قبل تشكيل حكومة ما يسمى بـ”الوحدة الوطنية”، اتحفنا “حزب الله” ومن يمشي خلفه بـ”قصائد غزل” عن “الوحدة”، في “سيناريو مرحلي” لم ينطلِ حينها على العارفين بأحوال الحزب، والعالمين أن كل ما يتردد في هذا السياق “كلام حق يراد به باطل”، طالما أن سلاح “7 أيار “، أفرغ انتخابات “7 حزيران” من مضمونها، وأرسى معادلة الشراكة في “حكومة الوحدة” بمفعول “تعطيلي”، وقل “تفجيري”، عندما تقتضي الحاجة.
لم يمر وقت طويل قبل أن يثبت “حزب الله” مفهومه الخاص لـ”الوحدة”. فإما أن يكون البيان الوزاري مفصلاً على قياسه، وأن تخدم قرارات الحكومة مصالح “دولته”، ومن ترتبط بهم من خارج الحدود، وإلا فـ”الويل والثبور من عظائم الأمور”، في ما يؤكد أن دور “حزب الله” داخل ما يسمى “حكومة الوحدة الوطنية” هو دور “حراسة” دولته أو حكومته أو كيانه.
إذاً، أرادها “حزب الله” حكومة “وحدة” بالإسم فقط، وكان له ما يريد، بعد أن عمل جاهداً لـ”تطويع” رئيس الجمهورية من خلال حملات شنها حلفاؤه بالنيابة عنه، وجعلت رئيس البلاد يحسب “ألف حساب” قبل أن يصدر أي موقف قد يثير حفيظة “حزب الله”. وهذا، في موازاة محاصرة الحكومة، وشل قدرتها على الإنجاز وحلحلة الملفات العالقة، و”مقاومة” أي قرار لا يغني على ليلاه!.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أسقط “حزب الله” طاولة الحوار، وجعل النقاش بشأن الإستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من الخطر الإسرائيلي بلا أفق. أقام الدنيا ولم يقعدها على خلفية إمتناع الدولة اللبنانية من التصويت على العقوبات الدولية على إيران، الدولة التي تدعمه. جعل من “الحبة قبة” في موضوع ما يسمى بـ”الإتفاقية الأمنية” مع الولايات المتحدة الأميركية، ويعيد الفيلم نفسه اليوم في موضوع الإتفاق الأمني مع فرنسا. استهدف قوات “اليونيفيل” في الجنوب تحت مسمى “الأهالي”…
وأكثر من ذلك، بدأ الحزب في الأيام الماضية بتعميم التوتر على الساحة الداخلية، من خلال “إستهداف” المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كما دل بيان “حزب الله” عن لقاء أمينه العام السيد حسن نصر الله بحليفه المسيحي النائب ميشال عون، لا سيما إشارة البيان إلى أنهما “بحثا في المحكمة الدولية وما يحضر للبنان على هذا الصعيد”!! لا سيما أن المراقبين يخشون من انتقال وزراء ما يسمى “المعارضة سابقاً” من المهادنة إلى المصادمة، مع اقتراب قرارات المحكمة الدولية .
كل هذه الأمور بدأت ترخي بظلالها الثقيلة على المشهد اللبناني، وتنعكس على عمل الحكومة من خلال “الإنقلاب على ما تقرره”، في “إزدواجية فاضحة”. إذ يوافق وزراء “حزب الله” على قرارات الحكومة، ثم ينبري نوابه للاعتراض عليها في مجلس النواب بحجج وذرائع لا تقنع أحداً.
في المحصلة، “حزب الله” يرى أن الظروف مؤاتية لتحقيق ما لم يحققه سلاح “7 أيار”. لكن “مقاومة” 14 آذار تقف سداً منيعاً أمام أخذ البلد “رهينة”، ولا تنفك تدعم حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة الرئيس سعد الحريري، فيما “حزب الله” وحلفاؤه لا ينفكون يزرعون الألغام في طريقها.
باختصار، فإن ما ساقته وقائع الأسابيع الماضية تؤكد ما قاله أحد المحللين السياسيين “إن “حزب الله” يختار ما يأخذه من الدولة اللبنانية والحكومة، و يمارس لعبة “الانفصال والاتصال” معاً عن الدولة وبها”!
Moussa_abed@hotmail.com
* كاتب سياسي – بيروت