بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على مقتل الطالب الجامعي والصحفي سردشت عثمان نشرت لجنة التحري والتحقيق حول اختطافه وقتله تقريرها. ولكن هذه المرة بسيناريو لا يمكن تصديقه من أجل إخفاء الحقيقة عن الرأي العام في كردستان العراق، ومن ثم تبرير قتله وملاحقته حتى في مماته، فهذه المرة اتُّهم سردشت بالتورط مع جماعة “أنصار الإسلام” الإرهابية وزعم التقرير “أن سردشت كان على علاقة بأنصار الإسلام ووعدهم بتنفيذ بعض الأمور لصالحهم، لكنه أخلف وعده فقرروا قتله”!
كما أشار التقرير إلى أن المتهم بقتل سردشت عثمان هو كردي من مدينة الموصل ويدعي “محمود إسماعيل” يبلغ من العمر 28 عاماً، وبحسب التقرير فإن محمود إسماعيل قد أعترف بأنه قام بتصفية سردشت لأسباب تتعلق بتصفية حسابات بين الجماعة والقتيل، كما نشرت اللجنة صورة له وتعهدت في تقريرها بملاحقة البقية المشاركة في القتل ليقدموا للمحاكمة من دون أن تذكر أسمائهم.
أن هذه اللجنة تمّ تشكيلها بعد شهرين من اختطاف ومقتل سردشت عثمان في يوم 5-4-2010 أمام كليّته و في وضح النهار في مكان مكتظ بالناس. أمر مسعود البارزاني بتشكيلها بعد ضغط من الرأي العام الكردي والعراقي والدولي. ومما شكك في مصداقيتها منذ الوهلة الأولى أن جميع أعضائها من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، الذي قام بمكافأتهم مدعياً أنهم كشفوا حيثيات اغتيال سردشت عثمان، كما أنه من المعروف لدى الجميع أن جماعة “أنصار الإسلام” لا وجود لها في إقليم كردستان العراق منذ العام 2003، حين كانوا يتمركزون في منطقة “هاورامان على الحدود الإيرانية”. والملفت للنظر كيف استطاعت هذه الجماعة اختطاف سردشت عثمان في مكان مزدحم يصعب فيه سرقة كيس بطاطا، ومن ثم تجاوز كل نقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق بين مدينتي أربيل والموصل!
إن إقليم كردستان العراق من أكثر مناطق العالم أمناَ باستثناء التجاوزات التي يقوم بها أمن مدينة “هولير”، وهي مؤسسة أمنية تتبع للحزب الديمقراطي، علماَ أن مخابرات هذا الحزب أيضاً لا تحمل الصفة القانونية، كما أن الجهات الإرهابية لا تغامر باختطاف سردشت في مكان مكتظ بالناس، بل تعتمد في استراتيجيها على التفجيرات الإرهابية فقط. وهذا يستحيل القيام به في هذه المدينة نظراً للاستقرار الأمني.
لم تكتف هذه اللجنة بجلب شخص تدّعي أنه عضو في جماعة “أنصار الإسلام” الإرهابية و قام بعملية قتله، بل اتهمت سردشت عثمان بالتورط مع هذه الجماعة بتنفيذ بعض الأمور دون توضيح هذه الأمور. و قد تركت اللجنة ذلك للتقرير القادم لتكتمل المسرحية على أكمل وجه وليتهموا الصحفي المغدور باتهامات باطلة ويستمروا بملاحقته حتى بعد مماته.
يبدو أن لجنة حزب البارزاني حملت في تقريرها الأطنان من الأكاذيب والافتراءات بحق هذا الشاب. فقد ندد ذووه بهذا التقرير الكاذب، فسردشت لم يكن إسلامياً حتى يتهم بالتورط مع جماعة إرهابية. ومعرف عنه أنه شخص علماني ومكتبته مليئة بالكتب الفكرية والثقافية، وآرواؤه ومداخلاته في السيمنارات التي كانت تحصل داخل حرم الجامعة دليل مكشوف للجميع على أن سردشت كان بعيداَ كل البعد عن الفكر التكفيري.
إن مضمون تقرير لجنة التحري والتحقيق سيزيد الأمور تعقيداً. فهي بعد أن أخفت كل المعلومات والحقائق، عاهدت على النيل من سردشت عثمان وهو في مثواه الأخير وقرّرت أن سردشت لا يستحق النوم بهدوء بعد ثلاثة طلقات في الرأس بسبب مقالاته الثلاثة. أما بالنسبة لأعضاء اللجنة فقد أمّنوا مستقبل أولادهم و أحفادهم للأبد بعد المكافأة المادية من قبل رئيس إقليم كردستان العراق..
* صحفي كردي سوري يقيم في كردستان العراق.