر” لكنه هنا يقيم تمييزا، حيث يقول: “تدمر , المزة, صيدنايا, أبو حسن فروع الأمن العسكري , جوية , فروع أمن دولة , فروع السياسية , فرع فلسطين , كفرسوسة وآلاف الأفرع والأقبية والسجون التي لانعلم بها هي ومعتقليها ناريخ سورياوهي ملك للحاضر والمستقبل”.
الشابة نور جديد ترى – موجهة كلامها الى معد التقرير- : “..ليس من العدل وضع المعتقلين بخانة الشك,كلمة”بعض” عندك ستعني وضع الكثيرين/ات في هذه الخانة للآخرين ” وفي معرض الردود تقول بأنها”ضد تحويل بعض الأشخاص لرموز و أساطير..” لكنها “بصراحة” لا تتفق مع “طريقة الطرح حيث يبتعد الى نواح أخرى وغير مجدية” كما تقول.
احدى المداخلات وصلت عبر الايميل حيث اعتبارات خاصة منعت مرسلها من ذكر اسمه ماذا جاء فيها؟ ”
أنا أعتقد أن تجربة السجن السياسي في سوريا هي جزء من تاريخها الوطني الحديث والمعاصر، جزء ساهم ولعب دوراً كبيراً في رسم حياة الأفراد والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة” ويؤكد صاحب تلك المداخلة على ضرورة اضاءة هذا الملف لأنه حسب رأيه “جزء هام لا تستوي الذاكرة الوطنية من دونه” .
الكاتب ومعتقل الرأي السابق غسان المفلح أفرد وفي معرض حواره مع الموضوع ومساهمة منه في النقاش مقالا خاص كان بعنوان ” السجن السياسي سلعة أم قداسة؟” منشور في أغلب المواقع السورية ارتئينا الاشارة اليه هنا نظرا لتعذر تلخيص ما جاء به ولكي لا يقتطع من سياقه.
الكاتب عدنان مكية يقتبس في عجالة جملة لياسين الحاج صالح من احدى مقالاته تقول: “الاعتقال السياسي أعطى المعتقلين رأسمال رمزي لكن سرعان ما سيتبخر هذا الرأسمال إذا ما حاول السجين استخدامه وسيكتشف أنه لارصيد فعلي له”.
المخرجة السينمائية هالة العبدالله أدلت بدلوها في موضوع تحقيقنا فماذا قالت؟
“انا مع اضاءة كل تجربة لها علاقة بحرية الرأي في بلادنا ان ارتبطت بالسجن والاعتقال ام لم ترتبط، هذا واجب علينا وامر ضروري وحاجة تبقى ملحة وانا بنفس الوقت ضد جذريا المتاجرة بهذه التجارب وبهذه المعاناة وبيعها على البسطات والمنابر”.
الروائية والكاتبة منهل السراج كانت حاضرة ولا ترى “في سنوات السجن ثروة، إلا في إطار تراثي أو تاريخي”وترى بأنه لا يمكن من خلال هذه الثروة حاليا “بناء شئ واقعي” سوى “تسجيل ما ارتكبته تلك الأجهزة من جرائم من أجل أن تستمر في استبدادها” وتتابع: “هذه الآلام، يجب أن لا نكف عن نبشها، ليس للبناء عليها، إنما من اجل الحقيقة الثمينة.. ثم ترتيبها في أماكنها المقدسة، أماكن عبادة .. ان أردتم” حسب تعبيرها.
أما “من يستخدم سنين سجنه من أجل مكتسبات ما .. تسهيلات ..” فترى السراج في ذلك أنه”أمر غير سئ” معللة رأيها متسائلة : “ماذا يفعل بعد كل هذا الظلم؟” وتجيب: “يحتاج أن يرتاح.. على أن يتم أمر المكتسبات تلك بعدل وأخلاق”.
الباحث الشاب عصام خوري يوجه في مدخل مداخلته نقدا حيث كان يتوقع من بعض الأراء الموجودة احترافية أكثر في توجيه أفكارها و أحكامها على سؤال جدلي حسبما قال . ثم ينطلق في تمييز بين المعتقلين في تبويب وتصنيف يضعه، مقسما المعتقلين الى 10 مناحي من “معتقلين اسلاميين لا نعرف عنهم شيئا” الى “معتقلون منعزلون” الى “معتقلون معلولون بأمراض جسيمة” الى ” معتقلون مستسلمون” ثم “معتقلون “وقعوا على صك إفراجهم بشروط” وبعد توقيعهم تاجروا بآرائهم وأفكارهم” وصولا في النهاية ودائما حسب تصنيف عصام االى الفئة الأخيرة”معتقلون كانوا ومازالوا جميلين ومتوازنين بفكرهم”.
ختام المتداخلين كان الكاتب بدرخان علي موجها كلامه الى معد التقريرقائلا: “المعنى الوحيد الذي أفهمه لكون الاعتقال “ثروة وطنية” هو أن تتكوّن لدينا ذاكرة وطنيّة مضادة للسجن والاعتقال وحجز الحريات والاعتداء على آدميّة الناس… عدا ذلك السجن والاعتقال كارثة على المعتقل وأسرته ومحيطه الأقرب أساساً”
ثم لا يرى في الاعتقال ” لا رأسمال رمزي ولا ثروة وطنية” والسبب كما يقول علي: “المجتمع السوريّ تبرّأ تقريباً من أبنائه المعتقلين معنوياً وماديا والاهتمام بأحوال المعتقلين-إعلاميّاً وحقوقيّاً بصورة أساسية- شيء مستجد في حياتنا في العقد الأخير .
تلك كانت أبرز ما جاء في مداخلات من شارك وساهم في اغناء هذا التحقيق ولمن يود الاطلاع عليه كاملا زيارة الرابط التالي: